فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الرد على الشيخ أحمد بن عمر الحازمي 3

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      وبعد،

      1)       بشكلٍ عام، نبدأ بتقرير أن الشيخ الحازميّ رجل صاحب قراءة واسعة واطلاع جيد لا يحظى به كثير ممن يتسمى باسم العلماء، وهذه شهادة حق لا يمنعنا عنها مخالفتنا له في المسائل التي ذكرنا في تحرير موضع النزاع، ولا يمنع من خطئه في أية مسائل أخرى، فالخطأ واردٌ على كلّ بنى آدم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف هذا العقلاء والعلماء، إلا بعض المتعصبة من الدهماء[1] ممن لا يُحسب لهم حساب أصلاً.

      وقد اعتمدت في الرد على تقريرات الشيخ الحازميّ على ما سجّله في ردّه على الفتوى التونسية بِشكلٍ أساسيّ، وبعض القليل مما دونه له بعض تلاميذته على النت مكتوباً مما وجدته.

      2)       كذلك أودّ أن أبيّن أننى ما أقصد أن "أهاجم" أحداً بعينه، بل الأصل هو أن أبيّن خطأ منهجياً ظهر في عامة حديث الشيخ الحازميّ، وتلقفته تلامذته بتهورٍ في التكفير، وإن ظهر في بعض ما قرر خلافه وتناقضه كما سنبيّن. فإنْ لم يكن هذا الخطأ من قوله ومذهبه، فنحن له محبّون موافقون، وإن كان مذهبه، فالواجب عليه بيان ما يقصد، تبرءاً مما يرى من سوء فهم العوام، وإن كان عكس ذلك، فنحن له رادّون مخالفون.

      3)       والمُستمع لهذه التسجيلات يجد في شريطها الأول والثاني خيرا كثيرا، وإن كان فيه إطناب لا داعى له، فقد كرّر فيه ما ثبت مراتٍ ومرات، ولعلّ هذا ما يفعله أصحاب الشرائط، دون الكتّاب، للتأثير على مستمعيهم. وقد ركّز علي فكرتين أو ثلاثة، من أنّ الإسلام والشرك لا يجتمعان، وأنّ أصل الدين هو التوحيد الذي هو الكفر بالطاغوت ظاهراً وباطناً، وأنّه لا يُعذر من ارتكب شِركاً أكبر ينقل عن الملة، سواء فعله عن علمٍ أو عن جهل أو عن تأويل، وأنّ من فعل هذه فهو لم يعلم ما الطاغوت ولا تحقق بالكفر به. هذه هي محصلة الشريط الأول والثاني، عبأهما على امتداد ساعتين أو أكثر قليلاً، مع ذكر الكثير من الآيات القرآنية العامة، الدالة على التوحيد، وبعض من أحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكثير من أقوال أهل العلم ممن تحدث في هذا الموضوع، سواءً بن تيمية وبن القيّم، ومروراً بمحمد بن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده، وعدد من علماء نجدٍ، يجدها المستمع على شريطه، ويجدها القارئ في كتابنا "الجواب المفيد" منصوصة مرتبة مدونة.

      4)       وقفة:

      ولي ملاحظة في هذه الموضع، هو أنني حين كتبت في موضوع العذر بالجهل قبل خمسة وثلاثين عاماً، وقررت فيه ما قرر الشيخ الحازميّ في هذين الشريطين، فقد قصدت به كفر كلّ من لم يترك عبادة الطاغوت، وكنت أقصد بالذات طاغوت القصور مع طاغوت القبور، إذ انتشر وقتها، ولا يزال إلى وقتنا، من يفرّق بين الكفرين، فيحصر حديثه على من دعا أهل القبور، وينسى أو يتناسى من شرّع ورضى بتحكيم غير شرع الله أو والى الصهيو-صليبية، وأقام لها قواعدا تنطلق منها لقتل المسلمين في نواحى الأرض، وتفرض سيطرتها العسكرية على أراضيهم، بل ولبس الصليب في عنقه، وتحالف مع السيسي الكافر المُتحالف مع تواضرس، وأول من اعترف وموّل بانقلابه الشركيّ الذي قتل المُصلين الركّع السجود، أم هل يعتبر الشيخ الحازميّ هؤلاء كفاراً يحلّ قتلهم وحرقهم أطفالاً وشيوخا ونساءً في المساجد، بل ومن شرّع منع الجهاد في سبيل الله، وعاقب عليه، وسجن واعتقل وقتل من المسلمين الموحّدين، لا لأنهم سرقوا ونهبوا، بل لأنهم قاموا في وجه سلطان يفعل ما يفعل من هذه الشركيات الظاهرة التي هي في أصل التوحيد، ولبّ الكفر بالطاغوت، وما لا حصر له من الأفعال! فهل استثنى الشيخ الحازميّ هذا الصنف من الكفر، وهل يلجأ، في هذا اللون من الكفر الصراح، إلى التأويل والتحليل، بل والتضليل، ليُخرج أمثال هذه الأفعال من دائرة التوحيد، ويقصرها على عباد القبور؟ حينها نردّ عليه بكلّ ما ذكر في الكفر بالطاغوت، ومخالفة ملة إبراهيم، إلا إن ادعى أن من ملة إبراهيم ما يفعل هؤلاء من كفر حكمٍ وولاء، وبما نقل هو بنفسه عن القرطبيّ في عدم مخالفة ظواهر الآيات في مخالفة ما ثبت في القرآن بقول "كفرٌ دون كفر"، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه. ولعلنا نسمع منه في هذا الأمر. وقد كتبنا في هذا اللون من الكفر في مواضع عدة منها ردّنا على المدخلي المبتدع، بالتفصيل، فليرجع اليها من أراد. ثم نتابع حديثنا عن عباد القبور، ونترك، إلى حين، عُباد المناصب والقصور.

      5)       ما أورد الشيخ الحازمي أعلاه، في الفقرة الثانية، فليس لنا عليه اعتراض، إذ قد أثبتنا هذا الأمر من قبل أربعين عاماً وأثبنتها علماء أهل السنة الجماعة على مدى تاريخ الإسلام منذ قرون، وإن كنا نتحفّظ على ما يظهر من مساواة الجهل والتأويل في هذا الباب بإطلاق. كما نتحفظ في إطلاق تسمية "عباد القبور"، فمنهم ما يدعة للقبر ويسأل صاحبه، ومنهم من يدهو عند القبر اعتقاداً للبركة"، وقد فرق بن تيمية رحمه الله بينهما، بل فرّق حتى بين أنواع الطواف بالقبور.

      6)       ثم بدأ الشيخ في الانحراف عن السنة، في شريطه الثالث، حين أراد أن يثبت أنّ الكفر الناقل عن الملة لا يتعلق بالفاعل فقط، بل بمن رأى له عذراً ولو مرجوحاً، في بعض الأحوال، وسوى بين الإثنين تسوية مطابقة، قال "إن حكمه حكم المشركين بمعنى أنه كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام"، كذلك "أن من قال أنّ تكفير العاذر من فعل الخوارج أو المعتزلة فهذا قول لا يقوله إلا كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام"! ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولازم قوله الأول تكفير ما لا يعلم عدده إلا الله من العلماء، بدءاً من شيخ الإسلام بن تيمية، كما سنبيّن قوله، وكذلك تكفير العبد الفقير كاتب هذه السطور! والظاهر أنّ هذا الأمر عند الشيخ الحازميّ لا قيمة له عنده، فقد وضع نفسه على ما يشبه شريط سكة الحديد، ثم انطلق يدعس بالكفر من يقف وجهه، لا يحيد عن قضبانه، والعلم والإيمان والاسلام ومنهج أهل السنة والجماعة برئ من هذا التوجه يعلم الله، إنما يناسب هذا أحادييّ النظر من الدهماء والعامة، ولا يناسب من هم في علمه واطلاعه.

      7)       وقد بدأ بتقرير صحيح، في مناطه، وهو "أنه من لم يكفر المشركين، أو شكّ أو تردّد في كفرهم فهو كافر"، وهي القولة التي يعرفها الكثير من أنه "من لم يكفّر الكافر فهو كافر". ولا يخفى على أحدٍ لديه ذرة من العلم خطر هذه القاعدة على الفهم العاميّ، والتهور في استعمالها دون تقييد يُنبه الغافل ويلجم المتهور. ثم استطرد في أنّ العلماء قاطبة أجمعوا على أن تكفير المشركين هو من أصل الدين الذي لا يصح من دونه، وأتعب نفسه هداه الله فيما هو ثابت. وهذا لا يناقضه أحدٌ يُنسب لعلمٍ، ولا يحتاج لهذا الإطناب. وجاء بتفسير العديد من الآيات التي تثبت كفر الكفار عامة، وهو ليس من محل النزاع.

      وقد تحدث الشيخ بعموم هذه القاعدة دون تقييد بأي أمرٍ من الأمور. وهذا هو ما نأخذه عليه إذ هناك تقييد لهذا التعميم، كما سنبيّن. وليس من الحكمة أن يتحدث عالم عن أمر بعمومه بهذا الشكل المُطنب، في محاضراتٍ وأشرطة كثيرة، ثم يقتيّد ذلك بإجابة عن سؤالٍ هنا وهناك

      8)       حين نتحدث عن أمر تكفير من ظهر منه شرك أكبر، فإنه يجب أن نفرق بين أمور ثلاث ، نفصلها فيما يلي

      أولها أنّ هناك أطراف ثلاثة في هذه المعادلة، "أ" فاعل الشرك الواقع فيه، من رأي هذا الفاعل يفعل فعلته، وهو بين اثنين، أحدهما "ب" من قرر أن هذا الفاعل مشرك شركاً أكبر ناقل عن الملة برؤيته يفعل هذا الفعل لا غير. ثم ثانيهما "جـ"، وهو من وقف في تكفير هذا الفاعل. ومذهب الشيخ الحازميّ كما نفهمه من عموم حديثه، أنّ الثاني "ب" يعتبر أنّ الثالث "جـ" كافرٌ مشركٌ ملحقٌ بالأول "أ". وهو ما نراه ليس على إطلاقه هنا. بل له مُقيدات كان الأولى أن يقررها الشيخ في حينها، وهي موضع حديثه في آنه، لخطورة عدم بيانها عند وقت الحاجة.

      9)       ثانيها، أن ثالثهم هذا "ج"، الذي يكفّره الشيخ الحازميّ، له حالات ثلاث، الحال الأول، أن يقصد أن المشركين ممن ثبت شركهم كاليهود والنصارى، أو من دعا صاحب قبر أو وليّ دعاء عبادة و مسألة - لا من دعا الله عند القبر - الأصل عذرهم، فهذا كافرٌ مشرك لا خلاف فيه. والحال الثاني، أنه يتوقف في فاعل الفعل، لعدم تبيّن حاله خاصة، وهو من مسائل المناطات، فيقول لا أدرى حال هؤلاء، أهم ممن يسأل صاحب القبر أو ممن يسأل عند القبر، فالأول كافرٌ باتفاق، والثاني صاحب بدعة، كما قرر بن باز في فتواه، قال "أما أن يطاف بقبره، أو يدعى من دون الله, أو يستغاث من دون الله, أو يجلس عنده للصلاة أو للقراءة هذا لا ، لا يجوز والجلوس عند قبره للصلاة عنده أو القراءة عنده بدعة، فإذا كان يصلي له كان كفر أكبر، فإن صلى لله أو قرأ لله يطلب الثواب من الله ولكن يرى أن القبور محل جلوس عندها لهذه العبادات صار بدعة"[2] . وفي هذه الحالة، يجب الاحتراز في التكفير، والتحقق من المسألة في الأعيان.

      10)   وثالثها، أن يرى أنّ انتشار الجهل بين عوام المسلمين جعل بعض هذه الصور يختلط بعضه ببعض، فرأي أن أصل المسألة هو كفر فاعل هذا الفعل الشركيّ، لكن يجب الاحتراز نتيجة هذا الجهل المستشرى، وعدم الحكم بالكفر المبيح للدم على الفور، بل يقول: نعم حاله كفرٌ ويجب البيان له وإقامة الحجة عليه، ثم استتابته، فإن تاب وإلا قتل ردة. وهذا قول بن تيمية. قال رحمه الله "وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وجماهير أئمة الإسلام"[3]

      وقال "والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، و إما مخطيء ضال، و أما بالمعنى الذي نفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم-: فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها)[4] . ومربط الفرس قوله "إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها".

      يتبع إن شاء الله تعالى تفصيلا وأدلة.

      د طارق عبد الحليم

      11 جمادى أول 1435

      12 مارس 2014


      [1]  وقد تلقيت من أمثالهم كثير مما أضحكني، كهذا الذي شبه شيخه بالجبال وأشفق على قرني منه، كما قال! أو من سمى كلامي تفاهات، أو تهريجٍ وغير ذلك كثير، ولكن هذا حال الدهماء،لا يستطيعون عنه حولا.

       http://www.binbaz.org.sa/mat/9794 [2]  

      [3]  مجموع الفتاوى 23/346

      [4]  مجموع الفتاوي 1/112