فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      هكذا نبدأ .. بِناءُ الشّخصِية الإسلامية (1)

      أفدَحُ ما تكبدته الأمة الإسلامية في مِصر من جَرّاء إجرام النِظَام المُتَحَكِّم في نصف القرن السالف، كان هو القضاء على الشَخصِية المُسْلمة المِصرية، وتشويه مَعَالمها. فقد انتشرَ الفساد وسَهُلَت الرَشوة وإعْتُمِدَت المَحسوبِية، وصَارت كلُها أسُساً للتَعامُل بين الناس، واستباح الناس المحرمات على أنها من دواعى الحياة الحديثة، فغضّوا الطَرَف عن العهر والموبقات التى تبثّها أجهِزة الإعلام، بل وتشارك في انتشارِها وسَيطرتِها على العقول والقلوب، بل وجعلها نَموذجاً يُحتذى وأملاً يُرْتَقَبْ. ثم انهارت أسس الأخلاق الحميدة، بل أصبحت كلمة الأخلاق الحميدة مَضْحَكةٌ تثير الشَفقة وكأنها من لُغة عَصرٍ بَائِد نَاقِص. إختفت مَعاني الصَبر والجدّ والكرامة والتواضع والأخوة والبشَاشَة والتراحُم والصدق والشَجاعة وإحترام الوَعد والعَهد ومُساعدة الضَعيف والمُحتَاج والكَسب الحلال من"عرق الجبين"، والتضحية والأثَرة وإنْكار الذات، وغيرها من مقومات الشخصية الإسلامية الحضارية، التي لا يقوم مجتمع إسلاميّ، أو عِلمَانيّ متحضرٌ، إلا على تَحقّقها في الغَالب الأعمّ من أبنائه، واستُبدِلت بمعاني الهَزل والسَرَف والتنابُذ والإنتهازية والأنَانية والذِلّة والخذلان والجُبن والغِلّ والمحسوبية والشَرَه واللامبالاة وإنكار الحَق والتغاضى عن الباطل وإنكار حقّ الغير وإهمَال الواجب وعدم الحضّ على إطعامِ المِسكين أو نَصْرة المحتاج، والكَسب بأي طريق كان، تماماً كما هي عليه أخلاق السَادة المُتَحَكِّمين، كما ورد في المأثور: "كيفما تكونوا يُوَلّ عليكم"، وقد قال ابن القيم رحمه الله: "وتأمل حكمته تعالى في أن جعلَ ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم بل كأنَّ أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهـم وولاتهم، وإن ظَهر فيهم المَكر والخَديعة فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم مالهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لايستحقونه في مُعاملتهم أخذت منهم الملوك مالا يستحقونه وضربت عليهم المُكوس والوظائف وكل مايستخرجونه من الضعيف يَستخرجه المُلوك منهم بالقوة،  فعُمَّالُهم ظهرت في صور أعمالِهم، وليس في الحكمة الإلهيـة أن يولي على الأشرار الفُجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصَدر الأول خيارِ القرون وأبرّها كانت ولاتهم كذلك، فلما شَابوا شَابت لهم الولاة"اهـ مفتاح دار السعادة 247 - 248 طبعة دار الكتاب العربيّ.

      وصدق الشاعر:      إذا كان رَبُّ البَيتِ بالدُفِّ ضَارباً      فشِيمَةُ أهلُ البَيتِ كُلّهُم الرَقْصُ

      ولما أصبح الحديث عن الحياة السياسية عَديم الفائدة، قليل الغَنَاء، لما آلت اليه السلطة المُتَحَكِّمَة من استِحْوازٍ تامٍ على مَرافقِ الحياةِ العامةِ بلا استثناء، وهو ما عَرفناه وقدّرناه من قبل، فإن العمل العام قد أصبح لا مجال له إلا بالعودة إلى الأصول; إلى بناء الأمة واستعادة الإنسان المسلم، وإقامة الأخلاق الأساسية في حَياة الناس مرة أخرى. ولعل من ظنّ يوما، ممن انتسب للعمل الإسلاميّ، أن التغيير السياسيّ مُمكن في مصر قد استفاق من حلمه وتنبّه من غفوته!

      ولهذا، فإننا نستعين بالله العظيم في أنْ نبدأ في النِظَرِ إلى مَنظومَة القيم والأخلاق الأسَاسية التي يجب أن يَنشأ عليها شَبابُنا، والتي هي الحَامى الأول وخَطُ الدِفاع الرئيس في مُواجهة البغيّ الداخليّ وإزهاق الباطل المُسْتَشرى.

      ونود أن نؤكد أنّ عملية بناء الأمم هي عَملية شَديدةُ التَعقيد، بالغةُ الصُعوبة، خاصّة حين تكون الأمة قد فَقدَت مُكوناتها الأخلاقية الأسَاسية واستبدلتها بخليط من الأخلاق الشرقية والعادات والمفاهيم الغربية، مع ما تبقى من المفاهيم الإسلامية، حتى صارت يشوب أفعالها التناقُض ويتخللها التنافُر، كيف وأنت ترى الرجل مصلياً، وامرأته حاسرة كاشفة! كيف وأنت ترى الرجل مصلياً ثم تراه يقبل الرشوة ويحمى الباطل، كيف وأنت ترى "فنانات" مُحَجَّبات، يغطين وُجوهَهُن بمسَاحيق وألوان كألوان الطَيف ويَختلطْن بالرجال في الحَفلات المَاجنة من باب "هذه نقرة وتلك نقرة"! وما مِثال عمّ رَجب (الرجل الطيب، صَاحب الطَاقية البَيضاء، الذي ظَهرَ في أحدِ فيديوهات تَزوير أوراقِ الإنتخابات وهو يُديرُ عَملية التزوير بأمانة وكفاءة!) ببعيد.

      طَلَبُ العِلم - الأمَانة – الصَبر – الحِسّ بالمسؤولِية – التواضُعُ – الرِضا –الأمانة - الجِدّ – الحَمَيِّة – النَّصْرَة – الرُجولة – البَشاشة – كراهة الباطل والنهي عن المنكر وحبّ الحق والأمر بالمعروف – إعتبار الآخرة والسَعْي  في الدنيا، هي المنظومة التي سَنتحدّث فيها فيما يأتي من مقالات إن شاء الله، مُعتمدين في ذلك على كلام الله سبحانه، وما صحّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في سيرته وسيرة الصَحَابة الكِرام رضى الله عنهم.