فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حوار : بناء الفرد يبدأ من إعادة صياغة المبادئ الإسلامية الكبرى في حياة المسلم

      أشار الداعية الإسلامي الدكتور طارق عبد الحليم أن الثورة التونسية متقدمة على مثيلتها المصرية، إذ حققت الأولى كافة مطالبها، منها حل جهاز أمن الدولة وتأسيس حزب رئاسي وحل الحزب الحاكم، وهي نجاحات لم تُحقق في مصر بعد.

      وأضاف عبد الحليم في حوار خاص لـ (المركز العربي للدراسات والأبحاث) أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لا تمتلك القدرة على حشد الجماهير، ولم يكن لديها أي رؤية مستقبلية للتغيير مع المحافظة على هوية الأمة الإسلامية من ناحية، والحرص على النسيج الإجتماعيّ من ناحية أخرى، بل اعتقدت في قدرتها على الانتصار على النظام من داخل مؤسسات النظام ذاته.

       الصراع بين الحركات الاسلامية والغلط الهائل بين الكثير بخصوص بعض الفتاوى التي تحرم الخروج على الحاكم، ووسائل تمكين الأمة ووسائل تحقيق النهضة الاسلامية ورؤيته لمقومات الخطاب الدعوي في هذه المرحلة الراهنة .. وغيرها، كانت محور اللقاء مع الدكتور طارق عبد الحليم.

       فإلى نص الحوار.

       س1) نبدأ من مصر وتونس وما شهدته من ثورات تغييرية مباركة أطاحت بالأنظمة الاستبدادية، ما هي رؤيتكم لهاتين الثورتين، وما هي أبرز النتائج الإيجابية والسلبية التي تمخضت عنها؟

       ج1) الحمد لله سبحانه والصلاة والسلام على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعد.

       فممّا لاشك فيه أن الله سبحانه قد قضت حكمتُه مدّ يدُ العون إلى شعوبنا المسلمة بعد أن أوكلتنا إلى أنفسنا سنين عددا، فما حدث إنما هو من فضله وحده. ثم، لا شك كذلك أن هذه الثورات قد طال انتظارها، بعد أن باضَ الظلم والطغيان في بلاد المسلمين وفرّخ، واستهان بالدين وبالحرية والعدل وأهان كرامة الإنسان ونشرت معاني الجوع والخوف اللذين حررتنا منهما رسالة الإسلام منذ 14 قرناً.

       وقد أحرزت هذه الثورات الشعبية، التي قادتها قيادات تدين بالإسلام، في غالبها، إن استثنينا أقلية قبطية وعلمانية في مصر مما لا أعتقد أن لها رصيدٌ شعبيّ بالمرّة، أحرزت هذه الثورات نجاحٍ فائق النظيرِ بفضل الله تعالى، ولعل الله سبحانه أن يزيل كُربة إخواننا في ليبيا وأن يُهلك طاغوتها إنه على ذلك قدير.

       وإيجابيات هذه الثورات تتمثل في إستعادة الشعب مقاليد أمره، وطرد الحكام الطواغيت، وتعديلات الدستور، وتحجيم الشرطة، وإجراء الإنتخابات الحرة.

       لكن ثورة تونس لا تزال متقدّمةٌ على ثورة مصر من حيث أنها حققت كافة مطالبها بما في ذلك حلّ أمن الدولة، وتأسيس مجلس رئاسيّ وحلّ الحزب الحاكم. ولا تزال مصر تراوح في مكانها في هذا الشأن وهو ما يمثل سلبية كبيرة يجب على الثورة إستدراكها.

       س2) كثيراً ما كانت تعول الشعوب على الحركات الاسلامية بخصوص قدرتها على إحداث التغيير والإصلاح في أوجه الأنظمة، لكن لم يحدث ذلك، برأيكم هل تفتقر تلك الحركات لمشروعات التغيير، أم أن الأمر يخفي ضعفها في حشد الجماهير سواء للضغط على الحكام من أجل الإصلاح أو الاطاحة بها إن لزم الأمر؟

       ج2) تحدثت في مقالات عديدة لي عن طبيعة الحركات الإسلامية في العقود السابقة، كما دعوت كذلك بمراجعة جيل السبعينيات مواقفهم ووسائلهم، ونقدت، سلباً وإيجاباً، ما عليه هذه الجماعات على اختلافها عقائدياً وحركياً، مثل الإخوان والسلفيون، ولم أتعرض لغيرهم إما لشدة إنحرافهم العقديّ واستحالة تقويمهم الحركيّ كالصوفية، او لسلبيتهم المطلقة كجماعة التبليغ والدعوة.

       وأمر الجماعات الإسلامية أمر يطول شرحه، لكن دعنا نلخّص ما جعلها غير مؤثرة في الحراك الشعبيّ الذي أدى إلى الثورة، فمن الناحية الحركية، والتي تتأثر بشكلٍ أساس بالتصوّر العقديّ، ظلت جماعة الإخوان تتحرك في مجال السياسة التي رسمت خططها أيدى النظام نفسه، متخيّلةً أنه يمكن أن تنتصر على النظام من خلال مؤسسات النظام! وهو خيال طالما حذّرنا تلك الجماعة منه لإستحالته منطقياً وواقعياً.

       وقد أدى هذا إلى تأخر الإخوان في مجال الدعوة، واعتبار أن أعضاء الجماعة هم من يجب الإهتمام به، فمن معنا يجب أن يكون عُضواً وإلا فلا.

       ثم السّلفيون، مع التسليم بصحة عقيدتهم النظرية وإتباعهم للسنة في الهدي الظاهر، إلا أنّ مُشكلتهم الأساسية هي في ضيقِ الأفق الواقعيّ وقلة الوّعيّ سواء على مُستوى القيادات أو الأتباع من ناحية التواصُل مع رجل الشارع العاديّ وما ساد بين بعضهم من تعالٍ على العامة بناءاً على تخَلف العامة في مجالات علمية يدعون إتقانها كالجرح والتعديل وغيره. فهذه الحَركات، دون إنكار ما أدت من دور وقدمت من جهدٍ، لم ترق إلى مستوى القدرة على الحَشد، ولم يكن لديها اي رؤية مستقبلية للتغيير مع المحافظة على هوية الأمة الإسلامية من ناحية، والحرص على النسيج الإجتماعيّ من ناحية أخرى.

       س3) ما هو الدور الحقيقي الذي يتوجب على كافة القوى الإسلامية في مصر وتونس القيام به في هذه المرحلة المهمة ؟

       ج3) أعتقد أنّ الواجب على القوى الدعوية أن تبدأ بالإستغناء عن صفة "الإسلامية"، والتحرك بين الناس على أنهم "مسلمون" مثلهم مثل العاميّ من الشعب المسلم، إذ إنني أحسب أن الداعٍ إلى تمييز هذه الجماعات بصفة "الإسلامية"والذي قد يكون مُبَرَراً في السَبعينيات وبعدها، لم يعد ضرورياً، لما أشاع هذا الوصف من أطياف مرعبة، حيث لعبت به قوى الطاغوت تخويفاً وترهيباً للعامة من هذه الحركات على أنها ليست مسلمة مثلهم، بل هي "إسلامية" متطرفة لا علاقة لها بإسلامهم البسيط!

      وبعد أن رأينا أنّ أي حلٍ لا يأخُذُ العامة في الإعتبار كمركبٌ اساس، لن يُكتب لدعوة نجاح إلا إن أخذت مثل هذه الخلفيات في الإعتبار.

       س4) بعد ثورة مصر وتونس وبالتزامن مع ما تشهده حالياً كثير من الدول العربية من احتجاجات واسعة خرجت العديد من الفتاوى والأقلام التي تنادي بحرمة الوقوف في وجه الحاكم وتنظيم المظاهرات الإصلاحية، مما أثار جدلاً ولغطاً هائلاً بين الناس، برأيكم ما هي الرؤية المقاصدية الشرعية لذلك؟

       ج4) أيضا قد كتبت عديداً من المقالات المنشورة على موقعي، بشأن هذه الدعاوى التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، والتي كان صدورها سبباً في تخلف العديد من شباب الإسلام عن القيام بدورهم في تغيير وجه الساحة السياسية، مما أفقدهم، قادة واتباعاً، مصداقية في الشارع المصريّ، ولا أظن أن تحركات بعضهم الآن ليظهر بمظهر المُهتم بشؤون مصر في أزمة القبط، ستكون مجدية إذ يقال لأمثاله: انتظرت ليزيل غيرك الطغيان، ثم تأتي الآن لتركب موجته؟ عار وعيب عليك عظيم.

       ثم إن خطأ هؤلاء مركّبٌ من بعد شرعيّ وبعد حركيّ، وهو أنهم مع فهمهم للتوحيد "نظرياً" قرروا أن حسنى مبارك، ناشرُ العلمانية وراعي الفساد والفاحشة، مثله مثل هارون الرشيد أو الأمين والمأمون!

       فجعلوه حَاكماً مُسلماً عاصياً، ثم إنه حتى لو فرضنا صحة ذلك، فإن تلك الأحاديث الصحيحة عن عدم الخروج على الحاكم تشترط أنه يقيم الشرعُ بيننا (ما أقام فيكم الصلاة، أي الشرع)، ولم يكن الخروج خروجاً مُسلحاً فالمناط خاطئُ في النظرين.

       والشارع إنما قصد بإرسال الرسل إبتداءاً تحرير الإنسان من عبودية العباد، فكيف يُشرّع ما يجعلها ننحنى للإستبداد إلى أن يسحقنا سحقاًّ!

       وأما عن الفساد نتيجة الخروج، فان مفسدته أصغر وأقصر من إستمرار الفساد ثلاثين عاماً، قُتل فيها الالآف من الناس لا المئات، ونهبت ثروات الآمة واستبيحت حرماتها بالتجسس والتصنت والإهانة والضرب. والله عيبٌ على هؤلاء المفتين بهذا الخداع حتى أن يظهروا على الناس مرة أخرى في تلفازٍ، ولكن نقول "إن لم تستحٍ فاصنع ما شئت".

       س5) حالة الصراع بين الجماعات الاسلامية أثر بالشارع لصورة مباشرة على تحقق الصحوة الاسلامية، فنجد على الساحة مثلاً إخوان مسلمين وجماعات سلفية وأنصار سنة وصوفية وتبليغ ودعوة وغيرها، هل تتحقق تلك الصحوة في الوقت الذي تتوافق وتتجمع هذه الجماعات حول مبادئ ومقاصد محددة؟ وهل في هذه الحالة تستطيع الصمود في وجهة المخططات الإمبريالية الغربية؟

       ج5) هذه الجماعات أخي الفاضل لن تتجمع أبداً، فهي من ناحية على خلاف عقديّ عميقٍ لا يسمحُ بتلاقٍ، كما أنها ترى، بناءً على تصوراتها العقدية، طرقاً جدُّ مختلفة في الحركة.

       ثم يجب أن لا ننسى الأهواء الشخصية التي هي جزء من الشخصية الإنسانية، إلا من رحم ربي، والتي تمنع القيادات من المحاورة للإلتقاء على مفهوم واحدٍ هو مفهوم السنة والجماعة.

       لكن أقول، لا علينا يا أخي كثيرا من مثل هذه الأمور، إذ إن أهل السنة بعون الله هم الأكبر عدداً والأصح وجهة وقصداً، وما اختفاؤهم إلا نتيجة معرفة الأنظمة العلمانية الديكتاتورية أن الحقّ معهم، فهم من يجب قمعهم بلا رحمة. لذلك فالحرية ضرورية لتطوير العمل الدعوى الصحيح إن شاء الله، ولا علينا من غيرنا.

       س6) الحرية والعدل والقوة .. ثلاثة ثوابت حددتموها في كتاباتكم لتحقيق نهضة الأمة، وذكرتم أن المؤسسات المدنية هي المنوط بها حماية هذه الثوابت، لكنها دورها أصبح تدمير هذه الثوابت، برأيكم هل هذا مخطط من قبل الأنظمة الحاكمة، أم أن هذه المؤسسات نسبة كبيرة منها تبث الفكر العلماني التغريبي الذي يهدف إلى استئصال ومحاربة الفكر الاسلامي؟

       ج6) كلا التساؤلين صحيح ومرتبط بعضه ببعض، إذ المؤسسات المدنية التي كانت قائمة قد رأينا مدى الفساد العجيب المزرى الذي كانت عليه، وقادة هذا الفساد لا يمكن أن ينتسبوا إلى إسلام، إلا عند الإخوان والسلفيين الذين يصححون دين كل إمرئ مهما قال وفعل، ومن ثم، فهذه المؤسّسات قد استُخدِمت لترويج الفكر العلمانيّ، مُساندة للفساد والإستبداد، وتأصيلاً للفكر الكفريّ التابع للغرب الصليبيّ. وهذه الأمور الثلاثة التي ذكرتها فيما دونت من قبل، هي أعمدة المُجتمع المُسلمِ المتَحَضّر (وهما سواء) إذ هي نسيجُ الإسلام ومقتضى السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

       س7) تقيمون منذ فترة طويلة في الغرب، هل ترى أن تحقيق النهضة الاسلامية الحقيقية سيؤثر على نظرة الغرب (التي يشوبها حالياً كثيراً من سوء الفهم للمبادئ الاسلامية) للإسلام، خاصة مع فشل الدعاوى العديدة المنادية بحوار الحضارات وغيره من المسميات في رأب الصدع بين الإسلام والغرب، أم ترى أن نظرة الغرب للاسلام لا تخفي عدم وعي الغرب لحقيقة الاسلام، بل أنها تخفي خوف من أسلمة العالم، أم أن هناك تيارات معينة تغذي هذا الشعور، ومن مصلحتها بقاء حالة العداء بين الجانبين على أشدها؟

       ج7) اعتقد أنكم ضربت على الوتر الحسّاس هنا، فإن الغرب – ونعنى به القادَة وصُناع القرار لا الشعوب - يُظهرُ عدم فهم الإسلام حتى يتسنى له أن يناهضه ويعاديه ويهاجم أهله ثقافياً وعسكرياً، إلا أنهم يعرفون الإسلام معرفة جيدة، ولا يريدون أن ينهض لأن في ذلك أفولهم من الداخل لا من الخارج، ومن هنا فإن هذه الدعوات للحوار بين الحضارات والأديان والتقريب بين الشرق والغرب وأمثالها ما هي إلا عبثٌ يستفيد منه من يذهب لمثل هذه المؤتمرات من بدلات مالية وإعلامية، وهي مضيعةٌ للوقت وتشتيت للجهد وتمييع للقضية في أذهان العامة.

       س8) الفرد المسلم هو وحدة التكوين الرئيسية في بناء المجتمع المسلم، ولكم العديد من المقالات في هذا الخصوص، كيف يمكن البناء الصحيح للشخصية الاسلامية، كي يتسنى تحقيق النهضة المنشودة، وسط موجات التغريب العاتية، والمؤسسات الدينية الرسمية المترهلة؟

       ج8) قد بدأت بعون الله سبحانه سلسلة من المقالات يُقصد بها تهيئة أرضيةٍ لبناء الشخصية المسلمة، تُدمج معالم سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم بما هو من واقعنا المعاصر لتكون أقرب لفهم شبابنا الذي أدّت عقود القهر والتخلف إلى بعده عن الخطاب الشرعيّ بلغته الأصلية، لكن لا على طريقة عمرو خالد الذي ابتذل الشريعة والسنة باللفظ والمعنى وابتدع ديناً خليطاً من علمانية وإسلام، لا إلى هذا ولا إلى ذاك. لكن، لم يكتب الله إنهاء السلسلة نظراً لتوالى الأحداث التي شتّتت  الجَهد وفرقت المَقصد والله المستعان.

       وبناء الفرد يجب أن يبدأ من إعادة صياغة المبادئ الإسلامية الكبرى في نفوس الأفراد بدءاً بالتوحيد، ثم بمبادئ مكارم الآخلاق التي كان العرب على كثيرٍ منها، حتى قبل الإسلام، والتي أقرها الإسلام كالكرم والصبر والفضل والتكافل والعفة والشجاعة والمروءة والفطنة والتواضع والعزة، ومثل ذلك من المكارم التي لا تنهض في أمّة إلا فازَت، وما تَخلّفت في أمّة إلا خَابَت.

       ولن ينهض بهذه المهمة إلا دعاةٌ مسلمون هم اصلاً على وعيّ بالهدف، وعلى درايةٍ بوسائله وأدواته، وهذا يستوجبُ إنشاء جيلٍ من الدعاة، بعيداً عن المؤسسات الدينية المترهلة المتفكّكة، يمكن لهم أن يقتربوا من العَامي من الناس، مُسلمٌ إلى مسلمٍ، لا "إسلاميٌّ" إلى مُسلمٍ، فيوضّح له دينه ويرعاه في خُطوات ترقّيه.

       وللأسف، فإن دعاتنا اليوم، هم إما يعانون من عدم النضج في العلم الشرعيّ، أو من عدم وضوح الهدف وقراءة المُسْتَهدَف قراءة صحيحة، أو هم مشغولون بالتناوش مع غيرهم من الإتجاهات الأخرى، أو بتحصيل ماليّ لمن سمحت شعبيته بذلك.

       س9) ذكرتم أن طريق المقاومة الثقافية هو الدعوة بكل أشكالها، لكن نلحظ أن السّاحة الإسْلامية بها العَديد من الدعاة الذين يفتقرون إلى الدراية الكاملة بعلوم القرآن والسنة، وظهر ما يسمى الدعاة الجدد، ما رأيكم في واقع الدعوة الاسلامية الحالية؟

       ج9) هذا ما لمّحت اليه أنفاً، من أنّ آفة الدعوة الآن هي أولئك الدعاة الذين أعلنوا أنفسهم دعاة دون أن يتحلّوا بالعلم الشرعيّ والعلم الواقعيّ ما يمكّنهم من توجيه أنفسهم إلى الحقّ بله توجيه الغير اليه.

       وتجد حصيلة هؤلاء من العلم تعتمد على السماع أساساً لشرائط تسجيلٍ لهذا الداعية أو ذاك، ممن قد يكونوا هم أنفسهم (أصحاب الشرائط) في حاجة إلى العلم أو قد يكونوا ممن ينتمون إلى مذاهب مختلفة فيقع المُستمع في حيْص بيْص. أو تجد عِلم هؤلاء "الدعاة" يقتصرُ على حقلٍ معينٍ من علوم الشرع، كعلم الحديث دون غيره، فيشتّ في حديثه من الشرق إلى الغرب، ويجمع بين ما فرقه الشرع ويفرّق بين ما جمعه، ولا يجمع بين أطراف الأدلة، ويضْربُ الكليات بالجزئيات والجزئيات بالكليات، ولا يعتبر مقصَداً ولا ينظرُ في مَآلٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

       اما الدعاة الجدد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، هؤلاء مخربون لا دعاة، خطابُهم لا يمت للشرع بصلة، لا وسيلة ولا غاية، فهم قد ظهروا نتيجة كَبت الدعاة الحقيقيين في ظلّ النظام البائد، ولا يصح أن يكون لهم دورٌ فيما يأتي من وقت إن صحّ المَناخ الحرّ، إذ سيظهر ضعف هؤلاء وتهافتهم وإغراضهم وسَعيهم وراء الشُهرة والمال وإنشاء الفضائيات، حين يتصدى للدعوة من نقصد من دعاة على بصيرة.

       س10) الفضائيات أتاحت منابر للكثير من الدعاة أو ما يوصفون أنفسهم بالدعاة، هل ترى أنهم يطرحون أفكاراً وموضوعات وقضايا لتحقيق النهضة الاسلامية، أم أن الامر لا يتعدى حذب المشاهدين للتعاقد على الاعلانات وتحقيق الأرباح؟

       ج10) أجبت آنفا عن بعض هذا التساؤل، وأضيف أن الدعوة حقلٌ ليس بدعا من حقول الإستثمار الأخرى التي تعرضت للقرصنة والإنتهازية، بل هو حقل في الحقيقة أكبر جمهوراً وأوسع قاعدة، كما نرى تلك الظاهرة نفسها في الغرب في برامج لدُعاة النصارى الذين تفضحهم وسائل الإعلام فيما يكتسبون من ملايين لا حصر لها مستغلين السذج من النصارى، فإستغلال الدعوة أمرٌ ليس بدعا في استثمار المواطن المسلم، ولكن يجب كشفه وتزييفه كما كشفنا الفساد الحكوميّ.

       س11) باعتباركم من كبار الدعاة، ما هي المعايير السليمة الواجب توافرها في الدعاة ، وما هي أولويات الأجندة الدعوية في المرحلة الحالية؟

       ج11) أستغفر الله من أن أصف نفسى أنني من كبار الدعاة، ولكن معايير الدعاة، كما ذكرت من قبل، تبدأ بالعلم الشرعيّ المنهجيّ، لا العشوائيّ المُبعثر على طريقة "من كل بستان زهرة"، ويكون هذا التحصيل تحت إرشاد من يثق الطالب في علمه ودينه، ويجب التواصل بين العالم والمتعلم، إذ إنه قد ثبُت ضعف المتعلم عن بعد، كما في الجامعات التي تقوم بالتعليم بالمراسلة، ولا حتى تلك الدورات التي تقوم بها معاهد علمية إستثمارية، فهذه الصور من التعلم تصلح لمن يقصد إلى معرفة دينه والتمتع بلذة الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا غير، لكنه لا يَصلُح لمن يريد الإنخراط في سِلك الدعوة، الذي يجب أن يكون له منهجه ومستواه وإحترامه وإستمراريته في حياة الداعية، وهو أمرٌ يجدر أن يوهَبَ له العمر ولا يصلح أن يكون شاغلاً من شواغل فضول الأوقات.

       ثم أن يتوسّع المتعلم في مجال بحثه وقراءاته وراء المناهج الشرعية ليتعرف على ما انتجه الغرب فكراً وتاريخاً، مما يستعمله المغرضون في هدم الإسلام، ولا يجب أن يقف الداعية ذاهلاً أمام ما قد يبهته به علمانيّ أمام الجمع لأن في إنهزامه عن الإجابة إنهزامٌ لدين الله وفقدانُ ثقة المُستمع في قوة الدعوة، وهو خلاف مقصودِ الدعوة.

       كذلك يجب على الداعية أن يتحلّى بعلم الواقع في بلده وحول العالم ليكون مُقنعاً ومُحيطاً بملابسات واقع المسلمين, وعليه أن يتقن العربية، وأن يتحلى قدر المُستطاع من أخلاقيات الإسلام التي أشرنا اليها آنفاً، ولا نقصد أن يكون خالياً من الخطأ، فهذا أمرٌ لا يقدر عليه إلا الرسل، لكن عليه أن يسدد ويقارب ولا يملّ فيزِلّ.

       وإقامة مَعاهد تصلُح لتخريج مثل هؤلاء الدعاة هو في حقيقة الأمرِ على رأسِ أوّليات الدَعوة فيما أحسب، وهم ما يجب أن يجتمِع ويتجمّع عليه المهتمون بهذا الأمر، ويجب لهذا أن يتم الإتفاق على عقد إجتماعات بين من يهمهم الأمر في هذا الإتجاه للبدأ في مرحلة الدعوة بعد الثورة والتي أرى ان يكون شعارها: الإسلام فوق الثورة .. والله من ورائها حافظ. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.                           

      www.arabicenter.net.ar/news