(1)
هل يعارض مسلم موحد أن يقوم المسلمون بواجبهم الذي فرضه الله عليهم، في الدفع والذود عن بلادهم وأهليهم؟!
من المستحيل أن يقول مسلم بخلاف وجوب ذلك!
لكن الأمر، ليس أحاديّ الوجهة، أو النظر، على الإطلاق. فإن أحادية النظر تسبب كوارث فاجعات، فكرية وحركية !
الأمر يجب النظر فيه من زوايا عديدة، واعتبار عوامل كثيرة، إن لم يراعها السياسي/العسكري الفقيه، الذي لا يصح اتخاذ قرار إلا بمعرفته. فالفقيه وحده لا يصلح، والسياسي أو العسكري وحده لا يصلح، كان الفشل محققاً.
ومن تلك العوامل والزوايا:
الزاوية الشرعية - أي شرعية الفعل من باب الأحكام الشسرعية، لا الفتوى.
الزاوية الواقعية - أي هل يصلح الوقت باعتبار العوامل المختلفة:
عامل القدرة - العدة والعتاد والتمكن
عامل الاستمرارية
عامل الظروف المحيطة
عامل الداعمين وحالهم وقدرتهم على الدعم، ودينهم.
عامل الخسارة المتوقعة - هل تتناسب مع الهدف الممكن
تحقيقه بالفعل، لا مع الهدف الغائي الذي تقوم عليه القضية
برمتها.
وهذا العامل الأخير هو العامل الإنساني، الذي يجب اعتباره أولاً وقبل كل شيء.
فإنه، كما هو معلوم في الأصول "لا يصح اعتبار الفرع الذي يعود على أصله بالإبطال." لذلك مثلا لا يُقتل والدٌ بولدِه، في شرعنا.
فإن كان الهجوم تكتيكيا، لا استراتيجيا، أي لتحقيق هدفٍ محدود، لا لتحصيل نصر نهائي، فإن تلك العوامل يجب مراعاتها إلى أدق مستو ممكن! حتى نضمن عامل الاستمرارية.
----------------------------
(2)
فإذا نظرنا إلى قرار عملية 7 أكتوبر، وجدنا أنه قد أخل بكثيرٍ من تلك العوامل إخلالا مسقطا لشرعيته!
ففي الزاوية الواقعية:
فإن العمل لا شك مشروع على الجملة، من باب الحكم الشرعي، حيث إنه في باب جها* الدفع.
لكنه فشل في مراعاة غالب ما بعد ذلك من عوامل!
فعامل الاستمرارية مفقود لوضع الحصار التام على رقعة لا تزيد عن 360كم مربع! وفي حال طالبان والجزائر وغيرها، فعامل الاستمرارية متحقق!
وعامل القدرة، يعتبر الفشل فيه جزئيا من حيث إنه قد تحققت قدرات بالفعل، لكنها غير قادرة على تحقيق أهداف غائية نهائية بالقضاء على الكيان!
وعامل الظروف المحيطة، وهو فشل ذريع، من حيث قراءة الواقع خارجياً، الذي يعرفه القاصي والداني عن وضع أنظمة الحكم والشعوب المحيطة كلها! كما إنه فشل هائل في الجبهة الداخلية، حيث تدور الحرب وسط الأهالي وفوق رؤوسهم، لا في الجبال والساحات، كما في أفغانستان والجزائر وفيتنام، التي يتشدق البعض بأمثلتها، بكل سذاجة!
وعامل الداعمين! وما أدراك ما عامل الداعمين من الرافضة الكفار الخونة القاتلين لأهل السنة في أربع عواصم عربية أخرى!
وعامل الخسارة المتوقعة: وهذا أكبر فشل في تلك العملية، حيث
إن تناسب الهدف والنتيجة، والسلعة وسعرها، أمر حاسم، لم يتحقق.
وهذا العامل يرتبط مباشرة بأمر هو المفتاح في خلل القرار في تلك العملية:
"وهو إعلان أهداف غائية كلية عامة، في صدد تحقيق أهداف تكتيكية قريبة جزئية"
القوم أعلنوا تحرير القدس، وتحرير السجناء، وفك الحصار، وتحرير الأقصى.
وكلها إلا فك الحصار، هي أهداف استراتيجية كلية غائية، لا تتحقق بألف مقاتلٍ يغيرون على غلاف غزة لساعات، فيأسرون مائتين أو ثلاثمائة رهينة صهيونية، على الإطلاق!
ولعل إعلان تلك الأهداف الغائية الكلية العامة الاستراتيجية، كان نكبة في اتخاذ القرار، ولكنه كان نعمة في تلقي حماس دعم العوام الجهلة من حيث نظروا إلى نبل الغاية، فقصّروا في الحكم على الوسيلة، كالعادة! يقول عبد الناصر "ألقي اسرائيل في البحر" وهو غير قادر على حماية حدوده! نفس المنهاج والأخطاء، في ظروف مختلفة! لذلك النتيجة واحدة، عام 67 وعام 23، مع فارق 56 عاماً في الزمن!
أما عن الزاوية الشرعية:
فإن القرار كارثي شرعاً من حيث اعتماده على دعم فئة معادية للإسلام، كارهة لأهل السنة، معتدية عليهم قولاً وفعلاً، حالاً لا مآلاً!
فئة تهين عرض رسول اللهﷺ كل ساعة، في عبادتها، وتكفِّر صحابته، وتلعنهم، وتعبد بشراً وتقدس قبوراً، وتبيح الزنا باسم المتعة، وتكذب باسم التقية .. موبقات فوق موبقات، وظلمات فوق ظلمات تحت ظلمات!
فماذا يتوقع المناصرون للقضية، بالله عليكم، يا من تدعون الإسلام ومناصرة القضية لأجله؟!
ما هذا بجهد شرعي على الإطلاق، مهما أطلقوا صيحات "الله أكبر" ورفع متحدثهم إصبعه كلما نطق!
الروافض يتصايحون "الله أكبر"!
الروافض يتحدثون عن الجها^ كل ساعة، والموت للكيان وأمريكا!
الروافض يرفعون أصابعهم على الدوام!
هذه كلها ليست بذاتها دليلا على شيء، لا صحة ولا بطلاناً، إلا إن اقترنت بما يعضدها من حسابات وظواهر تدل على صحتها وجدِّيتها.
ولعل فيما قلنا فيه إلقاء لبعض الضوء الخافت على الغبش الران على قضية السابع من أكتوبر، فهو أمر يحتاج إلى أضعاف هذا الجهد، وتصويب كشافات عملاقة على أبعاده، لتحديد معالم في الطريق إلى المستقبل
والله ناصرٌ أولياءه وقاهر عدوه ولو بعد حين!
اللهم الطف بأهل غزة.