إزالة الصورة من الطباعة

نظرة في التوجه الجولاني والحراك الثوري في إدلب!

المصيبة هنا، في التوجه الجولاني، تكمن في تفسير "النصر" ومعنى "التقدم" وازدهار، وحقيقة الهدف الذي سعت له الثورة السورية، ومجى قربها منه!

فإن نظام إدلب، المحكومة بالجولاني وأشياعه، قد وطَّن فكرة أن إدلب صارت مركزا حضاريا (!)، وأنها تزدهر، وتتقدم، وأن الحياة فيها باتت مستقرة، وأن الثورة، بذلك، قد انتصرت!

والحق الذي لا محيص عنه، هو أن إدلب جزء لا يتجزأ من سوريا (التي أحب أن أسميها الشام، من حيث إنها مركز بلاد الشام وعاصمتها دمشق)، وأن اعتبار انفصال إدلب عن الشام، واستقلاليتها، واعتبار أن جنود حركتها "هيئة تحرير الشام" هم جيشها الذي "يحميها"، هو إنهاء لفكرة الثورة الشامية ككل، بشكلٍ ناعم متدثر بتلك الإدعاءات التي ذكرنا، عن النصر والتقدم والاستقرار!

فإن هدف الثورة الأصيل والأول والأساس، هو القضاء على نظام بشار في عموم البلاد، وعلى قبضة النصيرية في البلاد، وعلى إعادة حكم الشرع والإسلام للصدارة.

ومن الواضح أن أيا من تلك الأهداف لم يتحقق!
بل على العكس، قد تمت عملية اقتطاع من أصل الهدف، ليصبح الهدف هو "تحرير "المحرر" وإدلب على رأسه، مع بقية المحافظة التي يسيطر على أجزاء منها جيش علماني آخر، الجيش الوطني، على حسب ادعائهم!

وهذا الذي يقوم به الجولاني، هو حرفٌ لهدف الثورة، وحذفٌ لأصلها، وتخريبٌ لمضمونها، وإن ظهر على إنه تطوير وتقدم وانتصار واستقرار وازدهار! وهو عادة ما يقدمه الطغاة على قومهم، الضعفاء أمام أعدائهم، لأتباعهم، بهدف تثبيت كراسيهم من تحتِهم، والبقاء في السلطة، حتى لو دمَّروا أمل الناس وهدف الثورة!

الخطر الأكبر، يكمن في "الاستقرار" الذي يروج له نظام الجولاني، وهو بُعد خدَّاع، إذ ليس هناك استقرار ولا سلام ولا دولة ولا تقدم حقيقي، بمفهوم التقدم نحو الهدف، لا بمفهوم إنشاء المولات، ودور الخيالة والمطاعم الفاخرة والملاعب المتسعة!

والفارق بين الهدفين هو الفارق بين حياة الثورة وإعدامها!

هذا اللون "الجولاني" من التقدم والاستقرار، هو ما يؤدي، بل أدى إلى انكماش الحراك الثوري الحقيقي، وندرة الاشتباك مع العدو النصيري والروسي، على الأرض، بعمليات خاصة، واتساع دائرة المظالم والفساد، وتوقف عملية بناء الجيش الحق الذي عقيدته مبنية على أن "المحرر هو الوطن السوري" كله، لا إدلب "العز" وأكل الوز !!!!

طالما أن هذه العقيدة "الجولانية" التي تُقدم لجمهورها الاستقرار - الواهم بالطبع - والتقدم والازدهار، بهذا الشكل المخزي، فلن يكون هناك تحرير ولا عمل على التحرير ابتداءً، وإن تصايح أتباع النظام الجولاني بكلمات واستشهادات، كلها خرطُ حديثٍ وطقُ حنكٍ كما يُقال!

وهذه العقيدة الجولانية، جاءت تخدم مصالح كافة الأطراف، عدا الثورة السورية والشعب السوري بطبيعة الحال، كما في كلِّ نظام خائن لقومه.

فهي تخدم أساساً الجولاني شخصياً ومَن حوله من المقربين، وهيئته الأمنية وكبار عساكره ومُواليه.
وهي تخدم تركيا الحاضنة الآسنة، التي احتضنته، أو احتضنها، منذ أستانا، ليحمي لها جزءا من حدودها.
وهي تخدم النظام النصيري البشَّاري، الذي يضمن ثبات أقدامه في مناطقه، من حول "المحرر!"
وهي تخدم الروس الذين يأمنون على قواتهم وسيطرتهم على الأرض في خارج حدود "المحرر"، وإن واصلوا التعامل معه جواً.

لست في موضعٍ أرسم فيه خطة لأهل المحرر، ولا أن أرشح لهم من يقودهم في حراكهم ضد الجولاني، فإني لا أعرف، ولا أثق في أحدٍ ممن نسمع عنهم في "الحراك الثوري" والشبهة تطال الجميع في مثل هذه الأحداث. لكن ذلك لا يمنع من أن أوجه لهم نصحاً من مسلم محب ومشجع ومتابع لثورتهم، منذ 2013، يوماً بيوم، بل ومدوناً لأحداثها في أوسع تدوين صدر عنها حتى يومنا هذا.

ففي حديث تميم الدّاري رضي الله عنه ما رواه مسلم في الصحيح عن رسول الله ﷺ: الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، لا يُستثني منه قريبٌ أو بعيد، مقيمٌ أو مرتحل، قاعد أو مجاهد.

أنصح إخواننا بأن ينتبهوا أولا لتلك الخطة الجولانية في صرف الناس عن الهدف الأول والرئيس للثورة بتلك الادعاءات الفارغة، فإن الجولاني متخاذل متواطئ، ولو أراد لأعد العدة، ولأحسن استخدام المصادر المادية والبشرية، بدلا من قمعها "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ".

وأن ينتبهوا ثانيا، لـ"ما" هو قادم و"من" هو قادم على وجه التحديد. فإنه قد ثبت أن التلاعب بعواطف الجماهير من العامة، خاصة حين يكون لذلك واقع مرير تمر به تلك الجماهير بالفعل، هو من أسهل الأمور على المتخابثين المَكَرة. واستغلال تلك العواطف الجمهورية لصالح من ليس بمحل ثقة، خطر ماحقٌ، رأيناه في أحداث مصر مع الحركة السيساوية في أحداث يونية 2013.، عليهم لعائن الله تعالى.

 

د طارق عبد الحليم

24 مايو 2024 - 16 ذو العقدة 1445