إزالة الصورة من الطباعة

ثم ماذا بعد.. يا أمة الغنم؟

كتبت من قبل، في عدة مواضع[1]، عن تركيبة هذه الأمة الموسومة بأمة المسلمين، وعن مفهوم الأمة الذي تبنى عليه تلك التسمية. وبيّنت ما أرى في أن تلك الأمة لا تتمتع بما يخولها من خصال يجعلها متماسكة مترابطة متسقة في مفاهيمها، ومن ثم في ردود فعلها. وما ذلك لضعف الأيديولوجية التي تقوم عليها والأساس التي بُنيت عليه من قبل، لا، بل أساسها أقوى أساس، وأيديولوجيتها أصح عقيدة وأحسنها وأقواها. لكن لأن ما تعرضت له تلك التي كانت أمة قوية متماسكة، من تمزيق وتشتيت وضياع وغزو فكري وعسكري واقتصادي، قد فتتها تفتيتا تاماً، وأهدر روابطها التي تجعلها تتماسك أمام الأحداث التي تقصد لمزيدٍ من القضاء على ما بقي لها من تراث واحد.

الوضع القائم اليوم في رقعتنا التي كانت محلاً للمنهج الإسلامي، ومرتكزاً لقوى المسلمين الفاتحين لعدة قرون، لا يمكن تأويله، بأي منطق استنطقت، أو أي تحليل مارست، ألا بانهيار المنظومة الإسلامية لدى الغالب الأعم من أبناء تلك الشعوب، التي كانت مسلمة في يوم من الأيام.

نعم، هناك أعداد من الناس لا يزالون على حِسِّهم الإسلامي، لكنهم لا يتأذون كثيرا من الكفر المحيط من كلِّ جانب، ولا يظهر أنهم يتمَنوا زواله، وهؤلاء قد يبقى منهم على إسلامه، حسب معتقده. وهم كثرٌ منبثون في كلِّ رقعة إسلامية. وهم من يشوّش بهم من يشَوّش على حقيقة حكم الديار في تلك الرقع.

لكن في المقابل، فإن هناك أعداد لا تقل، بل قد تكثر عدداً عن هؤلاء القوم، يقبلون بتلك النظم، فهم من يُسر بها ويشجعها ويرى صحة توجهها ويرى صلاحيتها لهذا الزمن، حتى وإن كان منهم من يعيش في أضيق العيش وأوضع الظروف. وهؤلاء لا شك عند مسلم في كفرهم وتوليهم عن الدين وتخليهم عن الإسلام، مهما ادعوا من البقاء عليه، فدعواهم داحضة بدليل أقوالهم وأفعالهم.

وتلك التركيبة من هؤلاء وأولئك هي ما أسميناه في مقالاتنا الطبقة "الهلامية"، وهم من لم يتمحض قولا وفعلا ظاهرا لنصرة دينه. وهم، كما قلنا من تحيا بينهم طائفة المسلمين الجاهرة بدينها فتمنع عنهم التلاحم، والقيام بحركة جامعة قوية ظاهرة، فإن الخوف ممن اندس بينهم من الكافرين حقاً مانع لدى الكثير من التحرك بالفعل.

تلك التركيبة قد أوجدت شعوبا تابعة ذليلة ترعى في مراعي أسيادها، ولا تريد، أو لا تقدر فهما سيان في حقها، إلا أن تنتظر الذئاب تنهش في جسدها، وتقتل منها ما تشاء إرضاء لشهوتها. وما أحكام الإعدام التي تترا في مصر التعيسة إلا نهشة من جسد الأمة الفاني، يثبت حقيقة ما أثبتنا.

على ذاك التصور وهذا التقدير، يجب أن يعمل العاملون في حقل الدعوة اليوم، وإن ندروا، حتى يكونوا على بصيرة بما يدور حولهم، وبما يواجهون في محيطهم القريب.

وحتى يتم لدي من يزعم عملا للإسلام ذاك التصور وهذا التقدير، فإن عملهم خداج قاصر لا نفع فيه. فإن الجهل بالشيء مانع من العمل على تغييره.

د طارق عبد الحليم

25 ربيع ثان 1443 – 30 نوفمبر 2021

 

[1] مثلا :  "إقامة الدولة وبناء الأمة - الحقيقة العارية" https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/73217