إزالة الصورة من الطباعة

الطريق إلى فهم أقرب لحل المشكلة الإسلامية

(1)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

السؤال الأكبر الذي يراود كل مسلم، لا يزال فيه بقية إخلاص لدينه وولاء لربه، وقليل ما هم!، هو: كيف نعود للإسلام؟ كيف نعيد الإسلام إلى حياتنا؟ كيف نعيد إليه مجده ومكانته، من حيث هو حامل الحق الأصيل الأوحد في حياة البشر، وفي تاريخ الكون كله؟

والإجابة، على صعوبتها المفرطة، وتفرق شعبها وتعدد طرقها، لا تزال هي المطلوب الأول لهؤلاء النفر من المخلصين الباقين على عهدهم لربهم.

مفتاح الأمر هنا هو "تعدد طرق المعالجة". نعم، فإن من اعتقد أنّ اتجاها واحداً بذاته هو الذي سيتيح حلاً لمشكلتنا التاريخية، فقد أبعد النجعة، بل ربما ضلّ الطريق.

الجها.د، وحده، بالطرق التي مارسنا خلال الخمسين عاماً السابقة، لا أظنه يوصل، وحده، إلى النتيجة المرجوة من هدم أنظمة الطغاة، المستترين خلف جيوش مرتدة قوية ذات عدد وعدة. فالمجا.هدون، لهم إمكانات محدودة، عددا وعدة. وهم المطاردون، لا المرتدون. هذا بجانب ألوان الخيانة وتبديل الولاء من عدد كبير انتمى لهذا التيار ابتداءً، ثم شقّ عليه الطريق، أو ضاقت عليه السبل، أو هكذا توهم، ضعفا في إيمان وتخاذلاً في فداء، فكان أن انتشرت الوشاية، واتخذا العدو طابوراً خامساً داخل صفوف الحركات الجها.دية، إلا ما شاء الله، ونادر ما هم. والشام أوضح دليل على ذلك، فهي أكبر ساحة، بلا منازع، عُرفت فيها الخيانة واستشرى الغدر وتبديل الولاء والعمل لصالح الأعداء، كما بيّنا في مقالات عدة سابقة.

ثم الدعوة إل إقامة التوحيد ونبذ الكفر والخروج على الطواغيت، بالكلمة واللسان، كما يفعل عدد من العلماء الربانيين، سواءً بكتب وأبحاث ومقالات مسطورة، أو تسجيلات صوتية منشورة، يبينون فيها الحق من الباطل، سلام البيان، كسلاح السنان، قويّ مؤثر، بل كان هو الأول في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم "وجاهدهم به جهاداً كبيرا"، حين كان في مرحلة الضعف وعدم التمكين. لكنه، كما علمتنا السيرة النبوية، ليس بكاف وحده على التغيير، فالكلمات والسطور، لا تزيل طغاة وتهدم عروشاً، مهما كانت قوتها، ولذلك تحول الأمر الإلهي إلى الحل الأول بمجرد التمكن من إقامته بشكل صحيح نافع.

ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو يتعلق، خاصة في زمننا هذا، بتوجيهات محددة تتعلق بفروعٍ حياتية، يرى المسلم الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر إنها مما لا يصح السكوت عليه، بله الركون إليه، كما يحدث اليوم في كافة أنحاء الرقعة الإسلامية، لضعف النفوس، ولقلة الإيمان، ولشدة الجهل، ولقوة الطاغوت، ولهيمنة سحرة الإعلام. ولكن هذا الواجب الحتم، يعتبر جهداً فردياً، وتأثيره محدود بمحل ممارسته، أو الدائرة الضيقة حول من يمارسه.

ثم الدعوة السلبية، وأعني بها عدم بيان الخطأ والمنكر مباشرة، بل إظهار محاسن الإسلام، والحديث عن إيجابياته، وإيضاح تفوقه وعلو شأنه في توجيه حياة الفرد والمجتمع. وهذا الحلّ، وإن كان جزءاً من الصورة الأكبر لإمكانية التغيير، إلا إنه لا يمكن أن يقوم به تغيير وحده، فإن إظهار معايب الواقع، وعوراته، وكشف فضائحه وثغراته، هو الأسبق في هذا المضمار، وبغير هذا، فإن الغالب الأعم من البشر، لن يلتفتوا إلى ما دعوة إلى واقع فاضلٍ إلا إن شعروا بخطرٍ الواقع الذي هم فيه، فالنفس تفزع من الإحساس بالخطر، وتندفع نحو تجنب المفسدة أكثر كثيرا من طلبها للمصلحة. ثم إنه يجب أن يكون معلوماً أنّ الإنسان لا يعمل على تغيير وضعه إلا إن شعر بالحاجة إلى ذلك، فهو إلى حب الاستقرار والبعد عن التغيير أميل، كما أنه عادة ما يدور بخلده أنه، نعم، هذا الإسلام، أو اتباع هذا النظام فيه محاسن مثيرة، لكن ما نحن عليه له محاسنه كذلك، فما الداعي إلى حلحلة الأمور، والدخول في معارك وسجالات، لا ندري مآلاتها!؟

ثم الدعوة الصامتة، وأعنى بها، أولئك الذين يحاولون نشر الإسلام بالمثال الحسن والقدوة المُتبعة، آملين أن الناس سيرون حسن تصرفاتهم ونبل أخلاقهم وترفعهم عن الدنايا، وإعانتهم للغير وحفظهم للود، وإلى كلّ ذلك من محاسن الأخلاق، فيميلون إلى الإسلام، ويدخلون فيه! وهذا بلا شك، رغم أهميته واتصاف المسلم بصفاته سواء كان من الدعاة أم لا، هو أبعد طريق إلى تحقيق تغيير في أي مجتمع. وهؤلاء الذين يعيشون وهم التغيير عن هذا الطريق، هم حالمون، بل عابثون في بعض الأحيان. فإن صلح هذا مع أفراد هنا وهناك، فلن يصلح على مستوى مجموعة أكبر بله مجتمع بأسره، فالأمثلة الحسنة، ظاهراً، موجودة في طوائف عدة كذلك، العاميّ لا قدرة له على التفرقة بحال.

هذه هي الأشكال التي يمارسها أكثر المسلمين من المهتمين بدينهم، الحريصين عليه، بشكلٍ أو بآخر. وكلّ منهم ينافح عن طريقته، على إنها المثلى، بما يتناسب مع فهمه الخاص للدين، وقدرته النفسية، ومدى إقدامه وأحجامه، ودرجة يقينه وإيمانه.

ولا أنكر أن كلّ هذه الطرق، هي جزء من الدعوة إلى الدين، وكلها لازم، على درجة ما، ليفوق الإسلام غيره، ويحوز على السبق والتمكين في مضمار الحضارة اليوم. لكن المسألة هي في ترتيب الأولويات، وإعطاء كلّ حلّ وتوجه حجمه، ومن ثم، مصادره وإمكاناته حسب ذاك الحجم وتأثيره في إحداث التغيير.

فعلام تتوقف اختياراتنا؟!

(2)

من أهم الأمور التي يراعيها الناظر في إصلاح شؤون الناس، اجتماعيا أو خلقيا أو جسدياً، هو مناسبة الدواء للداء، كمّا وكيفاً. فمن الأدوية ما يزيد المريض هماً وتعباً، ومنها ما لا يؤثر فيه مطلقاً. وهذا أمر لا حاجة للاستطراد فيه فهو ثابتٌ عقلاً وعادة. ورهم الله شوقي حيث يقول

داويت متئداً وداووا طفرة ** وأخف من بعض الدواء الداءُ

ثم إنه يجب أن يكون في وعي الطبيب أو المربي أو الداعية أنّ الأمراض، خاصة الاجتماعية منها، مركبة متشابكة الأطراف، تمس كثيراً من مستقرات العادة وممهدات الفطرة، على مستوى الفرد والجماعة. فالخراب حين ينشر سمومه، لا ينشرها في عضو دون عضو، أو جانب دون جانب، بل تجده مسّ الكثير من الجوانب العقلية والخلقية، بل وتغلغل إلى البناء المنطقي البسيط للناس، فجعلهم عرضة لأخيب الحيل، وأتفه المؤثرات، يُصدقون ما لا يُصدّق، ويَتَّبعون من لا يُتبّع، إلا من الحمقى والمغفلين. ومن ثم، فإن ذلك الناظر المُعتني بحال الفرد أو المجتمع، عليه أن يدرك أن "تعدد الحلول والوصفات" هو أمر طبيعيّ مطلوبٌ، فلا يقف عند حلّ ما، مبنيّ على تصورٍ ما، ويتوهم أنه هو الحلّ، وهو الدواء، الذي لا غيره يصلح معه. وهذا، كذلك، أمر مشاهد في عالم العلاج الطبيّ، لا يعارض فيه عاقل.

كذلك من تلك الأمور الهامة، أن يكون الطبيب أو المربي أو الداعية على علمٍ تام بحال ما يتصدى إليه، جملة وتفصيلاً. فكم من مُعالج وصف دواء لغير المرض، أو تصرف بأقوال وأفعال لا صلة لها بحلّ القضية المطروحة. وهذا يستتبع معرفة حال المريض معرفة دقيقة. هل يصلح معه دواءً يتعاطاه، أو يحتاج إلى جراحة تزيل ورما أو خبثاً، أو زرع أعضاء جديدة كلية، واستبدال الموجود الذي بات لا يصلح بالمرة لأداء مهمته.

وهذه الأمور، عند التأمل، تتصل ببعضها البعض، وتكمل بعضها البعض. فإن مناسبة الحل للمشكلة يستلزم معرفة تفاصيلها وحجمها وطبيعتها، ويصف من الحلول والأدوية ما يحتاجه الوضع ليغطي كافة جوانب الضعف والحاجة.

والنظر في تجربة المسلمين الفريدة، في عصرنا الحديث، والناظر في المحاولات العديدة، والحلول الشتى التي جربها المخلصون، سواء بحقٍ أو بباطلٍ، يرى أنّ أكبرها هو العمل بشكل "الجماعات" التي تتخذ الصفة "الإسلامية"، لتحقيق حلٍ أو أكثر مما سبق ذكرهم في أول المقال.

وهذا النظر سيقودنا، دون الدخول في تفاصيل كثيرة ذكرناها، وذكرها غيرنا من قبل، إلى التأكيد على الخلل الكبير في النظرية والتطبيق، التي قامت عليهما تلك الجماعات، على حدٍ سواء.   

فإذا طبقنا هذه المبادئ الهامة على وضعنا الإسلامي، المريض أشدّ المرض، المكلومُ أشد الكَلْمِ، خرجنا ببعض أفكار قد تكون ذات أثر ومصداقية، في طريق البحث عن الهوية واستعادة السيطرة الذاتية.

وأحد الأخطاء الشائعة، التي أودت بكفاءة كلّ تلك الجماعات، وتركتها نهب الخسران والانهيار، هو أنّ القائمين عليها ظنوا، توهماً، أنّ طريقتهم هي المثلى، وأنها الطريق الأوحد إلى الحلّ الشامل! وهذا من شدة ضعف النظر والفقه في مسائل التقدم البشريّ والإصلاح العمراني. وحركة الإخوان دليل على ذلك، غير ما فيها من زلات أخرى عقدية وحركية.

ثم خطأ آخرٌ اصيل، وهو تبني حلٍ يقوم على جزئية شرعية واحدة، مقتطعة من سياقها التاريخي والفقهيّ. فمسائل الاجتماع وأحوال البشر، في التصور الإسلاميّ، تقوم على أساس من اعتبار القرآن العظيم، والسنة المطهّرة، الذين استمر تلقيهما على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، واشتملا على آلاف من التوجيهات في كافة مناحي الحياة الإنسانية. فلا يصحٍ أن تُستقطع جزئية منها، حديثٌ أو آية، أو حدث في السيرة النبوية، ليكون منهجاً عاماً شاملاً. وحزب التحرير أو جماعة التبليغ مثال على ذلك.

وخطأ ثالث، وهو إهمال دور الفرد لصالح الجماعة، أو دور الجماعة لصالح الفرد. فالأفراد لهم خصوصيات قد تؤدي لقفزات نوعية في سبيل الحلّ الإسلامي المنشود، وسيد قطب رحمه الله مثال على ذلك. والجماعات لها فضلٌ في لمّ الشمل للعمل في اتجاه معينٍ مما يزيد من فرص التقدم فيه، وطالبان شاهدٌ على ذلك.

وخطأ رابع، وهو فقدان الرؤية والبعد عن الهدف، والذوبان في الكيان الجماعيّ، بعد فترة من الزمن، وهي فطرة بشرية تنشأ في أيّ تجمعٍ إنسانيّ. لكنها، في وضعنا هذا، فطرة معكوسة، تصيب القادة عادة، ثم أفراد التجمع ذاته، كأنها فيروس منتشر! والأمثلة على هذا في كافة ما يُسمى بالجماعات الإسلامية.

ثم الخطأ الأكبر في كلّ تلك الحلول المُطبَّقة، هو عدم الالتزام بالكتاب والسنة، ومنهج أهل السنة والجماعة، سواء في الفكر أو الحركة، النظرية أو التطبيق. فالالتزام بفهم السلف الصالح، وترك البدع والمستحدثات، هو أكبر تحدٍ للمسلمين، خاصة العاملين في مجال الدعوة. إذ إن انحرافهم بالدعوة درجة واحدة، يؤدي إلى انحراف من يتبعونهم عشرات الدرجات، فهي طبيعة الباطل في شقاقه مع الحق وانشقاقه عن الحق.

وهذه الأخطاء قد أدت إلى التنابذ والشقاق، والتعادي والتلاسن، وتقليل حجم المشاركة التي يقوم بها كلٌّ في مجاله، فبدلاً من أن نضيف قيمة المجهودات، الفردية والجماعية لنقترب بها من الحدّ المطلوب، صرنا نطرح من قيمة كلّ منها ما يهدمه الكيان الآخر، فإذا بنا نُسقِط أنفسنا بأيدينا!

فدعونا ننظر في أمرنا الواقع، نظرة فاحصة متأنية تحليلية، لنتعرف على المرض، وحجمه وطبيعته، مع استحضار طبيعة التغيير في المجتمعات الإنسانية عامة، ومجتمعاتنا خاصة، حتى نصل إلى نوع العلاج، وجرعته. فيكون سيرنا في هذا الطريق متئداً، متصفاً بالعلم، ومبنيا على التجربة.

وليصبر علينا القارئ العزيز، فإن هذا الأمر، يعلم الله، أجلّ أمر يتعرض له باحث في زمننا هذا، وهو ما شغل الفكر سنواتَ عدة، خاصةً العقود الأخيرة منذ بداية القرن الجديد، فكان الناتج ضروبا من التصورات، كلها تحمل شتاتا كثيرة مما ذكرنا. لكننا نأمل أن نتمكن من حياكتها معا، لتكون لباسا يقيناً غَوْلَ الحر وقَرْصَ البرد.

(3)

الوضع الحالي للمجتمعات الإسلامية:

كما ذكرنا آنفا، إن تشخيص الداء تشخيصا دقيقاً، هو علة تحديد الدواء الناجع المؤثر. فليس كلّ دواء بدواء!

وأمر المسلمين اليوم أمرٌ عسيرٌ شديد العسر، حسير شديد الحسرة، متشابك كلّ التشابك.

فالمسلمون، أولاً، محتلون داخلياً، بحكامهم التاركين دينهم، المرتدين عن إسلامهم [1]، والمدعومين بجيوش بُنيت لتقهر شعوبها، بكل وحشية وتجبر. ومن اعتبرهم خلاف ذلك كان كمن شخّص مريض السرطان، على أنه مريض المصران! فالألم واحد، ولكن شتان ما بين العلاجين.

والمسلمون محتلون ثقافيا وعقليا وحضاريا، إذ دخلوا جحر الضَبّ خلف اليهود والنصارى [2]، وساروا على سيرهم حذو القذة بالقذة، لا في العلم والتقدم، فهذا مجال غير مسموح لهم بدخول مضماره بله التفوق فيه! بل في المساخر والمعايب والمفاسد والملاهي، في اللباس والسماع والعهر والتعري، يعني في كلّ أفعال الجاهلية، بل أشدّ من جاهلية قريش نُكرا.

والمسلمون محتلون عسكريا في أكثر رقعهم على الأرض إما بشكل مباشرٍ كأفغانستان وسوريا والعراق وليبيا والصومال، أو في شكل قواعد عسكرية كالجزيرة ودول الخليج بلا استثناء. 

والمسلمون محتلون، مغصوبة ثرواتهم في كل أنحاء بلادهم، إما بشكلٍ مباشر كما في الشام وليبيا، أو بالوكالة كما في مصر والخليج.

والمسلمون ساقطون عقدياً، إذ لم يبق من حقيقة الإسلام وفقه التوحيد عند الغالب الأعم، إلا النطق بالشهادتين، ومعرفة بعض الشعائر الكبرى، والقيام ببعضها، بعض الأوقات، من بعض الأفراد. وشاعت البدع والخرافات، والأفكار العلمانية، ودعاوى الغرب كالحرية للمرأة في التعامل مع جسدها، وحرية الفرد في اختيار نوعه، ذكر أو أنثى! (sexual orientation)! بل أُسست مواقع كبرى، مدعومة ببليونيرات يهود، وشبكات أخبار عالمية، باسم مواقع إسلامية، يتبناها أفراد علمانيون كفرة "مسلمون"، كموقع الملحدة التي انتُخبت عضواً في الكونجرس الأمريكي Rashida Tlaib رشيدة تليب، لعنة الله عليها، أو مؤسسات مثل موقع "يقين، المموّل يهوديا، والذي ينشر الغث في السمين، ويشيع أفكار العلمانية بين المسلمين في أنحاء العالم الناطق بالإنجليزية، باسم الإسلام ... والعلم!

والمجتمع المسلم، مدمّر في كافة نواحي الحياة، فلا دولة تحمى أفراده، ولا جيشاً يدافع عنهم، ونظاما اقتصادية أو سياسية تتيح لهم الارتقاء والتقدم. وتكاد تكون تركيا هي الدولة الوحيدة التي تسعى للتحرر من هذا الوضع، بنجاح بسيط، إذ هي لا تزال تحت السيطرة الغربية، بشكل غالبٍ، كما إنها دولة تتبنى العلمانية الأتاتوركية عقيدة، وترفض الشرائع الإسلامية البتة. يليها في هذا ماليزيا، كما نحسب، بشكلٍ محدود.

إذن نحن نواجه الفرد المسلم المُدمّرٌ عقليا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وعقدياً، إلا من عصم الله ونادرٌ ما هم. ونواجه المجتمع المسلم، الذي هو غير موجودٍ، حقيقة واقعة، على الأرض، إن اعتبرنا صفات المجتمع التي تجعله مجتمعاً انساني حضاري.

مع هذا الوضع، ومع هذا الحجم الهائل من الخراب، في كلّ جهة وجّهت إليها نظرك في رقعتنا الإسلامية، يجب أن نتعامل. لهذا الوضع يجب أن نضع الحلول التي تزيل تلك البلايا المتراكمة المتراكبة المتراصّة، منذ قرون، منذ قرنين من الزمن، في أقل تقدير لها!

حان الوقت أن ننظر في أنواع الدواء الذي يعالج به مثل تلك الأمراض الفتّاكة، أي، بشكل أصح،  طبيعة التغيير في المجتمعات الإنسانية.

(4)

طبيعة التغيّر في المجتمعات[3]

لعل الصفة الأساسية التي صبغت الحياة البشرية منذ بدايتها هي صفة "التغيّر". فالسكون ليس من طبيعة الأشياء، كما زعم أرسطو سابقا في فلسفته، بل الحركة، التي قدّمها ديموقراطس لاحقاً، التي تعني "التغيير".

فالمجتمعات البشرية تتغير في طبيعتها وتركيبها، مع الزمن، وحسب ما تتعرض له من عوامل بيئية طبيعية أو عوامل تدخّلٍ بشري وسيط.

وهذا التغيّر يتم في شكلين، إما الاستبدال أو الإصلاح. فالاستبدال هو كالجراحة للمريض، ينضوي على الإزالة التامة لموضع الداء وسببه. والإصلاح هو كتعاطي الحبوب والمسكنات، التي تخفف الألم موضعياً أو تزيله.

والمنطق البشري يحتّم هنا أنه إن كان يستحيل التخلص الداء إلا بإزالة العضو، فلا مناص من الجراحة، ثم معالجة ما يبقى بالوسائل الأخرى الأخف.

ولا أدري لماذا لا يفهم هؤلاء "الإصلاحيون" هذا المنطق البسيط؟!

أنظمة الطواغيت، لنْ، نعم، لنْ تتبدل إلا بجراحة عميقة تزيلها من أصولها، كما يفعل جراحة السرطان، أو الخراجات المزمنة، بإزالة موضع المرض، ودائرة واسعة مما حوله، من حيث يكون تأثيره فيها قائما بدرجات متفاوتة.

هذا يعني "التغيير"، لا الإصلاح.

التغيير التام للنظام الطاغوتيّ، في رقعتنا المكلومة المُستباحة، وأعوانه، وجيشه وأمنه وإعلامه، ورؤوس فتنته، بالتمام، إزالة لا تُبقي ولا تَذر. ووسيلته الوحيدة هي "الجها..د".

ثم يكون مجال "التغيير" بالإصلاح هو في أخلاقيات الناس وعقائدهم وعاداتهم، واستجابتهم للشرائع المفروضة، من خلال التعليم والدعوة والإرشاد والمثال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذا من ناحية المبدأ ... لكن التطبيق أمرٌ آخر، يجب أن يُعتبر فيه الحال الواقع، وحدود الاستطاعة، وتوازن القوى الموافقة والمعادية. وهنا موطن النظر.

فارقٌ بين النظرية والعملية، بين التمني والواقع، بين الواجب والممكن. هذا الفارق، في التصور الإسلاميّ، وإن اعتبرناه وعملنا بحسبه، إلا إنه فارق مؤقت ... لا يجب أن يكون مستديما، إلا إلى حين.

وقد علمتنا السنة الشريفة هذا الأمر، من خلال التوجيهات القرآنية، التي فُرّقت بين تصرفات المسلمين في مكة وبين تصرفاتهم في المدينة.

ولا يحسبن ساذجٌ، أو مجادلٌ متعالم، إنّ ضرب هذا الأنموذج يعني أننا نقول بكفر الناس عامة، كما كان الحال أيام مكة! بل وجه الشبه هنا محدود بمقارنة حال الضعف عند المسلمين، وحال السيطرة التامة للكفر السائد في كافة مجالات الحياة. وحقيقة أن هناك بلايين البشر ممن يقرّون بأن لا إله إلا الله، هي فارق شاسع بين حال الأمس وحال اليوم، إلا إنه من السذاجة أن نتعامى عن أنّ هذه الكلمة الطيبة، أصبحت لا تعني الكثير، بل ولا القليل عند الكثير! فرفض المنطق العقلي/الشرعي، القائل بوجوب الجراحة المتغلغلة كوسيلة للتغير، في حينه، واستبدالها بوسائل الإصلاح والترميم وسد الثغرات ورتق الفتوق، على سبيل الدوام، هو من السذاجة والهبل المُسقط لأهلية التكليف في ناحية اعتبار النظر في أمور المجتمع عامة. وقد لجأ "الإصلاحيون" إلى ذاك المنطق الأعوج، حين انهزمت نفوسهم قبل هزيمة أبدانهم، واستسلموا بأيدولوجيات أعدائهم قبل أن يُسلموا لهم مقاليد أمورهم. فصارت وسائل الديمقراطية والحلول السلمية والمرقعات والمبررات والمؤتمرات والمعاهدات، وسائل الإصلاح الموهوم المأمول!

لكن هل يعني هذا أن يقوم عدد من المسلمين الربانيين، الواعين بحقائق الأوضاع على الأرض، بإعلان حرب عامة، يسعّرونها ضد قوى هي ألف مرة اقوى وأكثر عدداً وعدة من عددهم وعدتهم!؟ أم ماذا؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه إن شاء الله (ارجع لهامش المقال كذلك).

(5)

ذكرنا آنفا، أنّ الحلّين الموجودين، للتغيير في المجتمعات، كما هو في الحياة بعامة، إمّا التبديل والاستئصال أو الإصلاح والترميم. كما ذكرنا أن السنة النبوية والتنزيل الإلهي، قد أرانا أيهما اسبق في مناط المجتمع المكيّ، وحال المسلمين آنذاك.

وعلى العموم، فإن التكليف مناطه القدرة. فلا تكليف بلا قدرة. وهذه القاعدة هي التي تحدد، في المجتمعات البشرية عامة، وفي الحالة الإسلامية خاصة، من يأتي أولاً، بعد أن يتحدد نوع الحلّ، استئصالاً أو إصلاحاً.

فإن نظرنا إلى مجتمعاتنا "المسلمة" اليوم، وجدنا، كما سبق، أنها صارت في غالبيتها العظمى، مسلمة "بالاستصحاب"، أي باعتبار قاعدة "دوام الحال على ما هو عليه". لكن الشواهد الواقعية كلها تشير إلى أنّ الإسلام اليوم ليس هو ما نزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، إلا عند من عصم الله، وقليل ما هم. وهذا أمر مُتوقع جاء يه الحديث. فقد روى مسلم في صحيحه، جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء". وفي لفظ "قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي اللفظ الآخر "يصلحون ما أفسد الناس من سنتي"، وفي لفظ آخر "هم النزاع من القبائل، وفي لفظ آخر "هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير.". وهي كلها ألفاظ تشرح، بأدق المعاني، ما فيه القلة المسلمة حقاً، لا استصحاباً، اليوم من غربة، واضطهاد، ونزوع عن الأوطان، وفقدِ للأهل والخلان، والله المستعان.

العبرة، هنا بمن يمكن أن يقوم بالتغيير والاستئصال، وهم في حالنا هذا، كمستشفى فيها مرضى السرطان، المتمكن من الأجساد، وليس فيها جراحاً يُعتمد عليه في هذا اللون من الجراحة، إلا ما بين صيدلانيّ أو مُمرض!

وهنا وجه المماثلة بين مناطنا اليوم، وبين مناط المجتمع المكيّ، رغم الفارق الأعظم في وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانت السنن لم تكن تزال تجري كما رتبها الله سبحانه، القدرة مناط التكليف. فلم يسمح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه بقتال، قبل القدرة عليه، في المدينة.

هذا مع التحفظ على بعض الفروق التي سنذكرها في ثنايا حديثنا إن شاء الله تعالى.

إذن، فإن القدرة هنا محدودة بحدود الواقع الذي لا ينكره مُنكرٌ، إلا أعمى أو مُخاتل.

التبديل اليوم، أو الاستئصال، غير مقدور عليه، كما سهدنا في خلال القرن الماضي كلّه، لا لنقصٍ في عدد المنتمين للإسلام، بقدر ما هو نقص في فهم المنتمين له، العاملين له، لحقائقه وطرقه ووسائله. الجهل بالإسلام، وطبيعة رسالته، والغرض منها، ومن ثم التخبط طرق الدعوة لها وتحقيق سيطرته على الأرض التي جعلها الله موطن خلافة البشر، على رأسهم المؤمنين "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". النور 55. وهذه آية جامعة فيها من التوجيهات القرآنية ما يقيم أمة ويبني دولة، من ذلك:

  1. وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف، والله سبحانه لا يُخلف وعده "وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" الروم 6.
  2. أن الوعد للمؤمنين الحاملين لصفات الإيمان والعمل الصالح، معا، لا لمجرد الانتساب للإسلام بالاستصحاب!
  3. أن ذلك ليس على الله بعزيز، إذ قد مكّن لغيرهم من المؤمنين من قبل، آل يعقوب مثلاً.
  4. أن هذا الاستخلاف معناه تمكين الدين، كلّه، لا بعضاً منه، فإقامة الشعائر دون الشرائع ليست استخلافاً، بل "الدين" الذي هو نظام الحياة في كافة جوانبها "ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" يوسف 40.
  5. نسبة الدين لهم "دِينَهُمُ"، ومفاده أنه أصبح جزءاً من كيانهم البشريّ لا يتجزأ، لا يأخذون بعضه ولا يتركون بعض، بل هم من دونه ليسوا بشراً سوياً.
  6. أنّ هذا الدين هو ما ارتضاه لهم ديناً، ليس منه ما هو دخيلٌ أو مصنوع أو مُحرّف أو مؤول، أو مُحدثٍ أو أمريكيّ! لا ديموقراطيّ ولا شيوعيّ أو ليبراليّ. إنه هو الدين الذي نزل على سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، كما هو.
  7. أنّ حالة الاستضعاف التي يمرّون بها، والتي تنعهم من تمكين دينهم باستئصال الكفر، ستزول حين يتحقق شرط الله ويتم وعده، فيصبحون في أمان بعد خوف، وقوة بعد ضعف.
  8. أن المؤمنين في هذه الحالة لا ينحرفون عن عبادة الله وحده، دون شريك، لا في الملك ولا في الخلق ولا في الأمر، لا يتخذون معه شريكة ولا ولداً سبحانه، وأمره هو الأمر الواجب، ونهيه هو النهي المُحرم، لا يحلون ما حرّم ولا يحرمون ما أحلّ، بألسنة كهانهم وأحبارهم ومستشاريهم وممثلي برلماناتهم. فهو المُطاع وحده، لا طاعة لغيره فيما قرر وأمر ونهى.
  9. أنّ من كفر بعد ذلك البيان، بأن بدّل أو استبدل أو حرّف أو غيّر، أو تأوّل أو اتخذ مع الله مُطاعاً آخر، فإن ذاك هو الفاسق اللعين، الكافر المبين، مهما ادعى غير ذلك، سواء تسمى بأسماء المسلمين أو تحدّث بلغتهم.

(6)

معنى الإصلاح في الحالة الواقعة

من تلك الآيات الحكيمة، البليغة بياناً ومعانٍ، ندرك أنّ الطريق واضح، لا طريق سواه، وهو العمل على إقامة خلافة الله في الأرض.

لكن لله سنن جارية، في الطبيعة وفي الحياة البيولوجية والاجتماعية على السواء. وهذه السنن لا يمكن، لا يمكن تعدّيها باي حال من الأحوال، إلا حين يريد الله أن يخرمها بمعجزة، هو وحجه سبحانه من يحدد نوعها وموعدها ودرجتها وأثرها. لكن يبقى الأصل، هو الجريان مع السنن، لا ضدها ولا عكسها، واستغلال الفرص المتاحة، في أفضل صورها نحو الهدف المنشود، وهو إقامة دين الله في الأرض، واستحقاق الخلافة فيها.

وقد رأينا أنّ القدرة على التغيير اللحظي القائم على القوة، غير متاحٍ حالياً، إلا إن نظرنا إلى مناطق معينة في رقعتنا الإسلامية، حيث فُرض القتال على أهلها فرضاً، كالشام واليمن وليبيا وأفغانستان. تلك رقع إسلامية محتلة، تُضرب كلّ يوم، ويقتل أهلها ويشرّد أبناؤها، فلا محيص من رد الصائل المعتدي، ولو كانت القدرة في أقل إمكاناتها. فدفع الصائل واجبٌ عينيّ على أهل المحلة، فإن لم يقدروا، وجب على جيرانهم، الأقرب فالأقرب. وهذا أمر بشريّ طبعيّ، مارسته كافة أمم الأرض التي تعرضت لهجوم خارجي، منذ أيام الإغريق واليونان حتى الحرب العالمية الثانية.

الغرض، حتى لا يتوه عنا، هو أن يصل المسلمون إلى توفير دولة مركزية، تحافظ على حقوقهم، وتدافع عنهم: كشعبٍ واحدٍ لا شعوب مختلفة، كما كان الأمر أيام الخلافة. فإن الدول القطرية قد فشلت فشلاً ذريعاًن إذ تحكم فيها المستعمر عن طريق عملائه، فأصبح حكامها هم أعداءها، وجيوشها هم جلاديها، وقوات أمنها هم سجانيها.

وهذا الواقع يملي علينا فهماً مخالفاً لمفهوم الإصلاح الذي ساد في العقود السابقة.

فإن ذاك المفهوم قد بُنيَ على تصورٍ معين للحالة الإسلامية، وللمجتمعات المسلمة في رقعتنا هذه. وهو أن الناس مدركون لمتطلبات دينهم وتوحيدهم، وأن المجتمع "إسلاميّ" في طبيعته، لتركيبته المسلمة أصلاً واستصحابا منذ عصور الخلافة كلها عبر قرون طويلة. فالمطلوب هو تصحيح بعض التصرفات، وربما قليل من التصورات، وتعود المياه إلى مجاريها! على هذا جرت كافة "الجماعات الإسلامية" التي دخلت في خضم الإصلاح منذ ما يقرب من قرنٍ من الزمن.

لقد كان الفصل التام، في المفهوم وفي المصطلح، بين الإصلاح والتغيير، هو السبب الرئيس في الفشل الذريع الذي مُنيت به الحركات الإسلامية كلها[4]، ووصلت إلى طريق مسدود، ظهرها إلى حائط مائل، ووجهها إلى قوى شريرة هائلة، لا تقبل وسطاً ولا تفاهماً.

لكن، كما رأينا، وكما يعرف كلّ عاقل منصف واعٍ، أنّ هذا ليس هو الحال اليوم، بالمرة، كليّة! بل هو كما وصفناه من قبل، فلا داعٍ للإعادة هنا.

فعملية الإصلاح التي كانت هي المنشودة في العقود السابقة، لم تعد تجدي في يومنا هذا، في بلادنا هذه، وفي واقنا الحاليّ. بل يتخذ الإصلاح معنى مغايراً لما ساد من قبل.

وهذه العملية اليوم "الإصلاح" تعني: الإعداد والترتيب من ناحية، وتقويم ما يصلح للتقويم في دوائر خاصة، لخدمة المرحلة التالية من التغيير والاستئصال. وهذا المعني يختلف عن معنى الإصلاح التقليدي شكلاً وموضوعاً.

وسنوضح هذه الجملة فيما يأتي إن شاء الله.

الفرد والجماعة ... والواسطة بينهما

مما سبق، يتضح أن حلّ المشكلة الإسلامية يكمن في عملية ثنائية، أولها مقدمات التغيير (الإصلاح)، ثم التغيير. هنالك، يتوجه، ويتوجب النظر إلى العناصر الفاعلة في عملية التغيير أو الإصلاح.

والعناصر هي الفرد أولاً، فهو الخلية الأولى، ثم الدائرة المحيطة بالفرد، وهي الأكثر قرباً والتصاقاً به، ثم الجماعة العاملة في مجال مرسومٍ محدد لها حسب خطة التغيير.

ولكلّ عنصرٍ من تلك العناصر شخصية وواجبات وكفاءات مطلوبة، ليقوم بدوره المحدد في تلك المنظومة التغييرية.

(7)

قلنا إن الفرد هو المسؤول الأول عن التغيير، وهو المكلّف به، وهو المحاسب عليه، إذ يقع على عاتقه فعله، سواء مُجْتَمِعا أو فرداً "وكلكم آتيه يوم القيامة فردى"، لا جماعات ولا بيعات!

إنما الجماعة هي وسيلة، تصل بالفرد إلى موضعٍ معين، بل هو، في حقيقة الأمر، يصل بها إلى موضع معيّنٍ، يمكن الانطلاق منه للتغيير، في أي مجالٍ كان. ومن هنا، وجب توجيه الاهتمام، كلّ الاهتمام بالفرد العامل، ووضعه في الاعتبار قبل الجماعة وفوقها، لا تحتها وخادمٍ لها. وهذا الوضع الأخير هو ما سبب فشل الجماعات الإسلامية كلّها في تحقيق أي من أهدافها.

من هو الفرد المعنيّ بالإصلاح والتغيير؟

والفرد الذي نتحدث عنه هنا، يمكن اعتباره في طبقتين: طبقة العامل الواعي الهادف، وطبقة رجل الشارع العاميّ.

أما الطبقة الأولى من الأفراد، فهم المنتمين إلى من أشار إليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن ثوبان رضي الله عنه "قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ".

والمتأمل في هذا الحديث يجد معانٍ عديدة تعين في فهم موضوعنا الذي نحن بصدده، إذ هو في القلب من عملية التغيير ومقدماتها. من تلك المعاني:

  1. أن كثرة الأمة لن تصير إلى الظهور على الحق، بل ستجهله، وتنحرف عنه، والمرء عدو ما يجهل!
  2. أن قلة من الأمة، أو بالأحرى من أفراد الأمة، سيظلون عارفين للحق، مقيمين عليه، لا تلفتهم عنه لوافت الدنيا أو مشاغبات أهلها وتضييقهم عليهم. والحق هنا هو التوحيد وحق الله على العبيد.
  3. أنهم أفراد، في حقيقتهم، طائفة باعتبار حالهم، لا حال اجتماعهم. وهؤلاء الأفراد، المنتمين لهذه الطائفة عقدياً وإسلاميا، قد يكونوا متناثرين في أنحاء الأرض، لا في موطن واحد، وهو الصحيح حسب ما نراه في الواقع. ومن ثمّ فلا يصح اتخاذ هذا الحديث دليلاً على صحة توجه جماعة ما، ووسمها بأنها هذه الطائفة، إلا باعتبار ما عليه أفرادها، لا على مجرد أنهم طائفة عاملة على نشر الإسلام، ومن ثم من هم خارجها ليسوا من تلك الطائفة.
  4. أن أفراد هذه الطائفة عندهم من العلم والعزيمة ما يجعلهم مرشحون لقيادة عملية التغيير، بالبدء في مقدماتها.
  5. أن هناك معايير يوزن بها الفرد ليتحقق انتماؤه لهذه الطائفة، فإنه "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم" كما في الصحيحين. فلا يصح سماع دعوى أي فرد بأنه، هو نفسه أو من يرشحه، من المنتمين إلى هذه الطائفة، حتى يُعرض قوله وفعله على الحق.
  6. أن الدنيا لن تخلو يوما من أمثال هؤلاء الأفراد حتى يأتي أمر الله. في رواية أنه الساعة. لكن يمكن أن نفهمه على أنه الموت، أي سيظل هؤلاء على عهدهم مع الله حتى يموتوا علي هذا الأمر. وهذا التفسير، لا يخالف ما جاء في كتب التفسير، بل هو من قبيل اختلاف التنوع، فنهاية الدنيا بالنسبة للفرد تأتي مع موته، فلا تعارض هنا.

أفراد هذه الطائفة هنا، إذن، هم المعنيون ببدء عملية التغيير، وإقامة مقدماتها.

وهذا العمل يكون، بتوسيع قاعدة هذه الطائفة، ومساحة قبولها بين طائفة العامة ورجل الشارع، واختيار الأصلح فالأصلح، للمشاركة في عملية المقدمات، سواءً بطريق فرديّ أو غير ذلك.

وهنا يأتي دور الطائفة الثانية، أي العامة ورجل الشارع. فهم الوعاء الذي يأخذ منه أفراد الطائفة المنصورة الظاهرة على الحقّ مادتهم التي تغذي حركتهم وتبني بناءهم.

كتبت من قبل "بذرة الأمة الاسلامية التي يجب رعايتها وحفظها والتعرف عليها، تجدها مبعثرة في شكل تجمعات بشرية في كافة دول العالم اليوم، تزيد وتنقص في عددها حسب حجم الدولة وتاريخها، فإن كانت دولة في رقعتنا الإسلامية، كانت بطبيعة الحال أكبر عدداً مما هي عليه في أمريكا أو انجلترا على سبيل المثال. وتلك التجمعات اليوم لا تجمعها أو تمثلها دولة، بل هي لاجئة حتى في موطنها الأصليّ. تقابل منهم من تقابل في وسائل الاتصال أو المواصلات أو العمل أو دائرة الأصدقاء والأقارب، لكنك تجدهم يهمسون بآرائهم في موضوعنا، بناء الأمة وإقامة الدولة، فالغالبية التي من حولهم لا ينتمون لطائفتهم، بل هم من أعدائهم ومع أعدائهم، قلبا وقالباً. فترى جاليات مسلمة تبلغ عددها مليونا أو اثنين في بعض البلاد، وعشرات الآلاف في دول أخرى. لكن تلك هي مادتنا في البناء، نعمل بها ومعها، ولا نعمل مع مشوهي عقيدة، مخربي فكر، مضطربي عقل، لأي سبب من الأسباب. فإن أولياءهم يعملون كادحين أن يسحبونهم لأسفل مما هم فيه، وأن يقطعوا يد كل من يحاول أن يرفعهم لأعلى، ذلك إن كانوا هم ذاتهم يريدون ذلك!" [5]

وهنا يأتي دور التحقق والفهم في الاختيار والتفنيد حتى لا يقع الشقاق والخلاف، في عملية البدء وبناء المقدمات.

(8)

الطريق إلى بدء عملية التغيير، أي مقدماتها الإصلاحية، هو "الحشد". حشد القوي وتوجيهها للهدف المنشود.

أول الطريق الدعوة. نشر العلم بالتوحيد، الذي ضاعت معالمه، واندثرت معانيه، واستبدلت مبادئه وأصوله، حتى أصبح من يتكلم به "أصوليا"، "إرهابيا"، "متخلفا"، "عدوا للتقدم"، "معاد للسامية"، "عدواً للمرأة"، "عدواً لحقوق الإنسان"، وكلّ المعايب التي يمكن تخيّلها في بني آدم!

يجب تطوير برنامج موحد لشرح التوحيد، بعدد من اللغات، من نسخة واحدة، يجمع على شرحها عدد من الطلبة، في دوائر خاصة، تتسع حسب الظروف المواتية، وتعمل في خفاء نسبيّ، لا تتعدى التعليم، وشرح جوانب التوحيد، بكل دقائقه، دون بتر أو حذفٍ أو تحريف.

هذه الدوائر، تتسع بأن يكون كلّ فردٍ فيها مركز دائرة جديدة، مع حسن اختيار المشاركين وفرزهم أمنياً، فلا يلتحق أحد إلا بتزكية مشهود لها بالأمانة والفطنة معا.

وهذه الدوائر، لا تعني إمارة أو ولاية، ولا تتطلبها، بل هي دوائر علمية لا غير. تنقل المعنى المراد بالإسلام، لتحافظ على بقائه، وعدم ضياعه، فإن وعد الله بحفظه، لن يتم إلا من خلال تلك الفئة المباركة التي لا تكلّ ولا تمل.

أما معاني الإمارة، فيجب الاستغناء عنها في هذه المرحلة بشكلٍ تامٍ، فلا أمير ولا غفير! بل دارسون متعلمون لا أكثر ولا أقل.

والأهم هنا هو وضع المنهج، واختيار المعلمين، ثم الصبر على طول الطريق، وعدم استعجال الثمرة قبل أوانها. كذلك الاستفادة بالخبرات القديمة، التي أثبتت جدارة، لا الخبرات القديمة الفاشلة، فهي زاد للطريق، ومعالم على جوانبه.

كذلك، يجب الحذر من الشخصيات المترددة بين مذاهب الفكر المختلفة، وتراها فيمن يتردد على دوائر علمية تختلف فيها مناهج الفكر، فترى الأخ في جلسة إخوانية، ثم في جلسة سلفية، ثم في جلسة سنية، وهو لا يعلم فرقاً بينها، ولا يميز خبيثا من طيب.

وقد يقول قائل: أليس الأفضل هو رفض هذه التسميات ابتداءً والتعامل مع المسلمين كمسلمين، لا كإخوان أو سلفيين!؟ فالجواب: نعم، هذا هو المأمول، إن قدر هؤلاء أن يتنازلوا عن تركةٍ حَمَلُوها أو حُمّلُوها سنين عددا، حتى أصبحت جزءاً من كيانهم. وهؤلاء، في دوائر التعليم الموجه الذي نقصده، عورات ودمامل قيح، تضر ولا تنفع، تنشر الشكوك والأفكار الخاطئة، عمدا أو غير عمدٍ، سيان.

فهناك إذن قواعد وقوانين تحكم دوائر العلم، وتحكم اتساعها وتحكم أنواع منتسبيها، لتبقى على قلب رجلٍ واحدٍ، وهو ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه سلم.

هذه القواعد والقوانين هي ما تخلى عنه أهل المرحلة السابقة، بشكل يكاد يكون تاماً، فاهتموا بالشكل دون الموضوع، وبالعرَض دون الجوهر، وبظاهر العلم دون حقيقته. قدّموا صاحب اللسان العليم، دون العلم القويم، وصاحب فتاوى الإباحة المريحة على صاحب فتاوى الحق الصريحة. ونحن هنا نتحدث عن حال "الإسلاميين" من رجالات العمل في الحركة الإسلامية البائدة. ولهذا كان انهيارها وتشتتها وزوالها.

فإن تم لنا هذا، وهو طريق شاقٌ جداً، طويل جداً، له تكاليفه وضحاياه على طوله ومشقته، يومها يمكن البدء في التفكير في الخطوة التالية. لكن دعونا لا نعجل، فإنه يجب هنا الحديث عن دور الفرد، ودور الجماعة، وكيف يعمل كلاهما في اتجاه واحد.

(9)

أهمية عمل الفرد والجماعة

نعود للإشارة هنا إلى أنّ هذه المرحلة، تعتمد على الجهد الفرديّ أساسا وتأسيسا، وإن جرت إلى مرحلة متقدمة نسبيا بعمل تلك الدوائر الصغيرة المتناثرة، دون روابط عضوية، إلا الاشتراك في المنهج، والتناصح، إن أمكن.

وقبل التقدم خطوات تالية نود أن نقرر بعض النقاط الأساسية، التي تسبب عدم الالتفات إليها إلى بعض ما نحن فيه من فشلٍ اليوم.

الأصل أنه يجب اتباع كلّ طريقٍ ومنهجٍ يقدم شيئاً، ويخطو خطوة في سبيل تحقيق الهدف، طالما إنه في إطار منهج أهل السنة والجماعة. والمعنى أنه لا يجوز ترك حلِّ من تلك الحلول التي عرضنا، بدعوى أنه ليس من السنة، إلا إن جاءت البيّنة، أو ليس هذا أوانه. بل يجب الأخذ بها جميعا، لكن في إطار موحّد معلوم الهدف، يأخذ بعضها بتلابيب بعض. فمن يدعو لتعديل جزئيات ما في مجتمع ما، يجب أن يجعل ذلك التصور جزءاً من التصور العام الأصليّ الأصيل، يربطه به في كل حين.

ثم انظر إلى منهج الأنبياء في دعوة الجهال من الناس. تقدم الأنبياء إلى الناس بالتوحيد، وتقوى الله وطاعته، فشرحوا هذه المعاني وأسسوها، وعلموها، مراراً وتكراراً. ثم بينوا أن الخلل القائم في مجتمعاتهم مرتبد بالخلل في جهة طاعتهم، أي في عبادتهم لغير الله. فكان أن جرتهم شهواتهم وغرائزهم إلى المنكر من الفعل، كقوم لوط أو قوم عاد أو قوم ثمود، أو قريش والعرب في زمانهم. فكان أن أعاد الأنبياء القضية إلى أصلها، وربطوها بمصدرها.

لم يدع صالح عليه السلام قومه إلى اتخاذ المعابد والبيوت الفارهة المنحوتة في الجبال، بل إلى ترك الشرك وتقوى الله " إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ" الشعراء 142 & " إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ " الأعراف 73.

 لم يدع هود عليه السلام قومه إلى إصلاح مجتمعهم والتخفف من رفاهياتهم، بل دعاهم إلى ترك عبادة الأوثان والشرك، وعبادة الله وحده "وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ" الأعراف 65.

كذلك كانت دعوة نوح عليه السلام " قَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ" الأعراف 59، كذلك شعيب عليه السلام، لم يدع مدين لحفظ الكيل والميزان أولاً، بل إلى عبادة الله وحده " إِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ " الأعراف 85.

كافة الأنبياء، دعوة واحدة، تبدأ بفرد مُرسلٍ، ثم يجتمع حوله القليل من المؤمنين، ثم إما أن تؤمن القرى، كما في حالة يونس عليه السلام "إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ" يونس 98.

هكذا تكون الخطوة الأولى. دعوة فردية، إلى التوحيد أولاً، يقوم بها القادرون عليها من الظاهرين على الحق، دون الدخول في تفاصيل جدلية عن هذا وذاك، إلا ما كان ضرورياً لصحة إقامة عبادة، أو عقدٍ مالي أو اجتماعيّ، حسب الحاجة.

حول ذاك الفرد، تجتمع دائرة، تتعلم دينها، لنفسها، ولأهلها، ثم لمن حولها. ومنهم من يخطو الخطوة التالية، بأن تكون له دائرته الخاصة، بعد التمكن من الدين والقدرة على الدعوة، دون أن يقطع صلته بدائرته الأولى. وهكذا متواليات دائرية، تتسع فتزيد من عدد المخلصين الواعين، وتقلّص من عدد الجاهلين المعاندين.

ولا بأس ساعتها إن اتحدت جهود بعض تلك الدوائر لأداء مهمة ما، مثل عمل محاضرة عامة لشيخٍ من شيوخ الحق، أو رحلة سياحة لله، أو معسكرٍ رياضيّ، ومثل ذلك مما لا يلفت نظراً، أو يثير ريبة، من حيث لا شيء من ورائه على الحقيقة.

وهنا يجب أن نبينّ أن دعوة الفرد ذاك، أو أولئك الأفراد، يجب أن تكون دعوة إلى التوحيد، كلّ التوحيد، وعبادة الله وطاعته، تمام طاعته، دون بتر شيء من هذه المفاهيم البتة، تحت أي سبب من الأسباب. وكما أن هذه الدعوة، وتلك الدوائر تقوم على الاختيار والانتقاء، لا القبول العشوائي.

كذلك، فإنه في المراحل المتقدمة من العلم، يجب أن يكون العلم الشرعيّ شاملا لكل أحكام الله، دون ترك أي باب من الأبواب بدعوى خطورته أو عدم جدواه! بل يجب أن يكون العلم تاماً، كما في أبواب الردة، وأحكام الجزية والقتال. لكن الأمر يكون مرتبطاً بإيضاح مناطات تلك الأحكام، ملاءمتها للزمان والمكان والكيفية (المناط). وإيضاح مناطات تلك الأحكام، بشكلٍ جليّ وبدليله الشرعيّ، كفيلٌ، لأصحاب العقول، بمعرفة الواجبات الآنية، ومعرفة ما هو من الواجبات المؤجلة، التي لا تتكلفها النفوس في مرحلة من المراحل.

أما ما كان يحدث في مناهج بعض الجماعات، مثل الإخوان وغيرها، من إهمال تام، بل واستنكار عام، لتعليم تلك الأبواب الهامة من الشريعة، فهو بترٌ للشريعة وإيمان ببعضها وكفر ببعضها الآخر. فالمسلم يجب أن يكون مهيئاً لكافة المواقف، بالعلم الصحيح، خاصة من هم من طبقة الظاهرين على الحق، ومن ذلك التحقق بمواقف الإقدام ومواقف الإحجام. فصحة المفاهيم هي الدرع الواق من تبديل الدين، والغزو الداخليّن كما حدث من أخطاء شنيعة في العقود السابقة.

(10)

العمل الجماعي

يجب أولاً أن نصحح النظر في مفهوم "الجماعة" والعمل الجماعي، الذي انحرفت به الأهواء والفِكَر في العقود السالفة.

سألني أخ حبيب " وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ : بِالْجَمَاعَةِ ، وَالسَّمْعِ ، وَالطَّاعَةِ ، وَالْهِجْرَةِ ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ".

فماهي الجماعة هنا في هذا الحديث؟ هل هي المفهوم الاعتقادي أم السياسي أم الاثنين!

قلت: "وهل هناك فرق؟ الاعتقادي والسياسي واحد في الإسلام. والمقصود هنا التزام الجماعة، ولكن التزام محذوفة للزومها ... كما في ا