كتاب "المراشد السدسة للقراءة المفيدة" اطلعت اليوم على كتاب فريد في جدّته وموضوعه، أهداه إليّ الشيخ الحبيب الفاضل أبو العلا الراشد بارك الله في عمره، من وافر حداق معرفته، وهو كتاب للدكتور أحمد القرني، أسماه "المراشد السديدة للقراءة المفيدة". وقد أعجبني هذا الكتاب وأسرّني، فهو كتاب عظيم أثره، خطير أمره، وإن أورث حزنا في النفس إذ أطلعها على ما فاتها، فعرفت مكانها، فاشمأزت عنه، والله المستعان. والقارئ يرى فيه كمْ فوّتنا من العمر وأضعنا من الوقت فيما لا طائل تحته، ولا غنى فيه، ولا حاجة له، والتهينا بما هو غير مطلوب بل غير مرغوب، عما هو للنفس وقاء وللعقل غذاء وللروح غنى وثراء. فواحسرتاه على ما فات. وابن آدم لا يكمل خلقه البشريّ إلا على قدر معرفته. قال تعالى "وما يعقلها إلا العالمون" العنكبوت، وقال تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". والتقوى لا تأتي إلا من العلم، كما هو نصّ الآية "أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" الزمر 9. والعلم لا يمكن تحصيله إلا بالقراءة، كما وصفها صاحب كتاب "المراشد السديدة". وقد كتنت القراءة المستدية ديدن علماء السلف والخلف، في كلّ عصر، وإن صاروا إلى الندرة والغربة بين الناس إلى ما صرنا إليه في عصرنيا هذا. اسمع إلى الجاحظ يقول :"سمعت الحسن اللؤلؤي يقول "غَبرتُ (أي مكثت) أربعين عاما ما قِلتُ (من قّال أي رقد ظهراً) ولا بِتُّ ولا اتكأتُ إلا والكتاب موضوعٌ على صدري" المراشد السديدة 14. وكذلك مئات غيره. ولاشك أنّ صرف قليل من الوقت في خفيف الواجبات و مستراحات العقول، فيه إجمام للنفس وإحماض الروح، عن أن يَثقل عليها الأخذ الطويل بالفكر الثقيل. لكن ذلك لا يجب أن يمون هو الأصل، كما صرنا إليه، بل الأصل أن يستجم القارئ المّطَّلع بقراءة التاريخ والأشعار، إن ثقل عليه الفقه وأصوله أو المصطلح وعلومه. فيستجم بقراءة الخفيف عن الثقيل. وهوما أشار إليه الزمخشريّ في مقدمة كتابه "ربيع الأبرار" ص 20 من طبعة مؤسسة الأعلمي 1992، الذي وضعه ليعطي مجالاً لقارئ تفسيره "الكشاف"، في إراحة خاطره وشحذ فكره ليعود نشيطاً جاداً في طلبه (وذكرها صاحب المراشد السديدة). وهو ما فعله الجاحظ في كتابه "الحيوان" تنقلاً من باب جِدّة إلى باب فكاهة، ترويحا لنفس القارئ. لكننا مللنا الفهامة حتى وقعنا في الفهاهة! فخرج لنا جيل، بل أجيال متعاقبة من التفاهة في الفكر، والعيّ في الكلام، والعجز في الفهم. وما ذلك إلا لقلة القراءة أو عدمها على الإطلاق. والله المستعان. د طارق عبد الحليم
https://www.facebook.com/tabdelhaleem/posts/10156646201755938