إزالة الصورة من الطباعة

2خطوات منهجية في ظل الحقيقة العارية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

مقال "

خطوات منهجية في ظل الحقيقة العارية (2)

د طارق عبد الحليم

خطوات منهجية في ظل الحقيقة العارية (2)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

فما هو الحل الممكن الوقوع، في دائرة المحتملات الواقعية، الذي يمكن أن تسير عليه الأمة الأسيرة لحفظ المقاصد التالية:

  1. بقاؤها وعدم ذوبانها في الكتلة الهلامية.
  2. توسعة وجودها في كل رقعة يوجد عليها عناصر من تلك الأمة.
  3. ترسيخ مبادئ ضرورة السعي للتمكين في الوقت المناسب والظروف المناسبة

بقاء الأمة وحفظها:

وحين نذكر ذلك فإننا نريد به أمراً مشمولا بحفظ الدين، إلا إنه يختص بمواجهة خطر جديد على الدين، ليس من قبيل ما تحدث عنه الأصوليون في مقاصدهم بالتمام.

تكملة

القسم الأول

الخطوة الرابعة: التميز المتواضع والعزة بالدين

من الأخطاء البشعة التي وقع فيها المنتمون للحركة الإسلامية في العقود السابقة هو ذلك الشعور بالتعالى والتميز على الأخرين، حتى الآباء والأمهات، من حيث شعروا بأنهم حملة دين الله والأوصياء عليه في مجتمع جاهلي، سواء كفروهم أم لم يكفروهم. وهذه النظرة الإستعلائية قد أوجدت حاجزا سميكاً بين الشباب والحركة عامة، وبين مادة الدعوة الي هي عامة الناس والأهل والأقارب. وقد برزت هذه الظاهرة نتيجة فهم ملتو لآيات قرآنية، مثل "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"، وآيات تظهر عزة هذا الدين بعامة "فأن العزة لله جميعا"، ثم الفهم الخاطئ لما دوّن الإمامين المودودي وسيد قطب بالتحديد في عصرنا هذا، خاصة ما ذكر سيد رحمه الله عن "العزلة الشعورية". والشهيد لم يعن بحال من الأحوال الاستعلاء على الغير، بل كان نفسه غاية في التواضع، يعرفه عنه حراس سجنه، وكل من عاشروه، لكن اختلط على الشباب مفهوم العزلة الشعورية، كما اختلط عليهم مفهوم المجتمع الجاهلي، والذي أوضحناه في تصورنا عن الكتلة الهلامية المحيطة بالأمة.

والعزلة الشعورية لا تعني التكبر ولا الإستعلاء بحال من الأحوال، كما لا تعني التفرد والوحدة والانقطاع عما حول المسلم من حياة تضطرب بشتى أنواع المعاملات الضرورية للإنسان. إنما العزلة الشعورية هي حالة مرّ بها كل من تفتحت عينيه على حقيقة الوحي المحمديّ، بعد أن جذبه جاذب بفضل الله تعالى من ذلك المجتمع الجاهليّ أو، إن شئت، من تلك الكتلة الهلامية مجهولة الهوية. وهذه الحالة تجهل الموحد ينكر كثيرا مما يراه الناس عادة مقررة، لا عيب فيها، وينفر من كثير مما يمارسونه باسم العادات على أنه من تقاليد القوم وموروثات الثقافة. ذلك الإنكار والنفور هو ما يجعله، بطبيعة الحال غائباً عن كثير من منلسباتهم وأفراحهم وأعيادهم المصطنعة. ويجعله غائباً عنهم، حتى وقت حضوره بينهم، في مناقشاتهم وتحاوراتهم في التافه من الأمور التي تخص الدنيا وأحوالها ومعاشها ووسائلها وكل ما فيها، إلا الآخرة وما يخص دين الله وحال المسلمين. وهذا الشعور الذي وصفنا لا يستلزم، عند سويّ الفطرة، العارف بالشرع، أن يستعلى على أحد، إذ طبيعة الإستعلاء بدين الله تظهر في مواقف فردية وجماعية محددة، وتفترق عن الغرور والتكبر اختلافا بيّنا شاسعاً.

ومن ثم، فإن الخطوة الرابعة هي محاولة الانتقاء والاختيار من تلك الكتلة الهلامية بالتواصل معها فيما لا يضر ديننا ولا يهز أصولنا وثوابتنا. كما يجب ألا نجعل التوبيخ والتسفيه هو الأصل في خطابنا مع أبناء تلك الكتلة، فإن في هذا صدّ عن سبيل الله، وتنفير الناس منه. نعم، لا يصح أن نجاريهم في رأي خاطئ أبداً، ولا للحظة واحدة، لكن إظهار الخطأ ومخالفة السنة يمكن أن يتحقق بابتسامة وعرض للرأي الصائب بطريقة علمية، فإن انتبه الخصم، فبها ونعمت، وإن لم، "قالوا سلاما"، ولعل غيرك يكن أوفر منك حظا أو أقوى منك حجة، فتكون هداية ذاك الخصم على يديه.

الخطوة الخامسة: التخلق بالخلق الحسن والرجوع إلى المقومات الأساسية للفطرة السليمة:

معالجة الإنسان من الداخل أعلى مرتبة وأعمق أثراً في التنشئة الحضارية وإعادة بنيان الأمة، خاصة وقد استُهدِفت الأمة في صفات أبنائها الأساسية، فزعوا في الجبن والبخل والتردد وعدم الوفاء بالعهد واستحسان الخدعة وضعف الهمة، وسم من تلك الصفات القبيحة ما شئت. وأمة هذا حال أبنائها ليست جديرة بالبقاء بله النماء. ولذلك فقد بنى الإسلام على الخلق الأصيل والشيم العالية لعرب الجاهلية من كرم وشجاعة وإقدام ونصرة للمظلوم. كيف لا، وقد خرجت بنو هاشم وعلى رأسهم أبو طالب، وهم كفار مشركون، ينصرون رسول الله ﷺ والمسلمين في الشِعَب! ومن هنا جاء حديث رسول الله ﷺ "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا" مسلم واللفظ لابن حبان، أي أخذوا بأحكام الله التشريعية فقها وتطبيقا.

ومن ثمّ، فإن على الساعين إلى تغذية بذرة الأمة المحاصرة، أن يكون هذا البعد في وعيهم وفي درسهم. فإنه لا صلاح في رجل يتحنث ليلا ونهارا، ثم يتراجع جبنا عن نصرة أخيه في وقت الحاجة!

ويأتي على رأس تلك الشيم، مع ضرورتها كلها بلا استثناء، الوفاء بالعهد والحفاظ على الكلمة الوعد. وهي خصلة اندثرت اندثارا شبه تام من بقايا الأمة. وقد مدح الله سبحانه نبيه اسماعيل بأنه كان "صادق الوعد" مريم، ونعت رسول الله ﷺ مخلف العهد بالنفاق "وإذا وعد أخلف" كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه. والرجل يُعرف من صدق لسانه، فإن وعد أوفى، سواء كان في دَيْنٍ أو موعد لقاءٍ أو أي وعدٍ يُلزم به نفسه، أو يقطعه لغيره. وهو متشعب من باب الأمانة بشكلٍ عام.

يتبع إن شاء الله.

د طارق عبد الحليم      رمضان 1439