الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد
قرأت كلمة الإبن الحبيب الشيخ المحيسني، سدد الله خطاه، وأعانه على ما هو فيه من معالجة مصيبة الشام الحبيبة، كما وردت في هاشتاج فتوحات #جيش_الفتح: ووجدت أنه يجب التعليق عليها تعليقا مختصراً، لتمام الفائدة. وما كنت لأفعل ذلك إلا لمعرفتي بأثر د المحيسني في الساحة، من جوانب عديدة.
أولا، لسنا، والله يشهد، بدعاة تفرقة جمع، ولا تشتيت صف، وكيف يكون مسلما يؤمن بالله واليوم والآخر، ويسعى لنشر كلمة الله وإقامة حكمه بداعية تشتيت وتمزيق، إلاأن يكون من أمثال الهالك العدناني!؟ لكننا، بفضل الله تعالى، وما مدّ به من العمر، وفيه، ما يشاء، مراقبون للساحة، داعون فيها، أصحاب خبرة بها وبمتغيراتها، وبالعوامل الفاعلة فيها، بحكم أكثر من أربعين عاماً صرفناها في هذا المجال، قبل أحداث الشام، التي هي أول تجارب الكثير من المخلصين. وهذا ما يجعلنا نشعر بواجب النصح، خاصة لمن هم ممن نثق في إخلاصهم، كأبنائنا.
ونحن لا ننتظر من د المحيسني، ولا من غيره، كلمة ترحيب أو تقريط، فهذا لم يكن لنا بهدف أبداً، ولا يعنينا كثيرا كيف يتلقى د المحيسني، أو غيره ما ننصح به، فإننا في هذا نتبع قول الله تعالى"قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين".
أمّا عن الكلمة، فقد أحسن فيها د المحيسني كثيراً، إذ ألمح إلى حقيقة مجردة، وهي أنّ العدو لن يفرق بين أقسام من يقاتلونه، لكن نضيف هنا استثناءا من ذلك، إلا من وقفوا بجانبه يعينونه على تحقيق أهدافه، كاملة، إلى حين. وهذه الإضافة بمحل غاية في الأهمية هنا، كما سنشير بعد.
نعم، لن يترك العدو أحداً...
نعم، التوحد والاجتماع لمحاربة الصائل هو واجب الوقت لا أوجب منه، لا حجا ولا عمرة ...
لكن ... إن كان الاجتماع هو أوجب الواجبات، فعلى أي أصول نجتمع؟
أن يقال "فقد اجتمع المجاهدون على أهداف موحدة وشعارات إسلامية وتجاوزوا في الميدان -إلى حد كبير- الخلافات الفكرية والحزبية ورصوا الصفوف في مواجهة العدو الذي لا يفرق بين سلفي! أو إخواني أو جهادي .. نعم نرى اليوم بفضل الله كل ألوان الطيف الإسلامي يقاتلون جنباً إلى جنب في الجبهات وضمن الغرف المشتركة وينسقون وينظمون المسيرة العسكرية والأمنية والمدنية"، فهذا أمرٌ فيه، للناظر في حال الساحة اليوم، شكٌ كبير. أي أصول نجتمع عليها، د محيسني؟
أأصول الجيش الحر، أم أصول الأحرار، أم أصول فتح الشام، أم أصول العوادية؟ أم أصول الأقصى؟ .. لا تقل لي أصولهم واحدة، ففي هذا إهانة لعقلي وعقول كل سنيّ واع على الأرض. التغاضي عن وجود هذا الفروق، لا يجعلها تختفي، بل يجعلنا نحن، نختفيّ.
المشكلة هنا هي في تعريف الأصول من الفروع. فإن هناك نوعان من الخلاف في الساحة اليوم: خلاف في أصول، وخلاف في مناطات بنيت على تأويل أصول .. وقد بيّنا من قبل الأيديولوجيات والاستراتيجيات التي تحكم تصرفات الفصائل على الساحة اليوم[1] .. كما طلبنا بيانا من الفصائل أن توضح لنفسها ولشعبها ومنتميها ما هو من الأصول وما هو من الفروع[2]. لكن، اكتفى المعنيون بالأمر، بالحديث في عمومات لا تسمن ولا تغني من جوع.
هلا بينت لنا يا د محيسني ما الأصول التي لا يصح تجاوزها في حلّ المشكلة الشامية، حتى يعرف الناس على ماذا تتحدث؟
إن اعتبرت أنّ إقامة كيان إسلامي، حقيقي سنيّ، غير تابع للخليج أو لتركيا، أو لأمريكا، بدعم أو إعانة، هو من الفروع، فأخالفك الرأي، ويخالفك الرأي كثير من المسلمين والمجاهدين المخلصين في الساحة. بل هذا أصل الأصول في المشكلة الشامية .. لهذا اجتمع عليهم الشرق والغرب، لا إزاحة بشار، الذي سيزيحونه كدمية أطفال في ثوانٍ إن تحقق لهم هدم ذلك الأصل.
هذا هو ما تفترق عليه فصائل الشام، وهو ما بدأ يتحول اليه الفسطاطان. فبعد أن كان فسطاط سنة وفسطاط حرورية، أصبح فسطاط سنة وفسطاط متميعة إرجائية تعيسة تدخل في ولاء الأمريكان ونظم الدعم ومخطط الأمريكان، علنا جهاراً، بتوجيه من الأسماء التي أشرت اليها مرارا من قبل، والكلّ يعرفهم.
نعم، سيكون هناك حلّ أسرع، وإسقاط فوري لبشار، لا النظام ككل، ولا سيطرة جزئية للرافضة، فهذا لن يكون على الطاولة أبداً، طوعا، في مفاضات يرأسها الروس والأمريكان. هذا الحل الأسرع سيكون على رأسه الفصائل التي تقبل باعتبار أنّ الأصل فرعٌ، وأنّ الحكومة الديموقراطية أو الأوتوقراطية، أو ماشئت من تلك التعبيرات التي يخترعونها لتعبر عن التوجه العلماني اللاشرعي،
على من نضحك يا د محيسني؟ من نخادع، إلا أنفسنا؟
إن كنت داعيا للوحدة، وأظنك كذلك، فادع فسطاط الفشل والترادع، قف ضده بقوة، فسياسة اللين "وكل الناس حلوين"، والعصا من النصف، لن تحل مشكلة الشام، خذها ممن في عمر والدك ...
هذه الكلمات الرنانة، جيدة في حلبة القتال، بعد أن يتحد الفرقاء.. لكنها لن توجد حلا يجمع هؤلاء الفرقاء ...
كن من الداعين لفسطاط اليمين، يا د محيسني، فإنك، أولا وأخيرا، ستكون عونا لأحدهما، فليس هناك منتصف بين حق وباطل، بل هناك حق أو باطل .. فانظر في أيهما سينتهى أمرك، بارك الله فيك.
ألا هل بلّغت اللهم فاشهد
د طارق عبد الحليم
18 ذو الحجة 1437 – 20 سبتمبر 2016
[1] إلام تسعي فصائل الشام بشأن أيديولوجية جبهة الفتح http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73020
[2] طلب البيان من فصائل الشام http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73037