إزالة الصورة من الطباعة

أحمد موفق زيدان .. حيث خالفه التوفيق!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد

لم يكن في حسباني أني سأكتب يوما رداً على الصحفي أحمد موفق زيدان، إذ لم أعرف فيه هذه النزعة السافلة من قبل. وقد قابلته منذ سنوات طويلة في لندن في مناسبة ما لا محل لذكرها. لكن جرثومة الديموقراطية واسعة الانتشار، وداء القومية داء العصر كله، وضيق النظر يصيب حتى أفاضل الناس في بعض المواقف. ولعل صلة الرجل ببعض الشخصيات التي أعرفها، هي السبب في توجهه هذا. لم أكن أحب أن أضعه على سفودٍ وضعت عليه الحصم والطرطوشي قبل، لكن لابد مما ليس منه بد.

في مقالة أخيرة[1] لزيدان، بعنوان "جبهة النصرة.. مصلحة الأمة ثابتة وغيرها زائلة"، وبخ النصرة، واستخف بالقاعدة التي تنتمي لها،  وقلل من شأنها، ووبخ زعيمها الشيخ  الظواهري، فقط لأنه (زيدان) من أنصار فكرة فك الارتباط "نقض البيعة" بين النصرة والقاعدة، التي يهيم بها أتباع الخليج، من الائتلافيين والتفاوضيين، حرصاً منهم على ضم كلّ الفصائل إلى هدنة مع النظام، وتقبل حكومة مدنية (علمانية) عميلة للغرب في الشام .. ! وقد أشبعنا هذا الموضوع بياناً من قبل لكن التكرار يعلم .... الشطار.

بعد كلّ هذه التضحيات! بعد كلّ هذا الدماء! بعد كلّ هؤلاء الشهداء! يوافق "موفق" على إقامة دولة مدنية (علمانية) في الشام! يا للخسارة يا موفق .. إذ قد حالفك الخسار حين نظرت بهذا المنظار.

ولن أعلق على افتتاحية المقال الواهنة، التي تدعو صراحة للقومية الوطنية، وانعزال المسلم عن بقية إخوانه في العالم، وتكذب على طالبان التي آوت القاعدة وضربت أعلى مثال من عالمية الدعوة، حين فضلت أن يكون خلق الشهامة، التي نتباهي به عربا، هو خلقها لا تتجاوزه.

ولن أعلق على استشهاده باثنين من سَقْط الحركة الإسلامية، الترابي وتلميذه الغنوشي، اللذين نرى أنهما، كلاهما، قد وقع في نواقض الإسلام بامتياز، يعرفه كلّ من عنده ذرة علم بالتوحيد، لا بمجرد علم الصحافة المُشَكَّلة.

ولن أعلق على الاستخفاف بمن يعيش في جبال طورا بورا، كأنه قد وجد غيرها في بلاده، أو في الخليج، أو تركيا أو قطر، مثلما وجدت أنت (2)! هذا عيبٌ بل سقوط في الاستشهاد. فما عاش هؤلاء هكذا بملكهم، بل لمّا حاولوا أن يعملوا ما عمل أهل الشام، الذين تفتخر، ونفتخر، بثورتهم، فكان أن طاردتهم قوى الكفر في بلادهم، وتتبعتهم من بلد لآخر، حتى طورا بورا. وما صورة الحكيم في السجن في مصر في الثمانينيات منك ببعيد.

ولن أعلق على مدى الظلم الذي أوقعه زيدان على حركة، وإن أخطات هنا وهناك كأي عمل بشري، فإنه من الإثم والفواحش أن يقال إن جهدها عدميّ! لهذه الدرجة من الحقد على ذاك التنظيم! وهي من سمات أتباع محمد سرور ومن سار مساره في كراهة القاعدة. وهذا الذي أقول هو من باب الانصاف، لا لأني أنتمي إلى أي من تلك الحركات، لكن الانصاف عزيز في أيامنا النحسات هذه.

فقط أوجه النظر إلى أن مفتاح المقال كله في كلمة واحدة وهي "ولا بد أن تتواضع في مطالبها، وتنحني أحياناً للعاصفة، وتناور سياسياً"! فإلى أي درجة ستنحني يا زيدان أمام العاصفة؟ إلى أن ينقصف ظهرك؟ أم إلى أن يصل فمك إلى حذاء أوباما؟ لقد استقال محمد علوش من رئاسة الائتلاف الخائب، الذي "تواضع في مطالبه، وانحني للعاصفة، وناور سياسياً" حين علم ألا فائدة فيما يحدث، وأن الحسم لابد أن يكون على الأرض، وترك من ورائه مرافقه الساقط الخائن لبلاده أنس العبدة، يمتهن نفسه وبلده وكرامته من أجل الظهور في القنوات التليفزيونية ويدون اسمه في محافل عالمية، على أنه خائن عميل. أهذ ما تقصد بالانحناء للعاصفة والمناورة السياسية؟ وأين أفلح ذلك الانحناء وتلك المناورة من قبل؟ في أي بلد، خرج شعبها بما يريد من حياة كريمة تتسم بسمة ولو بعيدة، بالاسلام الحق، لا إسلام أوباما والغنوشيّ. بل هو الوهن والهوان، وصدق من قال

من يهن يسهل الهوان عليه ** ما لجرح بميت إيلام

ثم من تقصد يا موفق ب"مجاهدي سوريا الحقيقيين، وأبطالها الميامين"؟ إن أكثر من 70% من أبناء النصرة من أهل الشام، فهل تلقى، بكل سهولة، بجهدهم وتضحياتهم وشهدائهم في قمامة العبثية أو العدمية كما أسميتها، ليلتحقوا بالآخرين الميامين، الذين لم نعرف من هم؟ هلا قلت لنا من هم؟ نحن نعرف كلّ فصيل له حجم في الشام، وما هم عليه، وما يقولون، وكيف يفكرون. بل قد دوّنا كتابا يزيد عن 700 صفحة في حال ثورة الشام المباركة، فهلا قلت لنا ما تنورنا به عن هؤلاء الميامين من الفصائل، ففي الشام أبطال ميامين كثر، ولكن ليس فيهم واحدا يمكن أن ينطبق عليه وصفك ممن التحق بالائتلاف الساقط الخائن، فهذا ليس بطلا ولا ميمونا، إلا بالمعنى الآخر لكلمة "ميمون"! ثم إن ميامينك من أهل التفاوض والانحناء والمناورة لهم ظهر – بظنهم – هو الغرب الخادع لهم والخليج الساقط في حمأة الغرب أصلاً، فلم لا تطلب من ميامينك أن يتحرروا من تبعية هؤلاء وأن يكونوا سوريين من أجل سوريا فقط! أم إن هذا المعيار لا يُكال به إلا للنصرة والقاعدة.

لو استمعت يا زيدان إلى كلمة الحكيم الأخيرة، بأذن نظيفة من أذى الكراهة المترسبة للحركة وللرجل، لعرفت أنه لا يتمسك بسلطة ولا يدعو النصرة لأممية، بالمعنى الذي تقصده. بل قد أوضح أنه ما أن تطلب النصرة فض البيعة، أو أن يقوم فيها كيان قادر على إقامة حكم شرعي مرضٍ لله ورسوله، فهم أول من يسقط تلك البيعة. فالله الله في الرجل، اتق الله يا زيدان .. فالظلم ليس سياسة، بل ظلمات ورجاسة.

من هذا المنطلق، أذَكّر جبهة النصرة أن "مصلحة الأمة ثابتة وغيرها زائلة"!

د طارق عبد الحليم

24 شعبان 1437 – 31 مايو 2016

 

[1]  http://www.alarab.qa/story/872214/%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D8%AB%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%A9-%D9%88%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9#author_378

 

(2) ثم نشير إلى أن المقال منشور في مجلة يديرها ثاني ابن عبد الله آل ثاني .. بلا تعليق.