إزالة الصورة من الطباعة

يا دعاة الاصطفاف الحروري .. بل قتال استئصال!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

لم نكد ننتهي من فضح دعاة التوحد والتراص والاصطفاف الثورىّ تحت راية العلمانية، حتى ظهر دعاة الاصطفاف الحروريّ، ممن يرون أن الوقوف صفاً مع الحرورية العوادية، في وجه الكفار، أمر معلوم من الدين بالضرورة، من حيث إنه أولى من الاصطفاف مع دعاة الديموقراطية والدولة المدنية، بل لأنهم أصلاً ليسوا بحرورية، فقط رؤوسهم وأكثر أتباعهم! بل إنه لم يتحث منهم علنا بحروريةٍ إلا العدنانيّ، أمذا الباقي فهم مغيبون، البغداديّ مغيب، والأنباري مغيب، والشيشاني مغيّب – إن كان لا يزال لم يُقتل بعد، وكافة القيادات الميدانية، ومن يصدرون دابق، وأنصارهم على النت .. كلهم مغيبون مساكين جهالاً لا يعلمون ما حرورية! بل هم يسعون إلى إقامة الخلافة على منهاج النبوة، فهم أقل إثماً من ذاكم الذين يدعون للإصطفاف الثوري العلمانيّ، الداعي لدولة مدنية، لماذا؟ لأن هؤلاء الآخرون كلهم يعلمون، لا جاهل فيهم، ولا منهم مصل ساع لتحقيق شرعٍ بدعوى الديموقراطية جهلاً وخلطاً!

أيّ انحيازٍ هذا؟ أيّ تمويه وتدليس هذا؟ بل أيّ افتراء على الحق والواقع هذا؟

إنّ كلا الإصطفافيْن باطل مرفوض، وإثم مردود، لا يصح في شرع الله، وليس أحدهما بأولى من الآخر اتباعاً. ولا أدري عن هذا الذي يجعل أحدهما بديلاً عن الآخر، إن لم تصطف هنا، فاصطف هناك!

وقد سبق أن كتبنا عن الاصطفاف الباطل الأول، فلتلق هنا نظرة على دعاة الاصطفاف الثاني، اصطفاف الحرورية الغلاة. وسنقرر أولا، مرة عاشرة لمن كان له قلب، لماذا هم حرورية، ولماذا تتهاوى أية دعوى أخرى خلاف ذلك، في نقاط عشر، نرصها كأنها جدار لأهل السنة يحتمون به من تغوّل الحرورية، ومن يدعون لهم، ويسهلون على الناس كارثتهم، ويشيعون جدوى قبولهم، نقرر في هذا الصدد:

  1. أنّ الأصل في تعيين الفرقة هو توحّد كلمته على أصل كليّ جامع، يتحدون على قبوله، ثم يتفرقون بعد ذلك في تفاصيل ما يقع تحته من فقه. وهذا الأصل يكون في أمرٍ عقديّ، أو متعلقٍ بعقيدة، سواء بإثبات إسلام أو بإثبات كفر، سيان. كما قد يتعلق بتوحيد الربوبية أو لأسماء والصفات.
  2. أنّ أصل تبديع الخوارج، منذ خوارج عليّ، واحد لم يتغير، وهو "تكفير المسلمين بما ليس بمكفرٍ بيقين/ ثم قتالهم واستباحة دمهم ومالهم على هذا". هذا ما كانت عليه خوارج عليّ. وهذا ما اتفقت عليه كافة فرق الخوارج بعد عليّ، حتى زمن مصطفى شكري، والزوابري، والبغدادي.
  3. أن القاعدة الذهبية في هذا الأمر، كما وضعناها من قبل "من قاتل ولم يكفّر فهو باغٍ، ومن كفّر ولم يقاتل، فهو غالٍ، ومن كفّر وقاتل فهو حروريّ". فإن كان من الحرورية من لم يقاتل أو اعتزل القتال، فذلك استثناء، لا ينقض عقيدته البدعية، في استحلال دم المسلم.
  4. أنّ اسم الفرقة يقع على كلّ أتباعها جملة بلا تفرقة، وبلا تعيين، وإن كان منهم من هو جاهل أو مغرر به، طالما هو من أتباعها. ولا يصح أن يُنزع الوصف الفرقة كلها بسبب من هم من جهلتها، فهذا أمرٌ غير معروف في فقه ولا أصول ولا عقيدة، ولا عقل .. بل هو من محدثات مشايخ زماننا!
  5. أن ما يعلنه متحدث رسميّ لطائفة أو فرقة أو جماعة على العلن، يُعتبر، عند كافة عاقلي الأمم، ممثلاً لفكر جميع أتباعها، إلا أن يخرج منهم من يعارضه قولاً على أقل تقدير.
  6. أنّ المعرفة الشخصية ببعض أفراد ينتمون لجماعة، ممن قد يصدر منهم نقد لها، أو ممن يُرجى توبتهم، لا يبرر التوقف في وصف الفرقة بأكملها، عند كافة عقلاء الأمم قاطبة.
  7. أنّ الفرقة العوادية الحرورية، قد أعلنوا تكفير غيرهم، علنا، على لسان متحدثهم، وفي تسجيلات لأمرائهم، وفي مشاهد إعداماتهم لمسلمين لم يثبت كفرهم، بل وتكفيرهم للشيخ الظواهري والسباعي والمقدسي (رغن دعمه لهم ومدافعته عنهم وحيدا في هذا الميدان!)، وغيرهم من مشايخ السنة، بل وتكفيرهم لمن لم يبايع خليفتهم الموهوم المعدوم، من باب أنه بذلك يقف في سبيل تطبيق الشرع!
  8. أن دعاواهم وتأويلاتهم لا تنزع عنهم الصفة، فإن كل عقلاء الأمم يعلمون أنه ليس هناك مبتدع، أو كافرٌ، إلا وبتأويل، وبغير قصد الكفر، ولا إبليس اللعين، كما قرر ابن تيمية في الصارم المسلول "فإنه لا يقصد أحد الكفر إلا ما شاء الله". فالصفة لا تزول بعدم القصد، وإن تخلف الحكم في بعض الحالات على التعيين، باستثناءات تحددها الشريعة، وليس على الإطلاق.
  9. أن عصابة البغدادي، قد قتلت من مشايخ الجهاد وأمرائه من السنة عشرات، واتباحت دم آلاف، في أنحاء كثيرة من الشام، لا محل لتعدادها هنا، فهي موثقة في أماكن كثيرة، منهم أبو خالد السوريّ وأبو سعيد الحضرمي وأبو محمد الفاتح، وغيرهم، بتهمة الردة!

10.  أنهم لم يعودوا عن فتاواهم وبياناتهم، ولم يرجعوا عنها، حتى لحظتنا هذه، لا بشكلٍ رسمي أو غير رسميّ، اللهم إلا في غرف بعض المشايخ، من أصحاب "القلب الطيب"، الذين يعطون بعض أتباعهم، في الأردن خاصة، آذانا صاغية.

ثم، بعد هذا الإيضاح، نرى من يقول "هؤلاء أقل ضرراً من دعاة الاصطفاف الثوريّ الديموقراطيّ، وأنهم ليسوا حرورية، بل ساعين لإقامة خلافة، فأين هم ممن قاتل علياً دون تأويل!!" ووالله إن هذا القول لمن أعجب ما قرأت منذ سنين عدداً، رغم محبتي الشخصية لقائله، لعلمي بحرصه على الدين، لكن هذه الزلات لا يسكت عنها إلا شيطان أخرس، أو جاهل أتعس، أو صديق غير مخلص.

فأقول لدعاة توحيد الصف مع الحرورية، أنتم مثل دعاة التراص والاصطفاف مع دعاة الدولة المدنية، بل أنتم أشد إثما منهم في حقيقة الأمر.

هنا جهلاء وهناك جهلاء ..

هنا مأولون وهناك مؤلون ..

هنا من أراد حقا فأخطأه، وهناك من أراد حقاُ فأخطأه واستباح بدلا منه الدم والمال ..

هنا أسباب وهناك أسباب ..

لكن الرؤوس وغالب الأتباع، هنا وهناك لا عذر لهم، على الجملة ..إلا ما كان من أعيان، تلتقون بأفرادهم في مجالسكم تحاورونهم ويحاورونكم، على موائد الطعام وبيالات الشاي. لكن عُوا أن زملاء أولئك الحرورية قتلوا ويقتلون سنيا في ذات الوقت!

فما لكم كيف تحكمون .. !؟

أقول يا دعاة الاصطفاف مع الحرورية، أقلعوا عن هذا، واعرفوا عدوكم .. فإن تهادنتم معهم، فهي هدنة إلى أجل لا قتال اصطفاف، أنتم فيقتالكم وهم في قتالهم، لا تعينون ولا تستعينون .. وإن لم تعوا هذا ببصيرتكم التي انحرفت بها رياح البدع، فأنتم على أبواب خطر عظيم، يُلمّ بكم وبالأمة.

د طارق عبد الحليم

12 مارس 2016 – 3 جمادي الأخرة 1437