إزالة الصورة من الطباعة

نكبة أهل السُنّة في العصر الحاضر ومأساة الدير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

أذكر إبّان فترة تولى الإخوان السلطة في مصر، واعتراضنا الشديد على منهاجهم، سألني الكثير من الناس: الإخوان مرجئة فاسِدي المنهج، صدّقنا، لكن أين أهل السنة الذي تتحدث عنهم؟ أهم برهامي الكلب وحزب النور المرتد، عميل العسكر؟ أهناك غير هاتين القوتين على الساحة، عدا العلمانية؟

ووالله، لا أكذبكم القول، حِرت في ردي علي هذا التساؤل، إلا إنني قلت يومها أن هناك أسبابا لعدم ظهور "أهل سنّة" على الواجهة، منها أنهم كانوا، ولا يزالوا هدفاً دائماً للسلطة الحاكمة، ومنها عدم وجود قيادات كافية لهم على الساحة، إلا ما كان من الشيخين عبد المجيد الشاذلي ورفاعي سرور، وقليل حولهما، داخل مصر، ومنها عدم اشتراكهم في ميدان السياسة العامة، مما أدى إلى عدم ظهورهم إعلامياً، ومن ثم قلة أتباعهم، ومنها وجود عدد منهم خارج مصر، هرباً من وجه الطغاة المرتدين من حكام مصر.

لكنّ هل هذا حقيقة مبرر كاف لعدم وجود أي اتجاه ظاهر للسنة، على الإطلاق في مصر؟ وهل لهذا علاقة بضعف أهل السنة حتى في البلاد التي تبنت الحلّ العسكريّ كسوريا؟

لقد انحرفت أكبر الجماعات المسلحة وتنظيماتها في العراق وسوريا، إما إلى حرورية تكفيرية غلاة، مثل جماعة البغدادي، أو إلى إرجائية متميعة، مثل الجبهة الإسلامية. ولم يظهر وسط هؤلاء إلا جبهة النصرة، وعدد من الكتائب المستقلة، يتبنون مذهب أهل السنة، ويحاولون السير عليه، ما استطاعوا.

نعم، الحرورية ظاهرون علي أهل السنة، والمرجئة لهم تكتل وتعاون مع السلولية، لكن، يظل التساؤل، لماذا هذا الضعف السنيّ؟ أهو ضريبة التحرر من التبعية للخارج كما تفعل المرجئة، أم هي ضريبة التوسط والبعد عن الغلو والتشدد، الذي تميل اليه العامة عادة فتجتمع به الأنصار، خاصة منهم من حمل سلاحاً، كما فعلت الحرورية؟

وقد انعكست هذه الظاهرة، ظاهرة ضعف أهل السنة، على الوضع في الدير. فإذا بالقوات المحدودة هناك، تقاتل وحدها على جبهتين، جبهة ضد أهل الكفر من النصيرية، وجبهة ضد أهل البدعة من الحرورية. وكلا العدوين قتّالٌ لا ضمير ولا خلق ولا رحمة. وكلاهما متمسك بعقيدته، كفر وبدعة، كأنه يملك خزائن الحق على الأرض.

ثم إذ بنا لا نجد نصرة لهؤلاء المقاتلين في الدير! فأين قوات السنة؟ أين قوات الجولانيّ؟ أين قوات جبهة النصرة؟ هل انحازت هذه القوات إلى باطل الحرورية، لمّأ رأوا تقدمها وتغلبها؟ أم بقي منهم عددٌ مشتت في نواحي سوريا بلا قيادة مركزية؟

كلّ ما نعرف، هو أنّ ظاهرة خور أهل السنة وضعفهم، سواءً في الأماكن التي تبنت الحل العسكري، أو التي تبنت الحل الجماهيريّ، قد تفاقمت لدرجة أنّ وجود هذه الطائفة سيقتصر على أفرادٍ معدودين، متناثرين في أنحاء الدنيا، بين طريدٍ وسجين، ليس لهم من أتباع إلا تكتلاتٍ متعاطفة، لا حول لها ولا قوة.

ويقول من جهل العقيدة، أو السياسة، أو كليهما، لكنّ البغدادية اشتركوا بقوة في تحرير السنة من الرافضة في العراق؟ هذا وضعٌ لازمٌ، إذ لا يمكنهم أن يقتلوا أفراد الشعب العراقي السنيّ هناك، بلا سبب ظاهر. لكن الأمر أنهم كذلك أعداء للرافضة، ومذهبهم هو تكفير من يعلن مخالفتهم، وهذا الشعب السنيّ لم يعلن لهم موافقة ولا مخالفة، إذ لا دخل له بهذه التفاصيل. فالعبرة يوم ينقشع الغبار، ويتمكنوا من سدة حكم، كم سيقتلون من مخالفيهم من "المسلمين السنة" الذين حرّروهم، بحجة ردتهم! اللهم استبدل بهم أهل السنة إنك على كلّ شئ قدير، إلا أن يرجعوا إلى الصواب ويتوب الله على من تاب.

لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم حسبنا الله ونعم الوكيل

د طارق عبد الحليم

14 يونيو 2014 – 16 شعبان 1435