إزالة الصورة من الطباعة

عن ميثاق الشَرف الثوري السوري .. !

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

صدر أمس بيان عن "الجبهة الإسلامية"، قرأه عنها حسان عبود، رئيس الهيئة السياسية للجبهة، ورئيس حركة أحرار الشام! كما ظهر نفسه على قناة الجزيرة[1] يعلق على البيان، شرحاً وبياناً واستحساناً.

وهذا نصه[2]، أنقله هنا ليكون أيسر للقارئ في الرجوع اليه، والحكم عليه:

  1. ضوابط ومحددات العمل الثوري مستمدة من أحكام ديننا الحنيف بعيداً عن التنطع والغلو.
  2. للثورة السورية المسلحة غاية سياسية هي إسقاط النظام برموزه وركائزه كافة وتقديمه إلى المحاكمة العادلة بعيداً عن الثأر والانتقام.
  3. تستهدف الثورة عسكرياً النظام السوري الذي مارس الارهاب ضد شعبنا بقواه العسكرية النظامية وغير النظامية، ومن يساندهم كحزب الله ولواء أبي الفضل العباس، وكل من يعتدي على أهلنا ويكفرهم كداعش. وينحصر العمل العسكري داخل الأرض السورية.
  4. العمل على اسقاط النظام عملية تشاركية بين مختلف القوى الثورية. وانطلاقاً من وعي هذه القوى للبعد الإقليمي والدولي للأزمة السورية فإننا نرحب باللقاء والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المتضامنة مع محنة الشعب السوري، بما يخدم مصالح الثورة.
  5. الحفاظ على وحدة التراب السوري، ومنع أي مشروع تقسيمي بكل الوسائل المتاحة هو ثابت ثوري غير قابل للتفاوض.
  6. قوانا الثورية تعتمد في عملها العسكري على العنصر السوري، وتؤمن بضرورة أن يكون القرار السياسي والعسكري في الثورة، سورياً خالصاً، رافضةً أية تبعية للخارج.
  7. يهدف الشعب السوري إلى إقامة دولة العدل والقانون والحرية بمعزل عن الضغوط والإملاءات.
  8. الثورة السورية هي ثورة أخلاق وقيم تهدف إلى تحقيق العدل والحرية والأمن للمجتمع السوري بنسيجه الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية.
  9. تلتزم الثورة السورية باحترام حقوق الانسان، التي يحُث عليها ديننا الحنيف.
  10. نرفض سياسة النظام باستهداف المدنيين، بمختلف الأسلحة بما في ذلك السلاح الكيماوي، ونؤكد على التزامنا بتحييد المدنيين عن دائرة الصراع، وعدم امتلاكنا أو استخدامنا لأسلحة الدمار الشامل.
  11. كل ما يُسترد من النظام هو ملك للشعب السوري، تستخدمه قوى الثورة.

والحق أن هذا الميثاق ينزح برائحة الإخوان والسرورية، ويخفى وجها سلولياً، وينضح بعَرَقِ العلمانية، بما لا يمكن لم عرف هذه الطوائف زمنا أن يخطأه.

والمآخذ على هذا هذا الميثاق كثيرة متعددة، نتتبعها إن شاء فيما يأتي.

أولها، وأهمها، أنّ كلمة "الجهاد" لم تُذكر مرة واحدة في طول الميثاق وعرضه، وهو إسقاط للجهاد برمته، وبإعتباره أمراً لا دخل  "للثورة" أو "للمقاومة المسلحة" به!. وفي هذا ما فيه من ضياع التصور وفقد التوجه وانحراف البوصلة بالكلية.

أما عن البند الأول، فهو والله ديكور يذكرنا بالمادة الثانية من الدستور المصريّ، وشماعة علق عليها كافة الإتجاهات "الإسلامية" مسايرتهم للكفر والزور المصاحب لها في الدستور!

وقد غرّد كبير الشرعيين في الجبهة "الإسلامية" قائلاً "إن نص الميثاق لم يشتمل على أية ألفاظ قطعية الدلالة على معان تخالف الشرع مع كونه يحتوي بعض الألفاظ التي يتنازعها العرف"!. ليس هكذا تورد الإبل يا أبا عبد الملك. لقد استقر العرف بالنسبة لهذه الكلمات منذ عقود إن لم تكن تدرى، فلم يعد تنازع في شئ! أترى التنازع في هذه المصطلحات في ثورة تونس وقاموس الغنوشيّ؟ أم تراه في ثورة مصر ودستور الإخوان؟ هذا ليس من الشرع في شئ، أن نتمحك بقطعية الدلالة في الألفاظ، لنوهم بظنيتها. هذا والله تحايل لا يختلف عليه عاقلان، بل شرعيان! وماذا عن مقاصد الشرع التي ضرب بها الميثاق عرض الحائط، متأولا بمصالح متوهمة، ودلالات لفظية مطاطة؟

أمّا عن البند الثانيّ، فإن الغرض ليس هو إسقاط النظام فحسب، إذ هذا فقط هو الجانب السلبي منه، فأين الجانب الإيجابيّ، وهو إقامة مجتمعٍ إسلاميّ يحكم بشرع الله، وبشرع الله وحده؟ ليس في ميثاق المُقرِفين أية إشارة إلى ذلك. بل العكس من ذلك، فإن المُقرفين قد ذكروا صراحة في البند السابع أن غرضهم هو "إقامة دولة العدل والقانون والحرية"! لا دولة الإسلام والشريعة. وهو ذات المنطلق الذي تعتمده الطوائف التي ذكرنا في الحديث عن نوع الدولة التي يقصدون إقامتها "حرية، عدل، مساواة، قانون، حقوق إنسان"، لا شريعة ولا حكم بما أنزل الله. ولئن سألت من يتحدث نيابة عنهم من "الشرعيين" لكرّر لك ما مللنا سماعه من أنّ "أليست تلك هي مبادئ الشريعة" نتّبعها؟ أو "تلك مصالح ومفاسد نعتبرها"، أو "نحن أعلم بما على الأرض"، أو "أنّ ليس هناك ما ينصّ على رفض الشريعة"، وكلّ هذا الهراء الممقوت، وكأننا نسمع للبرهامي الشاميّ! وكأننا لا نعتبر! وكأننا لا نعى دروس السنن الإلهية التي أسقطت الإخوان وأدالت دولتهم في شهور معدودة!، وهم إخوان "مسلمون"!

ثم، المُضحك أنّ الميثاق شبه العلمانيّ يدعى أنّ القصد هو أنّ ثورتهم تريد إقامة الدولة "بمعزل عن الضغوط والإملاءات"، وسبحان الله العظيم، والله إن الضغوط والإملاءات هي ما أخرج هذا العفن العلماني بادئا ذي بدء! فإننا نكاد نرى اليد السلولية الأمريكية تكتب، لا تملى، بنود هذا الميثاق.

ثم تلك الإشارات المتتالية للعنصرية السورية البغيضة، كما في البندين الخامس والسادس، إلى حدّ التصريح برفض مبدأ التعاون مع أيّ مهاجر على قتال "الكفر" النصيريّ، وهو ما يرفع قضية الوطنية فوق إعتبار الإسلامية، ويضع التصور الإسلاميّ في قضية الولاء كلّه في محل الرفض والإقصاء.

وفي مقابل رفض الولاء على دين الله، والتحريض ضد المهاجرين في سبيله للدفاع عن أرض الشام المسلمة، نرى اليد الحنون تمتد من أجل "تحقيق العدل والحرية والأمن للمجتمع السوري بنسيجه الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية"! إذن، هو القتل والترويع والتهجير للمهاجرين المجاهدين، وهو العدل والحرية والأمن للنصيرية والنصاري وغيرهم من الطوائف غير المسلمة من أهل العرق السوريّ! ما شاء الله على دينكم وإسلامكم!

لا أثر، ولا من بعيد، لشرع الله وحكمه، بل علمانية شبه صريحة، وعنصرية قومية صريحة.

وقد بات من الضروري أن يقوم علماء السنة بالتصدى لهذا الإتجاه التخريبيّ. وقد رأينا تغريدات الشيخ الفاضل د هاني السباعي، ود سامي العريدي، وأبو سليمان المهاجر وغيرهم. وننتظر المزيد إن شاء الله.

ولا ندرى ما سيؤول اليه هذا المشروع الخبيث، ولا ندرى ما حكمة صدوره في هذا التوقيت، الذي تعاني فيه الحركة الجهادية السنية، ممن لا يتبعون السلولية الصهيو-صليبية، من حرب الحرورية التكفيرية عليهم.

ولك الله يا إسلام، ويا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! مَنْ بات ينافح عنكما اليوم، إذ سقطتما بين علمانية متقنعة وحرورية متنطعة.

د طارق عبد الحليم

18 مايو 2014 – 19 رجب 1435


[1]  http://www.youtube.com/watch?v=SfImUUCuYnc&feature=youtu.be

[2]  http://www.islammemo.cc/akhbar/syria-althawra/2014/05/17/199675.html