إزالة الصورة من الطباعة

مصر .. شكل دولة وحقيقة عصابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

تتصف المجتمعات الحضارية، والجماعات البشرية بأنها تشترك في كثير من الخصائص الأساسية التي تجعلها تُصنّف من سائر المنظمات الإجتماعية كنظامٍ أو كدولة يمكن أن تنضم للمجتمع الدوليّ العام. فللمجتمعات الحضارية مقوماتها وأركانها، التي تجعلها مجتمعاً متجانساً متكاملاً، وللدول مقومات وقواعد تعامل لا يصح أن تكون بغيرها دوة مكتملة الأركان.

وفي مصر، عقب الإنقلاب الفاشي الصهيو-صليبي المشرك الذى قادته قوات جيش الاحتلال المصريّ، فقد انهارت كلّ مقومات الدولة، التي يحاول أن يقنع قادة الانقلاب الصهيو-صليبي المغفلين الساقطين من شعب السيسي أنهم يريدون أن يبنوها دولة حرة حديثة!!

ولسنا في حاجة إلى إثبات سقوط هذه المقومات، فهي ظاهرة لكلِّ ذي عقلٍ إنسانيّ وضميرٍ حيّ. لكن يمكن أن نقرر هنا أنّ مقومات الدولة تتحدد في سلطة مقبولة وحرية مكفولة وعدالة قائمة وأمنٍ مستتب. هذه المقومات قد فقدت بتماهها من المجتمع المصريّ في الشهور الخمسة الماضية. فالسلطة القائمة سلطة غاصبة قائمة على القوة والإرهاب العسكريّ، والحرية قد انعدمت بكافة أشكالها حتى أصبح رفع أصابع اليد بعلامة رابعة جريمة يُعتقل فاعلها لو كان حدثاً، والعدالة قد باعت ذمتها إلى العسكر، وصار القضاء هو منبع الظلم ومصدر تكريسه، وبات الناس، المسلمون، يروّعون في بيوتهم صباح مساء، تختطف البنات، وتعتقل النساء، ويقتل الشباب، بلا رحمة ولا ضمير.

ثم، إذا باقتصاد مصر يؤول إلى أيدي العسكر، مصانع وسياحة وطرق واستيراد وتصدير، ثم لا يخضع دخله إلى أي رقابة، ولا يكون مكوناً من مكونات الميزانية العامة، بل هو حلالٌ لقادة جيش الاحتلال، يوجهونه لمخصصاتهم، ويلقون ببعض فتاته إلى الضباط من الرتب الأدنى، أنجاس الأيدي ومنعدمى الضمائر.

لكن كلّ هذا الخراب يهون إلى جانب الكارثة الحقيقية التي تحيق بأهل مصر من المسلمين، ونعنى بها كارثة التمكن الصهيو-صليبيّ من مصر، ومحو إسلاميتها بالكامل، بل ومحاولة القضاء على شعبها المسلم حقيقة لا مجازاً.

فأصحاب المصالح الحقيقيين فيما يحدث في مصر، إن استبعدنا العسكر الذين هم مجرد آلة التنفيذ، مقابل عوائد مالية وسلطة شكلية، هم الصهاينة والصليبيون.

أما الصهاينة، فقد استطاعوا أن يضمنوا خروج مصر من معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي، بل وتحويل جيشها إلى جيش احتلال لمصر، لا يمكنه مواجهة الصهاينة في يوم من الأيام، لا حاضراً ولا مستقبلاً، بعد أن تحول دوره وتبدلت عقيدته إلى حماية حدود إسرائيل وقتل المسلمين في مصر.

ثم المصلحة الصليبية هي الأدهى والأمرّ. فإن الكنيسة، ومن ورائها ساويرس، قد أصبحت مركزاً لصنع القرار في مصر، فأملت مواد الدستور الشركيّ، وحذفت منه ما كان في دستور 2012 من فتات تتعلق بالإسلام. ثم أملوا مؤخراً قرار تجميد أموال الجمعيات الخيرية الإسلامية، وليت شعرى، والله لا يتصور أحدٌ أن هذا يمكن أن يحدث في بلد غربيّ، فإذا به يقع في بلدٍ يُفترض أن أكثريته مسلمة! وهذا القرار، وإن كان ظاهره سياسيّ، إلا إنه قرار طائفيّ يقصد به تجويع المسلمين من ذوى الحاجة لدفع عملية التنصير قدماً. ثم إذا بمتاجر المسلمين تُهاجم وتُحرق، بل وصل الأمر في المنصورة إلى أن يقتحم النصارى بيوت المسلمين في رائعة النهار!

هذا الوضع الذي آلت اليه مصر، وضعٌ لا ندرى كيف يمكن الخروج منه. فالإخوان وداعمى الشرعية، لا يزالون يتحدثون عن السلمية وقوتها وأثرها. ولا يزال كثيرٌ من معارضى الانقلاب يتحدث عن مقاومة العدوان على أنها حرامٌ لا محلّ له في عقيدة المسلمين.

يجب، كما كرّرنا سابقاً، أن يرى المسلمون رأيهم في طريقة التعامل مع هذا الوضع الكائن. فالأمر مقصود به تحويل هوية مصر إلى هوية نصرانية، تتبع الدولة الصهيونية، وتقع فريسة في يد عصابة العسكر، وتُنَظَّم فيها عملية التطهير العرقيّ ضد المسلمين في عقر دارهم بلا هوادة.