إزالة الصورة من الطباعة

ثم ماذا بعد جمعة الغضب؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

انتهت جمعة الغضب. مشاهد رائعة وحشود مجتمعة. بذل وعطاء واستماتة في سبيل الحق.

لكن .. ويا لها من لكنٍ حذّرنا منها من قبل .. عادت الحشود وتفرقت الجموع وبقيت شواهد عليها في الأخبار ومواقع التواصل الإجتماعيّ، ثم استمر النظام الكافر الفاسد في خطواته، يعتقل ويقتل، ويهدد ويتوعد.

أعلم أنّ القيادات الحالية، أو ما بقي منها، لا تقدر إلا على ما تفعل اليوم، فهي مطاردة ومحاصرة، فضلا عن أنها، أو أغلبها، لا يؤمن إلا بالسلمية ومد يد المحبة إلى العدو.

لكنّا هنا نخاطب الشباب المسلم الثائر لدينه ووطنه.

الظاهر أنّ قومنا لا يعرفون معنى الدولة البوليسية، ولا يدركون طرقها ووسائلها. الدولة البوليسية لا تأبه لحشد أو تجمعٍ أو تظاهرٍ. بل هي تراقب وتترصد، حتى يتنهي الحشد، ثم تستعد للحشد الذي يأتي من بعده. ومن يظن أن الدولة البوليسية البلشفية تهتم لمثل هذه التظاهرات، ولو كانت بعشرات الملايين، فهو واهم حالمٌ لن يستيقظ إلا بعد فوات الأوان، كما حدث مع إخواننا الإخوان، حين ظنوا أنّ الديموقراطية ستتغلب على الدولة العميقة، فانتهي بهم الأمر في السجون، كما تنبأنا بذلك من قبل.

إن تغيير النظم المستبدة، لم ولن يكون إلا بالقوة لا بالسلمية. اذكروا عنى هذا.

لقد علمنا الله سبحانه فيما حكى لنا من استبدال القوم المجرمين، قوم عاد وقوم هود وصالح ولوط ونوح، أن استبدالهم لا يكون إلا بضربة ساحقة قوية سريعة، لا تمتد أكثر من أيام معدودات "فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا۟ فِى دَارِكُمْ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍۢ ۖ ذَ‌ٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍۢ" هود 65، "سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍۢ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًۭا فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍۢ" الحاقة 7.

كما رأينا في التجارب الإنسانية، أنّ السُّنة نفسها جارية، كما حدث في الثورات الفرنسي والأمريكية، حيث تولّت القوة والمُصادمة حسم الأمور.

لكننا هنا في مصر، نحاول ما يُصادم هذه السنن. فنعلن أننا لن نتصادم مع أحدٍ مهما دُفعنا إلى ذلك ومهما سُفك من دمائنا! ونعلن أننا سنستمر على طريقنا هذا ولو لسنوات، فالوقت في صالحنا!

هذا أمرٌ لا يصح إلا في وقت الدعوات وفي أثنائها، لكن متى وقع الصدام، فالأمر لا يستمر طويلاً بحالٍ من الأحوال. قد يستمر الصدام والتدافع طويلاً ولكن لا تستمر طريقة الدعوات في السلمية، إذ لا تصلح بعد الصدام.

ويقول قالٌ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر 13 عاما بعد الهجرة في كرٍ وفرٍ مع المشركين. قلنا نعم، ولكن كانت له صلى الله عليه وسلم دولة يمتنع فيها ويحارب من أرضها، لا كما في حالة لوط أو هود أو صالح عليهم السلام.

إن الدولة البوليسية الكافرة في مصر اليوم قد أعلنت الحرب على الإسلام وأهله، وقتا منهم من قتلت واعتلت من اعتقلت، فأصبح لزاماً علينا أنْ نبدأ مرحلة الصدام على الفور، حتى وإن استمرت التظاهرات "السلمية".

يجب أن تتكون كتائب الحق، تتعامل مع قوى الكفر والبلطجة، وتعاملها بما تفهم، لغة القوة والصدام.

نحن لا نفهم إلى هذه الساعة ما يمنع كل هذه الحشود من العصيان المدنيّ؟ هذا أمرٌ لا يحتاج إلى سلاح ولا عتاد. هذا مقاومة سلبية سلمية، فما الذي يمنع منه؟ أيخشى الناس على وظائفهم ولا يخشون على حياتهم التي يعرضونها للموت كلّ مرة يخرجون فيها إلى الشارع؟

لقد عددنا خطوات من قبل لا يمكن لنصر أن يتم إلا بها، ونحن لا نزال وسنظل نرى الأمر كما عرضناه في مقالاتنا السابقة، أنّ هذه التظاهرات جميلة سامية مشرّفة، لكنها لا تؤدى إلى تغيير الوضع على الأرض.

واقول لمن يدّعى أن لدينا الوقت، كل الوقت، لنصل إلى النصر، أنّ هذه الدعوى هي أول خطوات الفشل، ومقدمته.

الظاهر أنّ مستوى التضحية بالنفس لا يزال عند مستوى التضحية غير الإختيارية، ولم يرق بعد إلى مستوى التضحية الواعية المُوجّهة. إن الخروج في الحشود المليونية علماً بأنه هناك فرصة أنْ يُقتل المرء أمرٌ، وأن يخرج في كتيبة حقٍ قاصداً أنْ يَقتل ويُقتل أمرٌ آخر، لم تصل اليه الإرادة الشعبية والوعي الإسلامي بعد. الأخير تتضاعف فيه احتمالات الشهادة أضعافاً مضاعفة.

 وحتى نصل إلى هذه القناعة، فسنظل نرى تلك المشاهد المهيبة تتكرر ثم تتفرق بلا نتيجة على الأرض.