الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يشك أحدٌ اليوم في حقيقة التمايز بين الصفوف، الذي أصبح سمة الساحة السياسية والشعبية المصرية، بعد خروج الملحدين برئاسة كبيرهم السيسي مؤخراً، وقتلهم الأبرياء بغير حق، واغتصابهم السلطة وفرضهم الدولة البوليسية على كافة أبناء الشعب.
لكن هذا التمايز، في المفهوم الإسلاميّ، له تكييف شرعيّ يجب الرجوع اليه حتى تكون أحكامنا قائمة على بصيرة من دين الله وشرعه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لا على هوى ومِزاجية وتخرّص.
التمايز اليوم قد وقع بين صفوف الشعب في باب الولاء والبراء، الذي هو أحد أعمدة التوحيد في العقيدة الإسلامية. وقد كانت محنة الشعب من قبل 3 يونيو هي في باب الحكم بما أنزل الله، والتي ابتلي فيها الشعب كله، حتى الإخوان وأدعياء السلفية الذين رضوا بالدستور العلمانيّ الأخير، رغم أنه كان أقرب للحق من سابقه.
أما اليوم، فإن الأمر كله قد انحصر، على أرض الواقع، في باب الولاء والبراء. الولاء لله ولرسوله ودينه وشرعه، والبراء ممن يقف عقبة في سبيل دين الله معانداً ومحارباً.
وحتى نُذّكِّر قراءنا الأحباء، فإن التوحيد يقوم على أعمدة ثلاثة، هي الحكم بما أنزل الله، والولاء لله ولرسوله والبراء من أعدائهما، ثم توجيه النسك والشعائر لله وحده لا شريك له، لا كما يفعل مبتدعي الصوفية وكفارهم من القبوريين وأصحاب وحدة الوجود.[1]
حين وقعت جريمة 30 يونيو، والتي أعد لها الملاحدة إعداداً جيداً اعتمدوا فيه على غفلة الشعب وتميّع منهج حُكامه من الإخوان، أكثر مما اعتمدوا على مهارتهم وحسن تخطيطهم، حينها تمايزت الصفوف، وانقسمت الساحة إلى مُعارضين لحكم الكفر والإلحاد، وهم من تظاهروا وضَحّوا بحياتهم بالآلاف، ولا يزالون على خروجهم على حكم الكفر في الشوارع. وإلى قسمٍ والى حكم الكفر العَسكريّ ولاءً صريحاً، ورضِىَ به، ورآه أفضل من حكم "الإخوان"، فصفق للسيسي الخسيسيّ، بل وخرج منه في 30 يونية من يفوضونه في قتل المسلمين من أهليهم وذويهم باسم مقاومة الإرهاب.
هذا القسم من الشعب، الراضى بما يحدث على أرض مصر من مطاردة للمسلمين وقتل المتظاهرين وإغلاق المساجد وانتهاك حرمتها، وتشويه الجثث والتمثيل بها، وتعذيب المعتقلين، وسائر تلك البشاعات التي نراها اليوم ليل نهار على شاشات التلفاز، حتى تبلدت مشاعر العديد من الناس تجاهها، فلم تعد تتحرك لها قلوب أو تذرف لها دموع، هذا القسم قد خرج من دين الله من باب الولاء للكفار ونصرتهم، والبراء من أهل الإسلام والوقوف ضدهم، بلا خلاف من صاحب علم.
ويقول البعض، في مواجهة هذا التصنيف الشرعيّ، أنّ هؤلاء مغيبون، قد دخلت عليهم أعمال السحر الإعلاميّ الذي تبثه القنوات الفضائية الملحدة، فهم يتصورون أنّ هؤلاء المتظاهرين إخوانٌ إرهابيون، وأنهم يريدون بالبلاد شرّاً، ومن ثمّ اتخذوا هذا الموقف الموالى للكفر. ويتعللون بأحاديث مثل "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بهما أحدهما"، ومثل ذلك من أحاديث عامة.
هذا تبريرٌ عاميّ[2]، لا يمت للشرع بصلة، ولا يقوم على أدلة شرعية صحيحة. فإن العوام من الكُفّار على مرّ تاريخ الدعوة لم يكونوا يتعمدون موالاة الكفر أو السير في ركابه. قال تعالى، في وصف التحاور بين فرقتيّ النار، التابعين والمتبوعين "وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُۥٓ أَندَادًۭا ۚ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلْأَغْلَـٰلَ فِىٓ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ" سبأ 33. إذن نحن أمام طائفتين، طائفة مارست سحر الليل والنهار الإعلاميّ والصحفي، وتزييف الحقائق وقَلبها، والكذب الذي ليس له سقفٌ يقف عنده. وطائفة استمعت لهذا السحر وقَبِلته وسارت وراءه، رغم وجود الحق أمامها، يمكن لها أن تتخذه بديلاً. فهل اعذرهم الله بأنهم كانوا تابعين مستمعين للسحر، ليسوا صانعين له؟ لا والله، بل اجتمعوا في النار يتجادلون فيمن هو سبب بؤسهم وعذابهم.
إذن، لم يغن عن هذه الطائفة التابعة من الكفار أنهم ليسوا من صانعي السحر، بل فقط صَدّقوا السحر وتابعوه. وهذا هو عين ما نقوله اليوم. كيف ولماذا تُعذرُ هذه الطائفة التي صدقت توفيق عكاشة ولميس الحريري والسيسي وسائر عصبة الكفر؟ ما المُبرر في هذا الإعذار؟ أهو في قول لا إله إلا الله ابتداءً؟ لكن قول لا إله إلا الله لا يُنجى إن وقع المرءُ في الكفر الأكبر، وقد رأينا أن هذه الموالاة هي كفرٌ أكبر إلا عند من اختلط عليه مفهوم التوحيد كجماعة الإخوان البدعية. لكن هذه الموالاة كفر لا شك فيه عند الله ورسوله.
ألم يقل الله سبحانه على لسان فرعون "قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ" غافر 29 كما يقول سيسي الكلب؟. وقال تعالي "فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمًۭا فَـٰسِقِينَ" الزخرف 54، هؤلاء القوم الذين استخفهم ولعب بعقولهم هم معه في النار "يَقْدُمُ قَوْمَهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ ۖ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ" هود 98.
هذا معنى متواتر في الشريعة تشهد له مئات الآيات في القرآن، وكثير من مواقف رسول الله صلى الله عله سلم فى السيرة.
أما من استشهد بحديث "من قال لأخه يا كافر فقد باء بها أحدهما"، فنقول، أولاً هذا حديثٌ فيمن يرتكب معصية فيرميه مسلمٌ بالكفر، إذ المسلمون لا يُكفّرون بالمعصية كالخوارج، فالاستشهاد به هو تضليل وتحريف، أو جهل وتخريف. أما إن كان الفعل كفراً فلا ينطبق عليه الحديث أصلاً، إذ هذا المرتكب للولاء المُكفر ليس بأخينا ابتداءً. ثم الثانية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل "لا تقل لأحد يا كافر"، بل قال "فقد باء بهما أحدهما" وهذا طبيعيّ، إذ نعرف على وجه القطع أن من سيبوء بها هو مرتكب فعل الولاء المكفر، فلا علينا إذن، بل نحن متبعون لنص الحديث، الذي يجعل الكافر يبوء بما يستحق من وصف.
ثم إن البعض يقول "هذا فتح باب التكفير"، وهذا، مرة أخرى، انحراف عن منهج الله، وازورار عن مفهوم التوحيد، فكم سمعنا من قبل عن "التكفير" والترهيب منه منذ الستينيات، حين أطلق النظام الناصري هذا الرعب في قلوب العامة ليرمي بهم في ظلمات الكفر دون وعي منهم. هذا تكتيك أهل الكفر منذ عهد عبد الناصر الهالك. وهو ما أوقع الإخوان من أهل البدعة في فخ هذا الرعب، فصاروا يطلقون أحكام الإسلام على الكفار عيناً، كما صرح به بيانهم اليوم، أخزاهم الله إن لم يهدِهم. والتكفير إن وقع في موقعه فهو المطلوب، كما كفّر الله ورسوله من كفر. ويقول البعض، لكنك تتحدث عن كفارٍ، ونقول، سبحان الله! أولدوا كفاراً أم كفروا بما يفعلون؟
ثم، ما هي توابع هذا الحكم الشرعيّ إذن؟ توابعه أنه يجب على كلّ مسلم عارف لدينه محب لله رسوله أن يقاطع هؤلاء البشر المفتونين عن دينهم، سواء كانوا إخوانه أو أقاربه أو ذويه أو أصحابه، بل أن يفارق الرجل زوجه وتفارق الزوجة رجلها على هذا الأمر. فهو قولٌ فصلٌ وما هو بالهزل. وطالما نراه تزيّداً، ولا نتخذه موقفاً صلباً جاداً فستلاحقنا الهزيمة والفشل ما بقي الدهر "قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌۭ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ" التوبة 24.
ثم إنه يمكن النصح لهم وإفهامهم والتبيين بالحجة والصورة والكلمة الطيبة أولاً، فإن تولوا، فانبذوهم واهملوهم وفارقوهم، فهم ليسوا منكم ولستم منهم. واعلموا أن الواجب عليكم هو "إيصال الحجة" لا "تفهيم الحجة"، فما أن تصل الكلمة واضحة، فلا عليك ممن فهمها أو عُمّيت عليه "قالَ يَـٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَءَاتَىٰنِى رَحْمَةًۭ مِّنْ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَـٰرِهُونَ" هود28 ، فهذا قدر الله عليه. تلك كانت دعوة الأنبياء. وهؤلاء قد ارتكبوا فعل الولاء المكفّر ابتداءً، فيجب ان تستحضر هذا في ذهنك قبل أن تبدأ في نصحهم والحديث اليهم، ولهلم يرجعون "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌۭ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۖ قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" الأعراف 164.
كفانا تميّعا في دين الله، وكفانا تأوّلاً فيه وانحرافاً عن مفاهيمه، وليذهب الإخوان ومبادئهم التي أودت بحياة آلاف الأبرياء إلى مزبلة التاريخ، فهم والله أسّ كارثتنا في هذا الزمن.
[1] والملحد على جمعة وباب الأزهر هما عنوان هذا اللون من الكفر ورموزه في مصر اليوم
[2] أي يقول به عوام ولو كانوا من حاملي شهادات شرعية