إزالة الصورة من الطباعة

ثورة الإسلام .. وسقوط الفكر الإخوانيّ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أظنُ أنّ غالب المسلمين، في مصر وخارجها، قد شاهدوا ذلك التسجيل الفذّ، الذي تسرّب في غفلة من شياطين الإنس الذين أداروا الحوار، والذي شهد بما لا يدع مجالاً لشكٍ في هدف تلك الطائفة الخارجة عن الإسلام، وفي توجهاتها، وفي تصوراتها وعقائدها. هم طائفة مرتدة عن الإسلام، كافرة بالله سبحانه، يبيتون كلّ حقدٍ وكراهة للإسلام وأهله، وإن كان ذلك من خلال إبادة أغلبية الشعب المصريّ "المتديّن"، ليبقوا هم، والقبط عباد الصليب، يحكمون مصر.

لقد اغترّ هؤلاء الرّهط من الكفرة بظهور الكثير من أشكال المعاصى في مجتمعاتنا، وهو الأمر الذي صاحب سيطرة الكفرة الفجرة من حكام العرب على سدة الحكم عقوداً عدداً، فظنوا أنّ غالب هذا الشعب قد كفر بدينه، وخرج من ملته، ليسير وراء ملة إلهام شاهين، وتوفيق عكاشة! هذا والله وهمٌ أزالته الحشود الساجدة في كافة أنحاء مصر، والتي تبعث برسالة واحدة إلى المتأمل، أن نحن لا نزال على إسلامنا، وإن تاه بنا الطريق الذي زيفه علينا سحرة الفراعنة المتتاليين، وأننا، وإن خدعنا طويلاً، فلن نستسلم للكفر البواح، ولن نكون عبيداً إلا لله.

ولكن للحقّ، فإن هذا التسجيل، مع ما في غالبه من شيطنة وكفر وإلحاد، إلا إنه لا يخلو من حقائق، وياللعجب، يجدر الإشارة اليها، والتنبيه عليها، لتكون درساً وعبرة لشبابنا في صراعه القادم المرتقب مع الكفر المسلح.

 ذكرَ المُلحد، المتحدث في أول التسجيل، بعض النقاط، التي أشاركه فيها الرأي، وأرى فيها ما رآه، منها أنّ كلّ التغييرات الإجتماعية لابد أن يصاحبها دماء تراق، ومن ثم فهو لا يرى باساً من إراقة بعض الدم، أو الكثير منه، حسب الحال، للوصل إلى هدف إقامة الدولة العلمانية الصرفة. وهذا تصورٌ صحيحٌ عَجزت عقول الإخوان أن تستوعبه، بما رماها الله به من أتباع المتشابهات وتلويث عقائد السُّنة الصحيحة بترّهات الإرجاء، الذي يريد أن يتجاوز سُنن الله سبحانه، ويقفز عليها، ليحقق نصراً دون ثمن. والتفسير الأقرب هنا، أنّ الإخوان، في حقيقة الأمر لم يريدوا أن يحققوا نصراً حقيقياً أو أن يقيموا شرعاً إسلامياً حقاً، بل أرادوا أن يخلطوا كفراً بإيمان، وشركاً بإسلام، ويمسكوا العصا من النصف، كعادتهم، فكان أن قهرتهم قوي الكفر التي استوعبت سُنن الله في الأرض أكثر مما استوعبته تلك الطائفة الإخوانية المتميعة.

ثم ذكر المُلحد، المتحدث ما خلاصته أنّ "السلفيين أخطر وأسوأ كثيراً من الإخوان، لأن الإخوان يلعبون مع أمريكا ومع كلّ لاعبٍ في الساحة، أما السلفيون فهم مبتزون مرتشون، يريدون قطعة من الكعكة مقابل خدماتهم". ولا أدرى إن كان هذا التمييز بين الإخوان والسلفيين نيشاناً على صدر الإخوان، لكنّ هذا التصنيف حقٌ لا ريب فيه.

لقد قام فكرُ الإخوان على تلك البَندولية السياسية والعَقدية، التي تتأرجح بين طرفيّ المعادلة الإيمانية، فتُصالح الكفر وتتعامل معه، بل وتدعى بتبجحٍ أنه ليس كفراً، بل مجرد فسقٍ أو عصيانٍ من إخوة لنا!! وتتلاعب بعقول العامة من الناس بأدلة خارجة عن محلها، تحريفاً للكلم عن مواضعه. إنّ هؤلاء الرهط كفارٌ مرتدون، من قبل هذا التسجيل، وقبل هذه الأحداث. هم كفار لخروجهم عن طاعة الله سبحانه في التحاكم والولاء والنسك جميعاً. ولم يكن للإخوان أن ينتظروا حتى يُلقوا بالشعب كله في هذا الأتون المُتأجج حتى يدركوا هذا الأمر الذي وَضُحَ وضوح الشمس في رائعة النهار منذ اليوم الأول في تاريخ دعوة الإسلام. والعجب الذي أخشاه، أنهم لم يرعووا عن انحرافهم هذا بعد، إذ نسمع لباحثهم السرجاني ذلك القيئ عن أننا نواجه مسلمين عاصين! رحماك ربيّ.

الشاهد هنا، هو أنّ شباب الإخوان، وشباب الإسلام عامة، يجب أن يعرفوا أنّ الفكر الإخوانيّ، ومن ثم التصرفات والمواقف الإخوانية قد سقطت كلها، وأنه يجب أن يفيئ الناس إلى طريق السنة والجماعة، وأن يعلموا أنّ سياسة التخنث والتميع الإخوانيّ لن تخرجنا من هذه الأتون المتأجج. لقد إدعى الإخوان أنهم مهرة السياسة ولاعبوها، وإذا بهم أسوأ من تولاها في تاريخنا، وما ذلك إلا لأن سياساتهم قامت على تصورٍ عقديّ منحرف لا يتعلق بالسُّنة إلا قدر ما يتعلق بالبدعة.

نعم، يجب أن ندرك اليوم أنّ القوة لا يردعها إلا القوة، وأن الثورة الإسلامية يجب أن يكون ثمنها دماً كثيراً، إن لم يقدر على الوفاء به الإخوان، فسيقدر على ذلك غيرهم من شبابنا المجاهد، وليكفى هؤلاء أن يستمروا في تميعهم وتخاذلهم، وليروا أين ستأخذهم ديموقراطيتهم و"مشاركتهم لا مغالبتهم"

لا أقول هذا اليوم من باب عتابٍ أو تقريعٍ، لا والله أبداً، فقد قلت قبل ذلك مراراً، أننا نقف مع الإخوان، إذا أزفت الآزفة، ضد هذا الرهطِ المُلحدِ الذي يكيد للإسلام بكلّ مكرٍ وخسّة، وعتب عليّ فيه بعض من لا فقه له. لكنْ، علينا اليوم أن نعلن سقوط الفكر الإخوانيّ، حتى لا يجرّ علينا بتداعياتِه ويلات أشد مما نحن فيه، ولنتجنب أن نسلك في طريق العلاج مَنحىً مُنحرِفاً يزيد المرض ويضاعف البلاء.

ومعذرة إن لم أعلق على موضوع السلفيين، بُرهاميّهم وبَكّارهم، فهؤلاء حثالة الجَمع الإسلاميّ ونِتَاج غائطه، لا دين ولا خلق ولا سياسة. فلنلقهم وأتباعهم في مزبلة تاريخنا الحديث، غير آسفين.

إنّ دولة العلمانية الملحدة قد أسفرت عن وجهها، وإن كان سافراً من قبل لمن له سمعٌ وعقل، وضربت بالفعل ضربات موجعة، وقتلت وسيطرت بجيش إحتلالها وخَسيسيّها وشرطتها وأمن دولتها، كأقبح ما يكون التبجح، ولم يعد هناك محلٌ لأرجحة وبندولية، فإما نحنُ وإما هم، لا نتعايش معا في وطنٍ واحدٍ أبداً، هكذا دون لجاجة.

على الإخوان أن يختاورا الصف الذي سيقفون فيه، بشكلٍ نهائيّ واضح لا تميّع فيه، وأن يتوقفوا عن خبالات الديموقراطية التي رأينا حقيقة عقائد أربابها في هذا الشريط، وفي تصرفاتهم على أرض الواقع.

إنّ علينا اليوم أنْ نُمَهِّد لجهاد طويل المدى مع دولة العلمانية المُلحدة، عاقدين العزم على عدم التصالح ولا المفاوضة ولا قبول حلول الوسط، فهؤلاء لن يعرضوا ولن يقبلوا حلولاً وسطاً إبتداءً، وهم يعلمون أن المعركة الحالية مع الإسلام هي معركةُ بقاءٍ أو فناء، وإن كان فناؤهم مؤكدا وبقاؤهم مُحَدَّدا وإن ظهروا مؤقتاً.

اليوم حشدٌ ومقارعةٌ ومغالبة. اليوم إيقافٌ لدولة الكفر وتعطيلٌ لمصالحها. اليوم قتالٌ أو استعدادٌ لقتالٍ حين يحين الحين، اليوم إما نحن وأمّا هم، ولا ثالث هناك. ولا تغرنكم دعواتٌ مشبوهة تدعو لتيارٍ ثالث لا نعلم والله عنها شيئاً.

 الاستسلام اليوم هو انتحارٌ في الدنيا وخسارة في الآخرة.