إزالة الصورة من الطباعة

تُبْ إلى ربِك يا راغب السرجاني ..!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أعلم أنه ليس الوقت بوقتَ التعاتب أو النقد بين المسلمين، سواءً منهم من كان على الصراط السنيّ المستقيم، أو من هم على بدعٍ وانحرافات عقدية، إذ العدو المشترك هم هؤلاء الكفار العلمانيون، سواء من المدنيين أو العسكريين. لكن الأمر يتجاوز الإحتمال في بعض الأحيان، إذ إن أصحاب البدع يروّجون لتصوراتٍ بدعية يتعدى أثرها مجرد الإنحراف العقديّ ليرسم طريقاً خرباً يتحرك فيه الشارع الإسلاميّ على غير هدىً، كما حدث بعد ثورة دومة ونوارة في 25 يناير.

وحتى أكون أكثر تحديداً، أتحدث عن راغب السرجانيّ، باحث التاريخ الذي رفعته بعض جماهير العوام إلى مرتبة العلماء يوماً. ورغم أن السرجاني له كتابات تاريخية طيبة وأبحاث مطولة جيدة، بل لعله أفضل من تلبس بالعلم في التاريخ في هذين العقدين، كمحمد إلهامي أو محمد الجوادي، فقد ورد في مقال له ما يلي "كما أنني أدرك أن كثيرًا من المواقف التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء قصته كانت مع الكفار الذين يصدون عن سبيل الله، بينما تحدث مثل هذه المواقف في زماننا الآن مع مفسدين ومجرمين من المسلمين وليسوا كفارًا، فنحن نختار رد فعل معين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مقاومته للظلم، أو في حربه للفساد، أو في دفاعه عن الشريعة، ولكن دون أن نسقط أحكام الكفر والإيمان على الطرف الآخر الذي يصد الآن عن سبيل الله، فهذا ميدان آخر له فقهاؤه وعلماؤه، ويحتاج إلى معايير أخرى لسنا بصدد الحديث عنها الآن"[1]

سبحان الله العظيم، لا أدري أيّ دين يتحدث هذا الرجل السرجانيّ عنه؟ أي فقه ينطلق منه؟ أيّ تصور يعيش به؟

أدينك يا سرجاني، أيا كان هذا الدين، يقول لك أنّ البرادعيّ العلماني مسلمٌ ليس كافراً؟ أدينك هذا يهيؤ لك أنّ لميس الحريري وتوفيق عكاشة، وبقية رهطهم من زبانية جهنم، الذين يستهزؤون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه ليل نهار، مسلمون مجرمون، ليسوا كفاراً؟

أدينك يا سرجانيّ، يا باحث التاريخ، يهيؤ لك أنّ موالاة الكفار والمشركين من الصليبيين والصهاينة، وقتل المسلمين، ليس بسبب مالٍ أو تجارة، بل لأنهم يقولون ربنا الله، ويطالبون بالشريعة، ووأد الدعوة، يكون معه إسلامٌ؟

تتبرأ من أن تصف من يقاوم دين الله ويحارب شرعه بالكفر فتقول "لا أعني وصم المفسدين الذين يقاومون أهل الدين، ويحاربون الفضيلة والشريعة، لا أعني وصمهم بالكفر"! أيّ دين هذا يا سرجانيّ الذي تحيا عليه؟ والله إن بينك وبين الكفر والشرك شعرة لعلك تتمسك بها قبل أن ينقطع بك الطريق.

إن لم يكن من يقاوم هذا الدين، ويحارب الشريعة كافراً، فمن الكافر إذن؟ سبحان ربي! ثم تدعى العلم! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لم تستح فاصنع ما شئت". ووالله لقد انعدم علمك وحياؤك جميعا بما تقيأت على موقعك.

تعال أعَلمك، يا سرجانيّ، كلماتٍ من التوحيد الذي غفلت عنه، وتاهت عنك حقائقه، فأنت باحث في التاريخ، ما لك في الفتوى والفقه نصيب.

يقول الله تعالى "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ" المائدة 44

"أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُونَ" المائدة 50

"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا" النساء 65

ويقول تعالى "وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" آل عمران 21.

"ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوٓا۟ أَوْلِيَآءَ ٱلشَّيْطَـٰنِ" النساء 76

أترى البرادعيّ والخسيسيّ ورهطهم يقاتلون في سبيل الله أم الطاغوت في دينك الي تدين به يا سرجانيّ؟

"وَدُّوا۟ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَآءًۭ ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ" النساء 89

أترى دينك الذي أنت عليه يعميك عن حقيقة أنّ هؤلاء الكفرة يريدون أن يجعلوا المسلمين من الشعب يتحولون عن دينهم، ويتركوا صلاتهم وخشوعهم ليكونوا أمثال عكاشة والهام شاهين؟

لقد سقط هؤلاء في الكفر من كافة أبوابه، تحاكماً وولاءً ونسكاً، حيث هم من تاركي الصلاة وغيرها من النسك.

إذن ما هو الكفر لديك يا سرجانيّ؟ تتعلق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" ومثله من الأحاديث الصحيحة التي حملها أمثالك من مرجئة عصرنا على غير مَحْمَلها، فردّوا بها ثوابت التوحيد التي تواترت وتقرّرت وتمهدت أصولها وتشعبت فروعها، فراح أمثالك من عتاة المرجئة يتعلقون بها، منذ أن كتب إمامك مأمون الهضيبي كتابه "دعاة لا قضاة" في الستينيات، فأعمى به أبصارا وشتت به أفكارا، وقد أنعم الله علينا بالرد عليه في كتابنا "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان" الذي نشرناه عام 1979 في القاهرة. فارجع اليه إن شئت لعلك تعرف عن دينك وتوحيدك ما جهلت، وتعى منه ما غفلت.

وفي عجالة، فإن هذه الأحاديث قد تمسّك بها المرجئة، كما ذكر الشّاطبي في الموافقات، وإنما هي واردة في إثبات الإسلام ابتداءً، إلا إن جاء ما ينقضها ويردها على صاحبها من أعمال الكفر الأكبر، دون جهل أو تأويل. ثم إن هذه الأحاديث ذاتها قد وردت بروايات متعددة منها على سبيل المثال "من عبد الله وكفر بما دونه دخل الجنة" وهي رواية مسلم كالرواية الأولي، ولهذا وجب الجمع بين الروايات، دون اختيار أحدها بلفظه، لترويج مقولة أنّ مجرد التلفظ بالشهادتين هو المعول عليه، ليس عبادة الله أو ترك الكفر. وقد بيّنا كلّ ما يحيط بهذا الأمر في كتابنا المذكور.

لقد والله جرَرت أنت وأمثالك على هذه الأمة ويلات تعاني منها في واقعها اليوم، بما نشرتم من خزعبلاتكم الفقهية، وإرجائكم المُفرط. وما نحن فيه اليوم إلا نتيجة تحريفكم للتوحيد ومعانيه ومبانيه، تقوى زائفة وورع مصطنع. وما علينا إن كفر كافرٌ إن شهدت آيات الله عليه بذلك، وأيّ تقوى في أسلمته رغماً عنه؟. لقد والله تربيتَ أنت ومن معك على مثل هذه التحريفات العقدية، فتساهلتم في دين الله وأسميتموه تسامحاً، وخَلطْتم كفراً بإسلام ودَعَوْتُموه تَورّعاً، وما هذا ولا ذاك إلا جهلاً بحقيقة هذا الدين، والتمسك بحرفيات مخلطة، هي إلى باب تحريف الكلم عن مواضعه أقرب منها إلى أي شئ آخر، فوالله إن العاميّ على فطرته السليمة لأفقه منك في هذا يا سرجانيّ، يا باحث التاريخ.

تبْ إلى ربك يا سرجانيّ، وعد اليه، وافْقه عن رسوله صلى الله عليه وسلم وكتابه، أو فاصمت فإن في الصمت سعة، وإلا فأنت حاملٌ وِزرّ مَنْ تُضَلّل، وكثيرٌ هُمُ.

[1] http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D8%AD%D8%AF