إزالة الصورة من الطباعة

ماذا يمنعكم من العصيان المدنيّ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

مع هذه الأعداد الهائلة من البشر، لا أدرى ما يمنع من إعلانها العصيان المدنيّ؟

قلنا مراراً وتكراراً، لن يؤدي هذا الجمع غرضه إلا إن أصاب كيان الدولة في مقتل، وأوقف حركتها وشلّ أطرافها. غير ذلك لن يكون له أثر على الأرض إلا صرخات تتعالى ثم تتلاشى، وأمواج بشرية تتلاطم ثم تنحسر.

الأمر الأهون اليوم، خلاف الخيار المسلح، هو العِصيان المَدنيّ. ما الذي يمنع قادة هذه التجمعات أن تعلن هذا العِصيان، وأن يوجّه الجماهير إلى البقاء في المنازل أو الإحتشاد مع إغلاق كافة الأعمال التي يديرونها؟

هذا الأمر اليوم أصبح الخيار الوحيد الباقي، الذي يمكن أن يؤثر في الواقع على الأرض، والذي لن يتحرك بهذه الوتيرة الحالية قيد أنملة، ولو احتشد عشرات الملايين أسابيعاً وشهوراً.

الأهم اليوم أن يعمل القائمون على هذه الجموع وتوجيهها، أنْ يَسيروا في هذا الإتجاه دون تباطئ ولا تأخير. وهو خيار لا يستدعى عنفاً ولا يضع على الأكتاف عبئاً. هو مقاومة سلبية جماعية طالما أثبتت جدواها في وجه القوة الغاشمة الغادرة العسكرية الخائنة.

القوة الغاشمة لا ولن تتراجع عن مسارها، إلا بقوة مقابلة مغالبة توقف الغشم والإعتداء. وهذه القوة المطلوبة لن تأتي ثمرة بكلمات حماسية تدعو للعودة للقانون، أو المطالبة بالشرع أو الشرعية، أو بالخطب والإحتفاليات. الثمرة لا تأتي إلا بطريقين، أولهما، طريق العمل الإيجابيّ، بالحشد، والإعتصام، ثم التصعيد بسدّ طرق المنشآت لشلّ مفاصل الدولة، ثم التصعيد بالعمل المسلح وردّ الإعتداء. والطريق الثاني هو طريق العمل السلبيّ، أي الإمتناع. الإمتناع عن طاعة أوامر الجهة الطاغية. الإمتناع عن أداء العمل. الإمتناع عن تحريك دولاب الدولة العسكرية. في كلّ مجال من المجالات.

وقد شَهِدت السُنّة المُطهرة لهذا السبيل، كما جاء في حديث عبد الله بن حذافة "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". فعدم الطاعة وسيلة مشروعة من وسائل المقاومة السلبية، التي يجب أن تنتهجها المقاومة، خاصة إن تقلّصَت أمامها الخيارات الإيجابية، لبطش الملاحدة من العسكر، وعجزت الحشود عن شلّ مفاصل الدولة العاصية الظالمة الكافرة، بطريق إيجابيّ، كما هو الحال اليوم، لمن يرى بواطن الأحداث لا ظواهرها.

إن النظام الغاصب الملحد الحاليّ لن يعطى أذناً لأيّ مطلبٍ وسيلته الكلمة أو الصورة أو الصرخة أو التجمع. من يعتقد هذا جاهلٌ بطبيعة العسكر وحكمهم، بل بطبائع البشر وفطرهم حين تنحرف وتنتكس.

أعلِنوا العصيان المدنيّ بكافة درجاته وأبعاده. أعلنوا ذلك من على منصات الميادين. لا تترددوا فإن الوقت ليس في صالحكم، وإن ظننتم غير ذلك.

حشودكم كثرتها من النساء والأطفال والشيوخ، ممن لن يصمد أعواماً ولا شهوراً في الشوارع، بهذه الكثافة والحِدّة. فلابد من أن تسلكوا سبيلاً جديداً يضرب في عمق مصالح الدولة القائمة الظالمة، فلا تتمكن من أداء أيّ وظيفة، ويستحيل معها أن تقوم لها قائمة حقيقية.

وقد يكون في هذا الخيار تضحيات حقيقية. فالتاجر يغلق محله، والبائع يوارى سلعته، والموظف يترك مكتبه، والسائق يترك حافلته وقطاره، بل والطيار يترك طائرته. سيكون لهذا أثرٌ على حياتكم الإقتصادية. لكن، ما قيمة هذا الأثر بجانب ما ستجنون من عيشٍ سويّ رخيّ حين تنتصر الشريعة على الكفر، ويحكم الشرفاء الأطهار، وتنعدم أو تتقلص السرقات والنهب، وتتوارى الرشوة وتقل المحسوبية، وتعود أموال الدولة اليكم لا إلى جيوب لصوص الملاحدة من زنادقة العلمانية وكفار العسكر.

إن الحرب اليوم، إن لم تدركوا ذلك بعد، هي حربٌ إقتصادية لا سياسية، حيث السياسة تابعة للإقتصاد على الدوام، تقصد جهدكم وعرقكم وعملكم. هؤلاء الملاحدة، مدنيون أو عسكريون، يحاربون للسيطرة على ناتج شعب مصر، وعلى عائده الهائل. يريدون أن يستمروا في استغلال قوتكم العاملة لجمع البلايين، ثم إلقاء أقلّ الفتات لكم، وترك حياتكم تتدهور صحياً واجتماعياً وتربوياً.

إن النظم الغربية تفعل نفس هذا الفعل في شعوبها، لكن مع فارق كبير، هي أنها تلعب هذا الدور بخفاء وخفة. فتستثمر في قطعان الشعب بعض ما تستحوذ عليه طبقتها المتميزة ونخبتها الإقتصادية من رؤوس الشركات الضخمة، لا حباً فيها ولا حرصاً عليها، بل لتقوّى من قدرة هذه الجموع الإنتاجية، ولتمنع الثورات والإحتجاجات التي تعطل سير الإنتاج. أما في بلادنا، فالنخبة أغبى من الغباء ذاته. فهي تستحوذ على كافة عائد جهدكم، ثم لا تستثمر فيكم مليماً واحداً، ولا تدرك أن ذلك يهدّد مواردها، كما يحدث الآن. فإن هدد مواردها، فهي تسوقكم بقوة السلاح وبعسكر السيسي اللعين.

أنتم إذن خاسرون خاسرون، فما عليكم أن تخسروا القليل اليوم، من أجل الكثير غداً، بل إنه، في واقع الأمر، ليس لديكم ما تخسرونه ابتداءً، فحياتكم هذه ليست حياة لائقة ببشر، ونحن نقول هذا من واقع ما نراه في الغرب، مقارنة بما أنتم فيه. فعلى ماذا تبكون؟ على صحة هالكة، أو تعليم فاشلٍ، أو مساكن معدومة، أو طعامٍ مسمم أو هواء ملوثٍ، أو قمع وضربٍ وإهانة؟

لم يعد أمامكم، فيما أرى إلا خيار واحدٌ، هو العصيان المدنيّ، فاسلوا سبيله، فلم يعد أمامكم فسحة من الوقت.