إزالة الصورة من الطباعة

'وَإِن كُلُّ ذَ‌ٰلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا'

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

يتحدث كفار مصر وسفهاؤها عن الشريعة والحكم من منطلقٍ يغرى الفقراء البسطاء، أن لابد من تحسين الوضع الإقتصادي، وأنّ الحديث عن الشريعة والدين أمرُ رفاهة وحديث تفاهة لا قيمة له بجانب ما يعانيه الفرد المصريّ من متاعب في تحصيل لقمة العيش، وتأمين الحياة الكريمة. هكذا يتحدثون. ويجاريهم من لا عقل له من منتسبي الإسلام من إخوان وأشباههم، إذ يجعلون الصراع حول الحكم هو صراعٌ متعلق بالقدرة على تأمين الخبز واللحم.

ولسنا ندعى عدم أهمية تأمين الضرورات للناس، كالخبز والماء والطعام، فهذا أمرٌ في مقام الضرورات الشرعية، أن يحصل المرء على حد كفايته، الذي يدرأ عنه شبح الموت أو الهلاك. لكن ما زاد على ذلك فإن له في الإسلام منطقٌ آخر وتعلّقٌ آخر.

إن مرتبة حفظ النفس في الدنيا تتعلق بخدمة الآخرة، أصالة، وتتعلق بخدمة الدنيا تفريعاً.فحين يتم تأمين الحاجة الضرورية للبقاء، يبقي النظر فيما زاد على ذلك متعلقاً بالغرض منها، لا بذاتها. بل ويبقي الحصول على ما زاد عن الضروريّ من احتياجات وتحسينات في الحياة، خاضعٌ لتطبيق الشرع، إذ هو وحده الكفيل بالحصول على المزيد في الدنيا، وفقاً لسنن الله الكونية وأوامره الشرعية، لا سبيل إلى ذلك بغير طريق الله.

فالحصول على المزيد، من حاجات وتحسينات، ليس الغرض منه الرفاهة ولين العيش، فليس على الرفاهة ولين العيش تُبنى الأمم. وهو نموذجٌ معروف في كلّ التجمعات البشرية، وانظر إلى الغزاة الأوائل للقارة الأمريكية، كم كانت حياتهم صعبةٌ وكم جالجوا من أهوالن لا يعرفها أبناء جيلهم الحاضرن ولا يقدر عليها. وفي الإسلام، فإن النظرة إلى المزيد تختلف عن ذلك إختلافاً جذرياً. فإن المزيد ليس مقصوداً لذاته، بل هو مقصودٌ لصالح الأمة الإسلامية، ودعوتها، ثم يَصبّ آخِراً في صالح الفرد، في ميزان حسناته وتقييم أعماله.

إن الغنى في حد ذاته، ليس من مقصود الإسلام، إذ الدنيا كلها ليست إلا طرفة عين ثم انتباهتها. وإنما العيشَ عيشُ الآخرة. ومن هوان الدنيا على اللهن وصغر شأنها أنه لولا أنّ الناس فيها بين مؤمن وكافر، لعطى الكافر فيها كلّ ما يريد، بل أكثر مما يريد. قال تعالى "وَلَوْلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةًۭ وَ‌ٰحِدَةًۭ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًۭا مِّن فِضَّةٍۢ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَ‌ٰبًۭا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ ﴿٣٤﴾ وَزُخْرُفًۭا ۚ وَإِن كُلُّ ذَ‌ٰلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٣٥﴾. الزخرف. تصور أخي المسلم! بيوتاً سقوفها من فضة، أبواباً وسرراً عظيمة، يتكئون عليها، لا يعملون من كثرة الغنى، وزخارف وتماثيل وتحف كثيرة. فهل تستبدل هذا بالإسلام؟ هل ترضى الكفر لنفسك مقابل هذه النعم في الدنيا؟ يقول الله تعالى أن هذه هي صفقة خاسرة. ذلك أنّ "كُلُّ ذَ‌ٰلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا"، متاعٌ هينٌ تافه زائلٌ، ولكن "وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ". ذلك هو الجزاء الأوفي.

نعم. من هوان الدنيا على الله أن عرضها على الكفار على أفضل ما يكون، طرقٌ معبدة، وشوارع نظيفة، وبيوت مشيدة، وأثاث فخيم، وسيارات وملابس وأموال .. كلها يعطيها للكافر .. لماذا؟ ألأن الكافر صاحب فضل فيجازى عليه؟ لا والله، بل لأنها فرصته الأخيرة في أن يوفيه الله أجر سعيه في الدنيا، للدنيا، بالدنيا. فالله سبحانه هو الأعدل. ثم يوفيه أجره في الاخرة ناراً وقودها الناس والحجارة أعدت لأمثاله من الكافرين. ساعتها لن يكون هناك أثرٌ ولا ذكر للنعيم الدنيوي الذي تمته به قليلاً " قلْ تَمَتَّعُوا۟ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ"ابراهيم 30.   

وهذا لا يعنى أن يهمل المسلمون الدنيا، فلا يعملوا على تطويرها وتحسينها، وامتلاكها، فنحن لسنا من أدعياء الصوفية المخابيل الذين يتهافتون على الدنيا، مدّعين أنهم لا يريدونها. لكن نحن نقول أنّ هذا السعي في الدنيا يجب أن يتوفر فيها شرطان أحدهما يتعلق بالنية والثاني بالوسيلة. فأولهما أن يكون في سبيل الله، لصالح دعوة الله، وثانيهما أن لا يتعارض في وسائله مع شرع الله وحكمه. هنالك يكون السعي مجزياً، في الجنيا الآخرة.

أمّا ما يشيعه علمانيو مصر وكفارها، ويجاريهم فيه متأسلموها كالإخوان وغيرهم، من أنّ الهدف من السلطة هو أن يحصل كل مواطنٍ على سيارة وأن يكون له بيت وحديقة وخادم. وقد علّمنا الله سبحانه ماذا لَحِقَ بصاحب الحديقة والنسل والزرع الواسع العريض حين نسي ربه، وأعرض عن شرعه وسننه واختال بما في يديه، لاهياً عن ربه "فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَـٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّىٓ أَحَدًۭا" الكهف 42. يقول ياليتني لم اتخذ الغنى هدفاً وقصدأ، يا ليتني لم أنس الله ولم أحكم بغير ما شرع، ولم أتبّع سبيل البرادعي والصباحي والبدوي وسائر كفار الدنيا، فأكون من أصحاب الزخرف.

إن الحملة التي يقوم بها الإعلام المجرم الكافر، ويستسلم لها من يدّعون أنهم دعاة لله، مروجين لفكرة "تحسين مستوى المعيشة" وأنها هي الهدف الأصيل والأوحد لمن يحكم مصر، هي حملة لحشد أتباعها في النار، بل ولخسارتهم في الدنيا، وبقائهم تحت الإستعباد الصهيوني والصليبي. فإن فلاح المسلمين في الدنيا مرتبطٌ ارتباط اللحم والعظم بتصوره ونيته ووسيلته إلى الدنيا، وليس مجرداً عن ذلك كما جعلها الله مجردة مبذولة للكافر، زينتها وزخرفها جميعاً.