الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
نشر موقع مذكرة الإسلام نتيجة إحصائية عن مدى الرغبة في تطبيق الشريعة في بلاد المسلمين. وشملت تلك الدراسة
"وبالنظر إلى النتائج في الدول العربية السبع، تظهر الدراسة أن العراق سجل أعلى نسبة لتأييد الشريعة بين البلدان العربية؛ حيث كشفت الدراسة أن نسبة المسلمين في العراق الذين يؤيدون أن تصبح الشريعة القانون الرسمي في البلاد تبلغ 91 في المئة.
احتلت فلسطين المرتبة الثانية بنسبة 89 في المئة، تلاها المغرب بنسبة 83 في المئة، ثم مصر بنسبة 74 في المئة، والأردن بنسبة 71 في المئة ثم تونس بنسبة 56 في المئة. أما في لبنان، فإن نسبة المسلمين الذين يؤيدون أن تصبح الشريعة القانون الرسمي في البلاد لم تتجاوز 29 في المئة.
وتقول نيها سيهغال، وهي باحثة في منتدى "الدين والحياة العامة" في مركز بيو والتي شاركت في الدراسة: "91 في المئة من المسلمين في العراق يؤيدون أن تطبق الشريعة كقانون في البلاد ... وضمن العراقيين الذين يؤيدون الشريعة قال 76 في المئة منهم إنه ينبغي على المحاكم الشرعية تسوية الشؤون العائلية، وقال 56 في المئة إنهم يؤيدون تطبيق الحدود، وقال 58 في المئة إنهم يؤيدون رجم الزاني المحصن حتى الموت، وقال 42 في المئة إنهم يؤيدون عقوبة القتل للمسلم المرتد عن دينه"، بحسب راديو سوا.
وأشارت سيهغال إلى أن 59 في المئة من العراقيين الذين يؤيدون تطبيق الشريعة يقولون إنها ينبغي أن تطبق فقط على المسلمين في البلاد وليس المواطنين كلهم، مؤكدة أن هذا هو النمط الذي كشفت عنه الدراسة في الكثير من البلدان الأخرى"[1]
ودلالات هذه الإحصائية في غاية الخطورة بالنسبة للدعوة والدعاة في الرقعة الإسلامية.
الدلالة الأولي تكمن في ترتيب تلك الدول. فالمُلاحَظ أنّ الدول المحتلة، العراق وفلسطين، جاءت فيها النسبة أعلى من الدول الأخرى[2]. وهذا يدل على أنّ الإحتلال يعيد كثيراً من الناس إلى شرع الله.
والدلالة الثانية، وهي الأخطر، هو في النسبة التي لا تريد تطبيق الشريعة. وتصل في مصر إلى 26%، والأردن 29%، تونس إلى 44%، والمغرب 17%. أما لبنان، فهؤلاء خرجوا عن دين الله كافة، فلا داعٍ لأن نعتبرهم في تحليلاتنا ابتداءً. كذلك النسب التي تراوحت في موضوع تطبيق الحدود، والتي وصلت رافضوها إلى 42% في بعض البلدان.
التساؤل هنا، هل نتعامل في هذا الواقع، حسب هذه الإحصائيات، مع نسبة تكفر بالله وترتد عن دينها، تصل في مصر إلى 26%، وتونس إلى 44%، وبقية الدول كما عرضنا؟ هل هذا الكمّ الهائل من الناس، هم أعداء دين الله في رقعة المسلمين، يعيشون بيننا، ويتسمون بأسمائنا، وينطقون بشهادتنا، ثم يرفضون ديننا، ويقفون ضد شرعنا؟
والناظر هنا قد يقول، ولكنّ النسبة التي تريد تطبيق الشريعة، نسبة أغلبية، وهذا حسنٌ في حدّ ذاته. وهو قول يمكن أن يبتلعه الناظر على مضض. فانه يمكن أن نعمل على هذا العدد، ونعيد ترتيب صفوفه، وتحديد إمكاناته. لكنّ اسوال هنا كذلك أنه كيف لا تظهر آثارها على أرض الواقع؟ وكيف تسيطر العلمانية في الحكم ونظامه، وعلى مؤسسات الدول هذه كلها، فتمنه الخير الذي تريده الأغلبية؟
الإجابة واضحة. وهي عدم وجود رؤوس مخلصة لدين الله على أرض الواقع. فمشايخ السوء من السلفيين، وقيادات العلمانية/الإسلامية الإخوانية، هم من يُحرّك هذا الكمّ، في مصر وغيرها، سواء تحت مسمى الإخوان أو النهضة أو ما شئت من تلك التجمعات التي لا فائدة منها لدين الله.
وهذا الأمر الأخير هو ما يدور حوله هذه المقال. الرؤوس القائدة العالمة التي تستطيع أن توجّه طاقات تلكم النسب النظرية، من أرقام على الورق، إلى طاقات عمل على الأرض. المشكلة أنّ الجزء الكافر من هذه الشعوب، حسب النسب الواردة، يستخدم كل الطرق للوصول إلى ما يسعى اليه، وهو "عدم تطبيق الشريعة". سواءً، بالديموقراطية الشّركية أولاً، حتى ثبت فشلها، في مصر على الأقل. ثم بالعنف والبلطجة واستخدام الفساد القضائي والإداريّ المُستشْرى في مصر. أمّا هؤلاء الساقطين من الرؤوس السلفية والقيادات الإخوانية فهم عقبة كؤود في طريق تَسْخير ذلك الكمّ من المسلمين لإقامة الشرع بالطُرق الشّرعِية التي يَدلّ عليها منهج أهل السنة والجماعة، وهي الخروج في وجه الكفر وجهاد المُشركين ممن يرفُض شرع الله، تحت أيّ مسمى كان.
ولزيادة الأيضاح في هذا الأمر، فإنّ الدعوة بين الناس تحتاج إلى أن تتحرك بعلم ووضوح رؤية. ولا يتحقق هذا إلا إن عرف الداعية التشكيل النفسيّ والعقديّ الذي يتحرك فيه، وهو ما لا يكون إلا بمثل تلك الإحصاءات، التي لا تستعين بها الحركات الإسلامية لجهل قياداتها وسذاجة مشايخها.
والحركة تقتضي أن يُفرز الناس على أساس الإرادة والقدرة. إرادة الإسلام في حياتهم، ثم القدرة على التغيير، سواءً الفرديّ بطلب العلم، أو الجماعيّ بالإنخراط في عملٍ حركيّ بحت. وقد يكون من لديه إرادة تطبيق الإسلام، كما فيمن قال بذلك في الإحصائية المذكورة، لكن ليس لديه القدرة على الحركة، فرداً أو جماعة. والعكس صحيح، هناك من لديه القدرة على الحركة، لكنه لا يملك إرادة، إما لكفره بالإسلام أصلاُ، كما ظهر ممن لا يريدون تطبيق شرع الإسلام، أو لضعفٍ أوهوى. وبين ذينك الطرفين، يجد الداعية ما لا يحصى من الحالات، تتراوح فيها النسب وتختلط بين قدرة وإرادة.
والمشكلة هنا تكمن في السؤال التالي: من يحكم على تلك القدرة والإرادة ويوجّهها؟ إن العبث الذي نراه في حقل الدعوة اليوم يكمن في هذه النقطة بالذات. إذ إنّ الأفراد الذي توسّموا في أنفسهم إرادة تطبيق الشرع، قد قرروا، لأنفسهم كذلك، مدى قدراتهم، ومن ثم، وضعوا لأنفسهم مناهج قد لا تكون مجدية بالنسبة لقدراتهم الحقيقية، أو انخرطوا في أعمال قد تحُدّ مما يمكن أن يُستخرج من طاقاتهم، أو تنحرف بها إلى غير مسارها الصحيح. الحكم إذن على تلك القدرة، ثم توجيهها لما تصلح له، لا يمكن أن يكون ذاتياً، بل يجب أن يكون بتوجيه مستمرٍ من عالمٍ داعية مخلص، لا أقل. كذلك من لدية قدرة ما، لكن لا يجد من يبعث فيه الإرادة، التي قد تكون قد وَهَنت بسبب غير الكفر، من يأس وغيره، يجب أن يكون تحت إشراف من يبيّن ويوضّح ويصحح، وهو معنى من معاني النبوة، إذ العلماء ورثة الأنبياء.
لهذا نرى الناس، سواء في حقل الدعوة أو في العموم، في اضطراب ولغط وحيرة وتخبط. وما ذلك إلا لنقص تلك الروؤس المُوجّهة العالمة المخلصة، نقصاً شديداً حاداً. وهو ما جعل الكثير من الناس إعتقاد القدرة مع عدم وجودها، أو الرغبة عن الإرادة رغم إمكان وجودها.
إنّ الواجب على القيادات المُسلمة المُخلِصة، والشيوخ المُوجّهة لمسيرة الدعوة في إطار أهل السُنّة، أنْ يدركوا ما ينقص هذه الدعوة من رؤوس على علمٍ صحيح وتوجّه سنيّ، يحتاجها الناس، بعد أن يتم فرز المَادة الخام المتاحة للدعوة، ويُميّو الخبيث من الطيب، ويُعرف كل إمرءٍ ما يُحسِن وما لا يُحسن.
[1] http://islammemo.cc/akhbar/arab/2013/05/10/172007.html
[2] مع التحفظ على "المسلمين" في العراق، رافضة أم سُنة