إزالة الصورة من الطباعة

الإزدواجية في منهج الإخوان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

تناولت، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، منهج الإخوان، فكراً وعقيدة وحركة، بالتحليل والتدقيق، والشرح والنقد، بما لم يدع قدراً من منهاجهم خافياً على من يتتبع تلك السلسلة التي بدأت منذ عام 1979، ولم تكتب آخر فصولها بعد.

والسبب في ذلك ليس كراهة الإخوان، بل هو محبة دين الله الصافي، وعقيدته التي لا تتخللها الشوائب، ومنهاجه السويّ المستقيم. وقد كتبت ناقداً، في تلكم العقود المنصرمة، عن كثير من الفرق المنحرفة عقيدة أو حركة، أو كليهما.

الأمر مع الإخوان، هو أنها جماعة لا تتبنى منهجاً واضحاً، ولا تسير على صراط محددٍ، في أي أمر من أمورها. فأنت حين تنقد الصوفية، تجدك تهاجم الإخوان بطريق اللزوم. وإن انتقدت المعتزلة، تجد من بينهم ما يجعلهم هدفاً في هذه الناحية كذلك. ومن ثمّ، فهم لا يقعون تحت مظلة بدعية واحدة، أو يتناولهم خلل محدد يجرى في بنيانهم من الأساس إلى الرأس. بل هم كالبيان الذي صنعته يد مضطربة، مختلطة، أقرب ما يكون كبنيانٍ انشأته يدُ طفلٍ، يضرب بالطين هنا وهناك، يحاول أن يجعل ما يخرج عن هذا العبث الطفوليّ بنياناً، في عينه، وأعين الأطفال من حوله.

فالإزدواجية، هي سمة رئيسة إذن في بنيان الإخوان. بل هي إزدواجية تعددية، تنزع إلى تبني كل ما معروض، طالما أنه يُعرض في نافذة الإخوان، لا غيرهم. فالديموقراطية صحيحة جميلة، طالما تاتي بالإخوان. وفصل الدين عن الدولة لا مانع منه طالما أنّ الحاكم يطلق لحية، هي أقرب لما ينبت عل وجهه إن نسي حلقها ثلاثة أيامٍ لا أكثر! والتعامل مع أعداء الأمة، ومحاربة أولياء الله، هو أمر مصلحيّ في عرفهم ومنهاجهم، طالما يؤدى إلى تثبيت دعائم علاقاتهم داخلياً وخارجياً. مذهبهم إذن ميكيافليّ، نفعيّ براجماتيّ إلى أبعد ما يمكن أن تحمله هذه المصطلحات من معانٍ.

الخلاف الذي بيننا، وبين هؤلاء الإخوان، هو أننا نؤمن أن في الدين ثوابت لا يمكن التخلي عنها، أو المساومة فيها، أو إرجائها. وهم يرون أنّ الدين له ثابتُ واحدٌ لا غير، التلفظ بالشهادة، وإن فَعَل المُتلفظ بعدها ما تكفُر به أمة بأسرها. هذا من الناحية العقدية. أما من الناحية العملية أو الحركية، فليس لدى هؤلاء أيّ مبدأ، أو ثابتٍ خلقيّ يردعهم عن أيّ فعل أو تبنى أي فكر. وما تعيين بجاتو اللص الخائن، وزيراً، إلا قطرة في محيط نجاسات مذهبهم الخلقيّ. وقد يقول منتموهم، من نعاج الأتباع، هذا من الدهاء السياسيّ! نقول، تُسْمون الأشياء بغير أسمائها، هذا انحطاطٌ خلقيّ وعُهر سياسيّ وتحالف مع الشيطان للوصول إلى أهدافٍ دنيوية، بما لا يليق بمسلمٍ أن يفعله. لكنها "المصلحة" قاتلها الله، قد قتلتهم، وأورَدتهم الوردُ المَورود.

إن الفارق بيننا وبين الإخوان هو فارق نوعيّ، فنحن على منهجٍ في دين الإسلام لا يلتقي مع إسلامهم، ولا يتقاطع معه في أي ثابتٍ من ثوابت الدين. فثابت التوحيد لدينا، ليس كثابت التوحيد لديهم. ثابت توحيدهم هي كلمة باللسان، ينطقها الناطق مرة، ثم هو بعد ذلك في حلٍ من أعمال الكفر كلها. وثابت التوحيد لدينا هو العمل بمقتضى هذا الكلمة قلباً وقالباً، وعدم ردّ أي جزء من مقتضياتها، ولو أقلها، وما الكلمة إلا إعلان عن ذلك، تدرأ عن قائلها الحدّ إلا أن يختبر ويثبت التزامه بما تحمل من مقتضيات.  وثابت الولاء لدينا ليس كثابت الولاء لديهم، فهم يوالون ويعادون على ما يرونه مصلحة وإن ضربت بثوابت الدين كلها عرض الحائط، ونحن نوالى ونعادي، ونوافق أو نخالف، على هذه الثوابت ذاتها، لا غيرها.

المسألة أنّ هدفنا يخالف هدف الإخوان. نحن نسعى إلى إعادة حكم الله في الأرض، وتطبيق شرعه، بلا تلكئ ولا مماحكة، من حيث إننا نرى أن الصالح هو في حكم الله سبحانه، بما يدلّ عليه الدليل الشرعيّ، حسب ترتيب الأدلة. والإخوان، لا يرون في تطبيق الشرع أمر لازم، بل هم يجعلونه، كالعلمانيين، أمر خاضع لما يريده الناس وتدفع اليه الغالبية. وهو فارق أصيل في لبّ العقيدة ذاتها.

لا يزال الإخوان يتسكعون بين شقيّ المُعادلة، شقّ الإسلام السنيّ الذي يرى تطبيق الشريعة هو لبّ التوحيد، وشقّ الكفر العلماني الذي يرى أنّ الشريعة تخلّفٌ ورجعية لا تليق بهذا العصر. لا يزالوا يراوحون بين العدوين، فكانوا بذلك أعداءً للشقين المتناحرين في الرقعة الإسلامية. لم يقبلهم أهل السنة المخلصون، ورفضهم الكفار العلمانيون، وفشلوا بين ذلك في تحقيق أي هدفٍ في كلا الإتجاهين، فخسروا الدنيا وحسابهم عند الله في الآخرة.