إزالة الصورة من الطباعة

محمد بديع .. بين البيطرية والإسلامية!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا أدرى أين درس محمد بديع الشريعة، وما هي مشاركاته العلمية في مجال البحث والتدقيق، لكنها، إن وُجدت فلن تتعدى مقالات تعبر عن رأي في الشرع هنا وهناك، كتلك المقالة التي نحن بصددها اليوم، لا أدرى إن كانت قد كُتبت جهلا أم تمويها وخلطاً، لكن ما أوقن به أنّه ضرب في عماية، وأنه تضليلٌ بحتٌ وإخراج للحقيقة في لباسِ الخداع. الرجل لا باع له في علم شرعيّ حقيقيّ، وإلا فما هو نتاج بحثه في أصول الفقه، أو في مصطلح الحديث أو في الفرق، أو في العقيدة؟ إن المقالات والخطب هي أكثر أشكال البحث العلمي ضحالة، وهي أداة من لا علم عنده، إذ هي بين كلماتٍ تتردد في خطبة، أو كلمات تسطّر في مقالة. لا بحث ولا درس ولا يحزنون! ويعلم الله أني لا أقول هذا من باب إهانة أو تشهير، ولكنه تقريرٌ لحقٍ يجب أن يشهد هو نفسه به على نفسه ، فهو أستاذٌ جامعيّ يعرف معنى البحث والدرس الأكاديميّ، فما باله يتنكّر له في مجال العلوم الإسلامية، ثم يَسنّ للإخوان خطة ومنهجاً يزعم أنه من كتاب الله وسنة رسوله؟ سبحان الله ما أجرأ هؤلاء على كتاب الله وسنة رسوله! ولو أن أحدً نازع محمد بديع في مجال تخصصه، الطب البيطريّ، فقال إن هذه البقرة لا يصح لها إلا هذا الدواء أو أن تلك الدجاجة يجب ان تّحقن بذلك المصل، لصاح فيه بديع، أنْ ليس هذا من تخصّصك، فلا تتحدث فيما ليس لك به علم! هذا عن أدوية القطط وعلاج الدجاج، ونشهد أن للرجل باعٌ وتخصص وأبحاث قيّمة في مجال علاج الفراخ وأمصال القطط والمعيز، لكن، ما بالك بما يصحّ لهذه الأمة من منهج يقوّم اعوجاجها يصَحِح سبيلها في هذه المهالك التي تتناوب عليها من كل حدبٍ وصَوب؟

هذا هو محمد بديع، يتحدث وكأنه فيلسوف عصره، عن الرفق في الأمر، وعن الرحمة واللين[1]، وأنها صِفتان من صِفات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم! ويستشهد على ذلك بآياتٍ وأحاديث لا ينكرها أحد عليه، ولا دلالتها على ما تدل عليه. يستشهد بديع، مرشد الإخوان بآيات الله تعالى "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ *وأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ" (الحجر: 49، 50)، "ولَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ" (فاطر: 45)، "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ"، "واصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً" (المزمل: 10) ، "فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه: 44)، وبما جاء في الحديث "إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين"، وفي هذا هلاك كل المخلوقات في مكة، فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا" متفق عليه. وحين فتح الله تعالى عليه بالنصر المبين ودانت له مكة وخضع له المشركون، ما انتقم لنفسه قط، بل عفا وصفح وقال صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء.. هذا يوم المرحمة" انتهى

هذا حديث محمد بديع! يموّه به على أبناء الإخوان، وبسطاء المسلمين، أن انظروا هذا هو العلم الصحيح والفقه الصريح. هذا هو ميراث النبوة يتحدث به مرشدنا، ما شاء الله، حفظه الله. وصدق شوقي

والجهل موتٌ فإن أوتيت معجزة         فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم

بالله عليك يا بديع، ما صلة أن الله سبحانه هو الغفور الرحيم وأن عذابَه هو العذابُ الأليم، بما يجرى اليوم من تسيبٍ وتساهلٍ وقبولٍ بالديموقراطية؟ ما دخل أنه برحمة من الله، لان رسوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، ولم يكن عليهم فظّا غليظ القلب، بأن يلين المسلمون للكفار؟ الآية تتحدث عن تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه المومنين، فإذا ببديع، ببدعته، يحوّلها إلى كيفية تعامل المسلمين مع الكفار من أمثال البرادعي والصباحيّ وسائر كفار مصر! ثم أين تذهب من قول الله تعالي في وصف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصحبه، وهو نصّ في موضعه "مُّحَمَّدٌۭ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ  " الفتح 29.  هذا هو ما انتهى اليه التوجيه الرباني في سورة الفتح المدنية، التي كانت من أواخر ما نزل من القرآن.

ثم، كيف يا بديع "نهجر" الكافرين من أنصار العلمانية هجراً جميلاً، كما استشهدت، وهم يخربون، ويحرقون، ويسعون للإستيلاء على الحكم، وإقضاء شرع الله عن الأرض؟ ما هذا الهجر الجميل الذي تتحدث عنه؟ إن سورة المزمل سورة مكية، تتحدث عن هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفار في قريشٍ قبل التمكين، فلما تأخذ مناط هذا الآية، يا عالم أمة الإخوان ومرشدها، لتطبقها على وضع كفار مصر اليوم؟ هل هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم  كفار المدينة هجرا جميلاً وتركهن يخربون ويشيعون الفتنة وينكرون حكم الله في المدينة؟ ما هذا التضليل يا بديع؟ ولحساب من؟ وأين ستقف بين يديّ الله وقد نشرت ضلالا وبدعة، وأنت تعلم أنك لست في الشريعة بشئ لتتحدث فيها، فلا تقع تحت مضمون حديث :المجتهد إن أصاب .. وإن أخطأ"، فأنت في حكم الشريعة مخطئ وإن أصبت، فما بالك وقد أخطأت وأضللت.

ثم مرة أخرى يعود بديع إلى الإستدلال بمواضع مكية، كما في حديث "الأخشبين"، ليدلل على منهجٍ يناسب هواه وما جُبل عليه من ضعف وانحراف. فإن هذا الموقف العظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حين أول الدعوة، قبل التمكين، وقبل أن يمون له ولصحبه شوكة، وهو صحيح في موضعه لا شك، ولكن أن يستخدم مُضَلِلٌ هذا الإستدلال، ويضع مفهومه في غير موضعه، لهو افتئات على منهج الله وتأول باطل لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم ما هذا الإستشهاد بحديث "إذهبوا فأنتم الطلقاء"ّ؟ ما هذا التضليل يا رجل؟ ألا تستحي من نفسك وما تكتب؟ هل خرج الطلقاء يناهضون حكم الله بعد أن أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان فيهم من طالب بإقصاء حكم الله كما يطالب البرادعي والصباحيّ وبقية كفار مصر؟ ما هذا المنهج الذي أنت عليه، وما هو الدين الذي تنتمى اليه؟ أهذه صوفية عطاء الله التي أضاعت عريان الإخوان، وأذهلته عن السنة النبوية؟

أن هذا المنهج الذي يدعو له محمد بديع، ويرشد اليه الإخوان، لا يستقيم إلا بفرض واحدٍ، وهو أنه لا يرى كفر البرادعيّ والصباحيّ وأمثالهما ممن يدْعون إلى العلمانية صراحة. وهذا هو ما نراه تأويلاً لهذا الإتجاه الخائب. وقد رأينا من قبل أنّ هؤلاء الإخوان ينتهجون منهجاً فيه من الكفريات ما فيه، كما صرّح محمد مرسى من قبل أنه لا فرق في العقيدة بين المسلمين والمسيحيين. وكما زعم آخر منهم أن النصارى في الجنة!

هؤلاء الإخوان هم شرٌ مكاناً وأسوأ تأثيراً على دين الله اليوم من البرادعي والصباحيّ وسائر كفار مصر. إن العاميّ ممّن صلحت فطرته، يعرف حقيقة عقيدة هؤلاء أحسن وأوضح مما يعرفها هؤلاء الضّالون المضلون من الإخوان، إذ هؤلاء قد اختلطت شبههم وبدعهم العقدية بأهواء الحكم وحب السلطة.

وحين تتخلص مصر من أمثال هؤلاء المنحرفين، قبل أن تتخلص من كفارها، فلن يكتب لها سلامة ولا أمن، لا في الدنيا ولا في الآخرة.


[1]  http://www.egyptwindow.net/news_Details.aspx?News_ID=26710