إزالة الصورة من الطباعة

ورطة الإسلاميين .. بين الإخوان والعلمانيين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقف الإسلاميون اليوم موقفاً صعباً عصيباً، لا يُحسدون عليه، بين فريقٍ بدعيّ مُتسيّس، يُدعى الإخوان، وفريقٍ كافر ملحد، يتلقب بالعلمانيين. وحين أقول "الإسلاميون" فإنما أعنى فرقة خاصة، أشار اليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث صحيحة، منها حديث الغرباء، حيث قال في صفتهم "هم على ما أنت عليه وأصحابي"، وفي حديث الفرق، حيث قال "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين هلى الحق". لا أعنى من انتمي إلى تلك التّجمعات التي تصف نفسها بالإسلامية أو السلفية أو ما شئت من أسماءٍ إن هي إلا دعاوى بلا دليل ولا حجة.

الورطة التي يجد الإسلاميون أنفسهم فيها هي أنّهم وإن لم يختاروا محمد مرسى، ولا حكم الإخوان. بل هم قد سكتوا عمّا يجرى لبشاعة البديل أولاً، ولقلة عددهم، التي هي قدرٌ من الله، ثانياً، إذا هم اليوم يقفون حيارى لا يقدرن على شئ.

فحكم الإخوان يتصرف بعلمانية متدثرة برداءٍ إسلامي شَفاف. فإصدار قوانين تجرّم التصريح بأحكام شرعية معروفة، بل ومجمع عليها، هو علمانية حقيقية واضحة. وهاهم يجرمون ما ذكره الشيخ محمود شعبان من أنّ الحاكم له أن يقتل معارضيه، جلياً للصالح العام من الإستقرار. والفقهاء هنا يبيحون هذا للحاكم المسلم، لا لأمثال حسنى مبارك، فإن هؤلاء كفارٌ يجب قتالهم وقتلهم ابتداءً. والعل قد يتشابه من الخارج، لكن الأوصاف المحيطة به ومناطات تطبيقه هي التي تسبغ عليه التكييف الشرعيّ. فالإيلاج الجنسيّ فعلٌ لا دلالة له ابتداءً، فإن وقع بين زوجين كان حلالاً، وإن وقع بين رجل وامرأة بلا عقد كان زناً. كذلك قتل الخارجين المفسدين، إن وقع من حاكمٍ مسلمٍ يريد تطبيق الشرع، كان مباحاً، بل ومطلوباً إن زاد فسادهم وإفسادهم، يقول المولي عز وجل "إِنَّمَا جَزَ‌ٰٓؤُا۟ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓا۟ أَوْ يُصَلَّبُوٓا۟ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْا۟ مِنَ ٱلْأَرْضِ ۚ ذَ‌ٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" المائدة 33. وإن وقع ممن يحكم بأحكام الجاهلية ويتجبّر على خلق الله، فإنه يكون حراماً، وظلماً وعدواناً.

لكن ما لم يدركه صاحب الفتوى، أنه يتحدّث إلى حكومة علمانيّة التوجّه والتصرف والتطبيق، لا يفرقها عن حكومة شفيق وغيره إلا بعض تصرفاتٍ شخصيةٍ على المجال الفرديّ، لا أثر لها في توجيه الحكم أو تكييفه الشرعيّ. ها هو محمد مرسى يستقبل رأس الأفعى، الرافضيّ اللعين، نجاد الكلب، قاتل السنة في الشام والعراق والأحواز. وهاهي الحكومة تناقش قوانين ترفض الإدلاء بأحكام شرعية صحيحة، ثم يتحدثون عن حرية الرأي والتعبير، ويتركون بلطجية الإعلاميين والعلمانيين يحضون على القتل والفوضى ليل نهار. ديموقراطية!

الأمر أن الإسلاميين يرون الإخوان يجرّون البلاد إلى كارثة محققة، وهي الفوضى التامة، سواء مع بقائهم في الحكم، أو انتصار العلمانيين واستيلائهم علي السلطة، وهو ما تدل عليه أغلب الدلائل. لكنهم كما ذكرنا لا يريدون البديل للإخوان، إذ لن يكون البديل إسلامياً حقاً، لضعف شوكة أهل السنة وقلة حيلتهم وعدم وجود عصبية يقومون بها، في هذا الزمان.

والأمر أنّ دين الإخوان دينٌ يقوم على التسوية بين المسلمين والكفار، كما في الديموقراطية، كما يقوم على الضعف باسم الحكمة، والتلون باسم السياسة، والانحراف باسم الوسطية، وإنكار الشرع باسم المصلحة. وهو لهذا دينٌ لن يقوم بحق الله في مصر أو غيرها. كما لا يفترق كثيراً في نتائجه عن دين العلمانية، إلا في الجانب الشخصيّ. والله سبحانه يقول "أفنجعل المسلمين كالمجرمين"، ويقول "خذ الكتاب بقوة"، فهذه المعاني الملتوية التي يدينون بها هي خطرٌ كبير على مصر، لا يضاهيه إلا خطر البرادعي والصباحي والبدوي وسائر كفار مصر.

لقد تعود عدد من الصالحين والدعاة إلى الله توجيه النُصح إلى هؤلاء الإخوان، بل والتحدث اليهم بالتوقير والتفخيم، محاولة منهم أن يردوهم عما هم فيه، حفظاً لمناصبهم من أن ينتهكها كفار مصر. لكن ما غاب عن هؤلاء الأفاضل أنّ هذا هو دين الإخوان لن يتنازلوا عنه، ثم إنّ هذا الدين لا فرق بينه وبين دين العلمانية في الناحية السياسية، والتعامل مع الدستور والقانون، وأشكال الحكم. هذا واضحٌ بيّنٌ لذي عينين.

إن دعوة الله ستظل حية لأن الله سبحانه أراد لها الحياة. وستظل حية بسنن الله، وهي هؤلاء الإسلاميين من أهل السنة، وإن قلوا عددا، وضعفوا أثراً. فإن القليل من هؤلاء أكثر من كثيرِ غيرهم من أهل البدع إخوان الإرجاء، ومن المتراجعين المنتكسين من السلفيين ومن الجماعة الإسلامية المنكوسة. لقد جُنّ هؤلاء لمّا وجدوا أنفسهم فجأة في موقف صدارة، يتحدثون إلى الملأ من القوم، من أصحاب السلطة، ويظهرون في الفضائيات أكثر مما يذهبون إلى الغائط كل يوم! كانت هذه فتنة لهم، الحقوها بفتنة التراجعات التي أرادوا وقتها أن يوهموا الناس أنها ضرورة وتحت القهر، فإذا هي ما آلت اليه نفوسهم التي لم يكتب الله لها الثبات على الحق، والعياذ بالله من الخذلان. 

إن أهل السنة، وإن قلوا عددا، وضعفوا أثراً، هم وقود هذه الدعوة، وهم حماتها، وهم الذين يقُضّون مضاجع الكفار في كل مكانٍ. ولولا هؤلاء، ولولا أنّ قوى الكفر لا تفرق بين بدعيّ ومتراجعٍ وأهل سنة، ولولا صمود هؤلاء وبقاءهم على الساحة دون تبديل أو انحراف، كما في تونس ومالي والشيشان وافغانستان ومصر، لوضعت العلمانية كفها في كف المنحرفين المقايضين على دين الله. لكنّ هؤلاء أثبتوا لقوى الكفر أنّ الإسلام ليس هؤلاء، وأنهم إن تركوا هؤلاء فقد تركوا البذرة التي ستولاها الله برعايته لتتجه إلى السُّنة وصاحبها، ثم تأخذ الدين بقوة، والويل لهم يومها مما يصفون.