إزالة الصورة من الطباعة

كفاية وتونس وحزب العمل ومجدى حسين

بقلم : أسامة الهتيمي*

 

ربما بعد أيام قلائل يخرج الأستاذ مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل المصري المعارض من محبسه الذي طال لعامين بموجب حكم محكمة عسكرية قُدم لها الرجل لتجرؤه على دخول قطاع غزة دون استئذان وهي الجريمة التي رأى النظام المصري أنها تستحق أن يصبح مجدي حسين خلف القضبان.

غير أن الحقيقة يعرفها النظام ويعرفها كل مصري وهو أن مجدي حسين وبعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف معه سبب صداعا مزمنا لهذا النظام بل إنه سبب له حرجا شديدا العديد من المرات بعدما أصر مجدي بفدائية غير معهودة على كشف بلاوي ما يجري في مصر غير عابئ بالتهديدات التي تلاحقه أينما ذهب.

قلنا ونؤكد مرة أخرى أن مجدي حسين بما فعله سيبقى في نظر كل من عايشوه وفي نظر التاريخ بطلا مغوارا ذلك أنه فعل ما يتمناه كل مصري وعربي ومسلم وفي المقابل سيكون أقل ما يوصف به النظام الذي حبسه بأنه نظام مستبد حكم بالحديد والنار.

غير أن مقالي هذه المرة ليس محاولة لدعم مجدي حسين في محنته فقد كتبنا وكتب غيرنا الكثير في ذلك وفي رأي لم يعد الوقت مناسبا لهذا النوع من الكتابة خاصة وأن ساعات قلائل تفصل بين مجدي خلف القضبان وبين خارجها وبالتالي فإن الفرض الديني والواجب الوطني يحتم علينا أن نغير مسار كتاباتنا حول مجدي حسين الذي وبحسب تطور الأحوال والأحداث على الصعيدين المصري والعربي لن يكون واقعه كواقع مواطن عادي حرم من حريته ثم استردها.

فمجدي حسين ما زال ورغم كل ما حدث في حزب العمل يحتل موقع الأمين العام للحزب وهو الموقع الأكثر فاعلية وقدرة على التأثير بالحزب خاصة وأن له تلاميذ وأنصار ومحبين يصرون على أن يبقى هو المحرك الرئيس لفاعلياته وتوجهاته.

ومجدي حسين ومع الضعف الشديد في أداء حركة كفاية وثبوت أنها غير قادرة على الفعل تم انتخابه منذ أيام منسقا عاما للحركة بعد أن نجح مجموعة من شباب الحركة في أن يقلدوه هذا المنصب وهو خلف القضبان في رسالة رمزية تحمل العديد من الدلالات أرى أن أهمها هو حاجة هؤلاء الشباب إلى من يعبر عن ثورتهم الداخلية دون اعتبارات أو حسابات وهو ما يجسده مجدي حسين بالفعل.

ومجدي حسين ما زال يشكل أحد أهم منظري التيار الإسلامي الفاعل والحركي في الشارع فجل كتاباته هي أدبيات لتأصيل ذلك المعنى في مقابل كتابات لا تعد ولا تحصى من إسلاميين وغير إسلاميين تطرح مفاهيم تدعو إلى الرضا والاستسلام والزهد في الحياة الدنيا ومن ثم الابتعاد عن الحياة السياسية بمشاكلها وتحدياتها.

وكل ذلك وغيره يدعوني إلى أن أوجه مخلصا لله عز وجل رسالة لمجدي حسين الذي يحمل على كاهله شئت أنا وغيري أم أبينا مسئولية كبيرة ستتضح معالمها في الأيام المقبلة.

 

أولا حزب العمل

عزيزي الأستاذ مجدي حسين إنك تعلم قبل غيري ما يحدث في حزب العمل في الوقت الحالي من تطورات وهي التطورات التي جاءت كتجسيد لحالة من احتقان متنامية طوال سنوات مضت بعد أن بعدت الشقة بين مواقفكم وحركتكم وتوجهاتكم وما يرنو إليه أعضاء وأبناء الحزب سواء على المستوى التنظيمي أو على المستوى الفكري.

كنتم وقبل سجنكم تدركون حجم هذا الاحتقان غير أن ذلك لم يكن دافعا لكم لاحتواءه والاستجابة لتطلعات أعضاء الحزب بل على العكس كان ذلك دافعا لكم لإتباع المنهج الاسئتصالي أو الاستبعادي مع الأعضاء الذين لا يحلو لهم سلوككم السياسي وهو ما كان سببا في تصاعد حالة الاحتقان بل كان سببا في ابتعاد بعض المخلصين تخوفا من هذا النهج الذي يدركون جيدا أن نهايته لن تكون في صالحكم ولا صالح الحزب.

أستاذي العزيز لا يستطيع أحد أن ينكر عليكم موقفكم من النظام المصري وأنكم كنتم سباقون في تبني ودعم عملية الحراك السياسي التي تجاوزت مجرد انتقاد الحكومة إلى انتقاد رأس الدولة فانتقلت بالمعارضة المصرية من مرحلة إلى مرحلة أخطر وأهم لكنكم وبكل أسف تناسيتم أنكم على رأس حزب يعاني الكثير من المشكلات والتحديات فخلطتم بين مواقفكم الوطنية ككاتب وصحفي ومعارض وكأنه غير منتمي وبين كونكم أمينا عاما لحزب يحتاج إلى خطط تنظيمية وتوسعية وبرامجية تؤكد وجوده في الشارع وتدفع إلى تنامي عضويته واتساع رقعته وجماهيريته.

وقد كان أهم مثالب ذلك النهج أن ضعفت البنية التنظيمية للحزب كما ضعفت قاعدته الجماهيرية بشكل غير مسبوق بعد أن شهد الحزب خلال سنوات محددة طفرة تنظيمية رغم أنه كان يعاني من تجميد قانوني أيضا.

وانحصر دور الحزب خلال أكثر من خمس سنوات في التواجد عبر أعداد لا تتجاوز أصابع اليد في المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات التي كانت تتم بالمشاركة مع قوى وتيارات سياسية أخرى ما جعل كل عمل يقوم به الحزب محسوبا على هذه القوى التي كان بعضها يفوق عدديا حزب العمل.

وكثيرا ما نبهكم بعض أبناء  الحزب لذلك فما كان ردكم إلا أن الوقت ليس وقت تنظيم أو تنظير فالبلاد مقبلة على مرحلة خطيرة تحتاج إلى الحركة في الوقت الذي كنتم تدركون جيدا أن تنظيم بحجم الإخوان المسلمين كان وحتى في أحلك اللحظات التي يمر بها يوازن بين العمل الحركي وبين العمل التنظيمي فما كانت التظاهرات التي نظمها وخرج فيها عشرات ألآلاف من أعضاءه حاجزا من أن يبقى القائمون على العمل الدعوي والتنظيمي في عملهم في حين كان جميع أبناء الحزب بلا استثناء في خدمة العمل الحركي بل إن المشاركة في هذا العمل أصبح أهم معيار لتقييم العضو والحكم على مدى جديته وانتماءه.

والأسوأ في ذلك أن كثيرا من مواقفكم لم يكن يراعي أن هناك حزبا سياسيا له مؤسساته التي يجب أن تستشار في أي عمل يعبر عن الحزب حتى يمكن لقياداته وأعضاءه أن يدافعوا عن هذه المواقف وأن يتحملوا استحقاقاتها بل إن بعض هذه المواقف وبكل أسف وضع الحزب في موقف حرج ومنها مثلا إعلانكم على موقع الحزب عن تشكيل مجلس انتقالي للحكم ونشركم لرقم هاتفكم حتى يتصل بكم الرئيس عند رغبة التنحي ودعوتكم لشباب الحزب إلى ارتداء الأكفان .. ثم عندما واجهكم بعض قيادات الحزب بمثل هذه التصرفات أعلنتم بعدها بفترة أن الأمر لم يكن إلا نوعا من الكتابة السياسية الساخرة " فانتازيا سياسية" على الرغم من أنكم انتقدتم وبشدة كل من عاتبكم على مثل هذه الكتابات في بداية الأمر.

نعلم أن حماسكم زائد وأن روحكم الوطنية دائمة التوهج والاشتعال وهو أمر محمود لو جرى بشكل منظم دون تخبط وافتعال المشكلات مع رفقائكم الذين باتوا في حالة تقلص يومي فبعد أن تم استبعاد الكثيرين بحجة عدم انتماءهم للتوجه الإسلامي أو بحجة رفضهم لمواقف الحزب قبل قرار التجميد بدأتم في استبعاد من دعموكم وأيدوكم وأعانوكم على استمرار المسيرة وبعد أن كان هناك كتلتان يتصارعان التعبير عن الحزب أصبح هناك ثلاث أو أربع كتل.

أستاذي العزيز دعني أصدقك القول إذ أنني وعلى الرغم من ضيقي الشديد من الحكم بسجنكم إلا أنني تمنيت لو أن تكون فترة السجن هذه فرصة منحها الله عز وجل لكم لتعيدوا ترتيب أوراقكم وأفكاركم وتتأملوا دون مؤثرات واقع حزبكم وبلدكم وبالتالي كيف يمكن أن تتداركوا ما مضى وأن تستأنفوا جهادكم ونضالكم في الحزب برؤية مغايرة تؤصلوا فيها لمعاني الشورى والديمقراطية التي طالما رفعتم شعاراتها.

فما المانع من أن تجلسوا مع كل الأطراف وما المانع من أن تسجيبوا لنداء الجميع بعودة المؤسسات الحزبية وتفعيلها بشكل حقيقي دون رهبة من رأي أو خشية من مؤامرة وما المانع من أن تشكلوا قوافل لزيارة الأعضاء الذين نسيهم الحزب ونسي جهودهم وما المانع من أن تعددوا من أنشطتكم بما يناسب كل فرد وما المانع أن تؤمنوا أنكم لستم وحدكم الذين يكتبون ويقرأون وما المانع أن تسمحوا بتعدد وجوه وممثلي الحزب في الفاعليات والمنتديات واللقاءات الجبهوية وما المانع من أن يسمع بعضكم بعضا دون تشكك في النوايا.

أعلم أن أحدا لا يستطيع أن يجاريكم في التنظير فهذه إحدى أهم مواهبكم كما أنني بالفعل لست في موقع التنظير معكم فما عدت عضوا بالحزب ولم يعد يهمني كثيرا ذلك الصراع المحتدم بين أعضاءه القلائل لكنني أحاول أن أعبر عن أحلام أعضاء حزب العمل ممن بقي وما أكثرها وعن أمنيات من تركه وهجره لا يفكر في عودة لكنه يأمل أن يأتي يوم يرى من خارج الدائرة ما كان يتمنى أن يراه وهو داخلها.