إزالة الصورة من الطباعة

القضاءُ في مصر .. وآلهة الأوليمب!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا زلتُ على الرأي الذي وضعتُه عنواناً لكتابي الثاني عن الثورة "الثورة من الإنتفاضة إلى الخمود"، حيث رأيت أن الثورة، وإن نجحت في تحقيق هدفها الأوحد بإزالة حسنى مبارك من كرسى الرئاسة، إلا إنها فشلت في غير ذلك من الأهداف الثورية التي تتميز بها الثورات بعامة، وهى إزالة منظومات الفساد التابعة لذلك النظام البائد، وتفتيت وتشتيت التجمّعات المَنفعية والشّخصية، وإرساء مبادئ جديدة تخرج بالبلاد من الأوحال التى رَزحت تحتها عقوداً.

والقضاء في مصر، كأيّ مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة، طاله الفَساد إلى النخاع. فقد اشترى النظام المباركيّ ذمم الكثير من القضاة، في كافة مستويات القضاء، سواء منه القضاء العاديّ أو الإداريّ أو الدستوريّ.

ففي القضاء العاديّ، جعلهم النظام السابق أداة طائعة تقوم له بغرضين أساسيين، أولهما الحكم على المعارضين وإسكات المعارضة بكافة أشكالها، خاصة الإسلامية منها، ثانيهما، الحكم لصالح النظام في القضايا التي يكون التنازع فيها على ما استباحه النظام وأذرعه من ممتلكات الشعب.

ثم في القضاء الإداريّ، يتم تلبيس السرقة والنهب بلباسٍ من الشرعية القضائية، ويتم الحكم لصالح الدولة - كنظامٍ - حيث أنّ السلطة التنفيذية الفاسدة صارت تسيطر على السُلطة القضائية بشكل كامل وتوجّهها. ولا ننسى هنا الفضائح الخطيرة التي لازمت القَضاء في الثلاثين عاماً الماضية، من أعمال الرشوة والبلطجة والدعارة وتسهيل السرقات بشتى أنواعها.

ثم على المستوى الدستورى، فإن الفضيحة الكبرى التي شاهدها شعبَ مصر، والعالم أجمع، من تلك المحكمة الدستورية البهلوانية المرتشية التزويرية العميلة، التي ركّبها مبارك، وصنع أفرادها على عينه، قبل إزالته بفضل الله، هي أكبرُ دليلٍ على فساد المنظومة القضائية في مصر. كذبة والدة حازم أبو اسماعيل، ثم الإنتخابات ومحاولة تزويرها، وغيرها كثيرٌ تمّ بإرادة حسنى مبارك من قبل، ثم المجلس العسكريّ قبل زواله من بعد، بقيادة عهرة القضاء فاروق سلطان وحاتم بجاتو وإخوانهم.

أسطورة القضاء التي يريد هؤلاء المرتشون العملاء أن يروجوا لها بين العامة، بأن يصوّروا أنفسهم كآلهة الأوليمب التي تقضى في أقدار الناس دون مراجعة أو حساب، هي مجرد غطاء لعوراتهم ومحاولة لتأمين مناصبهم وإستمرارية نصبهم واحتيالهم. والمصيبة أن محمد مرسى رئيس إخوانيّ ضعيف خانعٌ، لا يستطيع أن يتصدى للضجة الإعلامية التي يقيمها هؤلاء القضاة العملاء، كما يفعل هذا الكلب الزند، الذي لا تدل حتى ملامح وجهه إلا على الزندقة والخِسّة. ويكفى فضيحة المجرم العام عبد المجيد (فبركة)، الذي سخر من كلّ تلك المؤسسة الرئاسية الهشة، وتفلَ على رؤوسها، وجعلهم يلحسون كلامهم، ويلغون قرارهم، ويلعقون جراحهم كالمصاب بداء الكلب.

إن دولة القانون التي يشوّح بها العلمانيون والليبراليون والناصريون والاشتراكيون واليساريون وسائر أصناف كفار مصر، لا يمكن أن تقوم على أيدى هذه العصابة الفاجرة التي تدير الأجهزة القضائية. لقد أثبت هؤلاء أنهم أقوى من الجيش، الذي باع فيه السيسى رؤساءه لمّا عرف أنهم مقدمون على الإطاحة بمرسى بعد أيام قليلة، ليرث الرجل المنصب المتاح، ولم يكن في هذا فضل لمرسى ولا دلالة قوة عنده، إنما هي صفقة رابحة للطرفين.

وقد قال الحسن البصريّ من أهل السنة بكفر القاضى المرتشى، هذا في حقّ القاضى بأحكام الشريعة أساساً، فما بالك بالقضاة المرتشين تحت نظامٍ قضائيّ تستمد أحكامه من مصادر فرنسية صليبية؟!

إن بقاء هؤلاء في مناصب القضاء، يتشدقون بالتعالى على كافة السلطات ويتحدثون بالترّهات على كافة الفضائيات التي ليس لديها إلا مهاجمة محمد مرسى بالحق والباطل، سيودى بالمحاولات الضيلة التي يحاولها من بقى فيه نخوة إسلامية في هذه البلاد، بل من بقيت فيه أثرة من أمانة أو خلق.

القضاء في الدول المتقدمة هو عنوان الأمة، إن صلُح ظهر صلاحها، وإن فسد، كانت الأمة على فساد وانحطاط بحسب فساده. فهو مرآة الأمة، تعرف فيه نفسها، وتكتشف فيه عوراتَها. والأمة المصرية، وياللآسف، هي في الدرك الأسفل في هذا الصدد. وهو ما يدلّ على الهاوية التي تردت فيها بلادنا بعد أن أفسد مبارك ونظامه السلطة التي تمسك بموازين العدل بين الناس بيديها، فإذا هي في أيدى مجموعة من اللصوص المرتشين المطففين، فانخرم ميزان العدل وطاشت معايير القسط، ثم لا زالوا يتحدثون عن هيبة القضاء، وقضاته! ووالله لو كان مرسى هذا قوياً حقاً لأطاح بهؤلاء قبل أن يطيحوا به.

ونحن نعرف أنّ هذه المعركة ليست معركتنا كإسلاميين، إنما هي معركة من رضى بالباطل، ثم لم يرض به الباطل. هي معركة الرئاسة التي سعى لها الإخوان ستين عاماً، ثم حين حصلوا عليها، إذا هم من مسؤلياتهم يتمَلصون، وإذا هم أمام أعداء الدين يتراجعون ويتخاذلون، باسم القانون ودولة القانون.

هذا ليس قانوناً ما تعيشه مصر، بل هو إنعدام القانون وسقوطه، وسيادة الفوضى التي كرّسها مبارك، وعلوٌ لأهل الفساد لا يرتضيه إلا دين الإخوان، في دولة الإخوان، تحت رئاسة الإخوان.