الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألا لعنة الله على الظالمين. ألا لعنة الله على الكاذبين. ألا لعنة الله على المجرمين "يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ ۙ وَنَسُوا۟ حَظًّۭا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِ" المائدة 13، "فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعْدَمَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓ" البقرة 181، "وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌۭ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" البقرة 75.
يدّعى بعض المُنتمين للإسلاميين، ظلماً وعدواناً، أنّ معنى "مبادئ الشّريعة" يعنى ما قرّرَته تلك المَحكمة الدّستورية التزويرية العليا، من أنها "الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة". ثم جاءت المادة 221 من الأحكام العامة، في مسودة الدستور الشركيّ، تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذهب أهل السنة والجماعة".
هذا القول من قائليه هو من أخبث الخبائث، فهم يقصدون ما هو ممن المتواتر من الحديث وما هو في نصوص القرآن التى ليس فهيا تخصيص أو تقييد، كقول الله تعالى "إن الله على كل شئ قدير"، ومواضع الإجماع. هذا ما يقصدون، وقد قال علماء السنّة أن من قال هذا فقد أنكر معظم الشريعة لأنه هذه الشروط تخرج معظم الآيات القرآنية ومعظم أحاجيث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يسمونها من أحاديث الآحاد بحجة أنها ليست قطعية الثبوتّ رغم أن معظم أحكام الشريعة مبنية عليها. فهذا الذي يقولون هو من الزندقة والإلحاد في دين الله. وما يروّجون له إلا ليتبرؤا من الشريعة مثل ما يتبرأ منها العلمانيون والليبراليون منها تماما. فهؤلاء هم المجرمون حقا. وقد كتبنا مقالً بتاريخ 14 يونيو 2012 تحت عنوان "التأسيسية لوضع الدستور .. والطوارئ الفقهية"[1]، ومقالاً آخر في تاريخ 11 يوليو 2012 بعنوان "تمخّضَ الجبل فولد سَقْطاً .. المادة الثانية كُفر بواح!"[2] أشرنا فيهما إلى التوجهات العلمانية لتلك اللجنة، وما في المادة الثانية من عوارٍ شرعيّ، والتي كانت في غاية الظهور ولازالت.
ما جاء به واضعوا الدستور هو، كما يظهرُ لكل منصفٍ، محاولةٌ يائسة لترميم عوار المادة الثانية، وللهروب من النصّ على "الأحكام التفصيلية"، بتلك الإضافة التي تشير إلى مجموعة قواعد وكلياتٍ مستخرجة هي ذاتها من مجموع الأحكام الشرعية وأدلتها التفصيلية. فقل لي بالله عليك، كيف ترجع إلى الكليات الشرعية، وتتجاوز عن الجزئيات التي قامت عليها تلك الكليات ابتداءّ. يقول الشاطبيّ في هذا الصدد في بيان طريق الراسخين في العلم "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامها المرتب على خاصها ، ومطلقها المحمول على مقيدها ، ومجملها المفَسّر بمبيّنها . . إلى ما سوى ذلك من مناحيها، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام ؛ فذلك الذي نظمت به حين استنبطت وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي ، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا حتى يستنطق فلا ينطق؛ لا باليد وحدها، ولا بالرجل وحدها، ولا بالرأس وحده، ولا باللسان وحده ، بل بجملته التي سمي بها إنسانا . كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها، لا من دليل منها أي دليل كان، وإن ظَهر لباديَ الرأي نطق ذلك الدليل؛ فإنما هو توهمي لا حقيقي؛ كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا حقيقة؛ من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان ؛ لأنه محال . فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة " الاعتصام ج1 ص 244.
ويقول في بيان الزائغين "وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما ـ أي دليل كان ـ عفوا وأخذا أوليا، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا، فمتّبعه مُتبع متشابه، ولا يتّبعه إلا من في قلبه زيغ، كما شهد الله به" الاعتصام ج1.
من هذا فإنّ الأخذ بالشريعة لا يكون بإعتبار كُلياتها دون جزئياتها[3]، ولا جزئياتها دون كُلياتها، ومن فرّق بينهما فهو ضالٌ، فإن كان فعله فعل فرديّ غير متعدٍ فهو مبتدعٌ ضالٌ ، وأنْ كان مُقننا ومُشرّعاً فهو كافرٌ ضالٌ.
فهؤلاء البشر المتأسلمون، يشيعون بين العوام من الناس أنّ هذه النصوص هي نصرة للدين وإقامة لشعائره، وهم مزيفون، يعتمدون في تزييفهم على المؤسسات الدينية النفاقية الخربة، مثل دار الإفتاء والأزهر، تحت قيادة منافقيّ العصر، على جمعة وأحمد الطيب، أتباع الصوفية الحلولية الإتحادية، وأنصار وحدة الوجود، في تفسير وتبرير مثل هذه المواد الشركية.
والمصيبة أنّ الكفار العلمانيين والليبراليين والناصريين والإشتراكيين واليساريين والبرادعيين والصبّاحيين، وأذيالهم من الإعلاميين الملاحدة وأتباعهم من الذين يسمون نفسهم بالقوى "المدنية" التي هي القوى "الكفرية"، فهم ليسوا "مدنيون" ونحن "عسكريون"، بل هم "كفارٌ" ونحن "مسلمون" قولٌ واحد، نقول أن هؤلاء الكفار لا يقبلون بالدستور، حتى بشكله هذا، رغم أنهم شرذمة قليلون لا خطر لهم، لكنهم يتقوون على المسلمين ويهدمون الإسلام، عن طريق أموال الفلول أولاً، والقوى الفاسدة العميلة المتحكمة في مَفاصل الدولة ثانياً، والرعب والفزع والجبن والتخاذل والضعف الذى هو صفة الإخوان ومرسيهم ثالثاً.
ونحن حين ننقد محمد مرسى ونرفض الدستور، فإنما نوَجّهه إلى الأفضل والأولى والأحق بالإتباع، إن كان حقيقة ما يشيع بين الناس من إنه إسلاميّ مُحبٌ لله ورسوله. أما هؤلاء الكفرة من العلمانيين والليبراليين والناصريين والإشتراكيين واليساريين والبرادعيين والصبّاحيين وأذيالهم من الإعلاميين الملاحدة، فهم ينقدونه ويرفضون الدستور من باب أنهم لا يطيقون أيّ غشارة لدين الله، من قريبٍ أو بعيد "وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ". الزمر 45.
لا والله لنفضَحنّكم ولنكشِفنّ عواركم، ولنبينن للناس كفر الكافر منكم وبدعة المبتدع وخور الخائر وجبن الجبان، ولن تأخذنا في الله لومة لائم، ذلك "إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًۭا قَمْطَرِيرًۭا" الإنسان 10.
اللهم قنا شَرّ هذا اليوم برحمتك، وأرنا في الظالمين يوماً.
http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-45774 [1]
http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-47352 [2]
[3] الجزئيات هي الأدلة التفصيلية كالأحاديث النبوية الصحيحة وكآيات القرآن المختصة بالأحكام مع مخصصاتها ومقيداتها من الآيات الأخرى والأحاديث. وكليات المقاصد هي الكليات العامة التي حصروها في خمسة مقاصد: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. والقواعد الفقهية نوعان، أحدهما القواعد الكبرى وحصرهم بعضهم في ستة هي الأمور بمقاصدها، المشقة تجلب التيسير، اليقين لا يرفع إلا باليقين، العادة محكمة، الضرر يزال، إعمال الكلام أولى من إهماله. أما القواعد الفقهية العامة فهي كثيرة مثل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا ضاق الأمر اتسع، التصرف في ملك الغير باطل.