إزالة الصورة من الطباعة

هل تصلح جماعة الإخوان لفكرة التعاون والتقارب؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قبل أن نسبق بالقول الفصل، كما نراه، في هذه المسألة، التي يدعو اليها عدد من مُحبى الجماعة المُخلصين، نود أن نشير إلى أنّ الحَكَمْ الرئيس في أي تعاون بين أيّ فصيلين، في أيّ عمل، يجب أن يكون فيه تكافؤ بين الطرفين، ووضوح بينهما في المقاصد والمشارب، وأن تكون نواياهما صادقة تجاه المُشتَرك بينهما، دون مداراة في خُطة أو تلوّن في قرار.

حين نتحدث عن "الإخوان"، فإننا نتحدث عن مستووين مختلفين من البشر، أشدّ ما يكون الإختلاف، هما مستوى القادة من صانعى القرار، ومستوى الأفراد المنتسبين، ممن "شُبّه لهم" أنهم صانعوا قرار. والتفاوت بين المستويين في فهم قواعد اللعبة، وأغراض الجماعة ووسائلها، كالفرق بين الثرى والثريا، أو كالفرق بين السياسيّ البغيض الكذوب الملتوى في أمره، النفعيّ في نظرته، وبين الدعوى المخلص الصادق الراغب في الإصلاح ما استطاع.

الإخوان، في دوائرهم السياسية العليا، جماعة لا تحتمل تعاوناً، ولا تفهمه ولا تستسيغه، بأي شكلٍ من الأشكال. وهذا الأمر، مَبنيّ على تلك الأيديولوجية التي رَسمتها لنفسها، وتطورت معها خلال العقود القليلة السابقة، من شكل العلاقة بينها وبين من هم من خارجها، وحدودها وأغراضها.

العلاقة بين القيادات "الإخوانية"، وبين من هم من خارج الجماعة، هي علاقة نفعيّة صِرفة، غير متكافئة الأطراف، إذ إن تلك القيادات، ترى أنّ من هم خارج الجماعة، عبءٌ عليها، يجب أن يتعامل معه أفرادها بحذر وحيطة، في الإقتراب والتعامل، وأن الواجب الأصيل هو محاولة ضَمهم للجماعة، وإلا فليس لهذا الغير إلّا ولا ذمة، ولا حق ولا نصرة. وبالطبع، ليس هذا ما يعلنوه على منتسبيهم، ولكنه الكود الخاص، غير المكتوب، بطريقة التعامل. ذلك أنه طالما أن النفع يعود، بدرجة ما على "التنظيم"، فلا بأس من التعاون الحَذِر، لكن، ما أن ينتفى النفع للتنظيم، ويصبح، كما في بعض الحالات، النفعُ عائداً على الطرف الآخر وحده، ينسحب الإخوان، إنسحاباً مخزياً، لا يأبهون لشهامة أو وعد أو ديانة، وقد شاهدنا ذلك في العديد من الحالات كالمسلمات العائدات لله، وقضية أبو يحي، وآلاف غيرهما، كأنها لا تعنيهم في شئ، لا شهامة ولا رجولة. بل إنّ هذه السياسة ذاتها، يتبعونها مع أعضائهم، إن وقعوا في مأزق، وكان في محاولة مساعدتهم تأزيم سياسيّ أو حركيّ "للتنظيم". التنظيم إذن، عند قادة هذه الجماعة، وثنٌ يُعبد من دون الله، حقيقة لا كِناية.

لكن، يختلف الأمر بالنسبة لمُنتسبى الإخوان، فقد طوّرت تلك القيادات نِظاماً مُعيناً، يحافظ على تلك الأيديولوجية، دون أن يلقى الريبة في قلوب الأعضاء. وقد اتخذت هذه القيادات سبيلاً في تأصيل هذه الأيديولوجية:

هذه المنظومة إذن، لا مجال فيها لتعاون حقيقيّ مجدٍ مع أيّ فصيل، إسلامي أو غير إسلاميّ.

ودعنا نتصور أننا في التيار السنيّ لإنقاذ مصر، أردنا أن نتعاون مع الإخوان، فكيف يكون هذا التعاون؟ إن البعد العقديّ أولاً سيكون مانعاً من الحديث في العقيدة ابتداءً، إذ من غيرالمقبول لديهم الحديث عن التوحيد وحق التشريع، ومبدأ الديموقراطية، والأحزاب. كما إنهم يقعون في خرق جناب التوحيد جهاراً بفكرة "التدرج في الشريعة"، وغالبهم لا يعلم أن التدرّج إنما يكون في تطبيق الأحكام، على خلاف في كيفية تطبيق هذا التدرج، وبين التدرج في إعلان الطاعة المطلقة لله تعالى، بالنص في الدستور على أن المرجعية هي للكتاب والسنة بلا شريك، لا على أنها المبادئ العامة، ومعها مصادر أخرى، كأنها آلهة ثانوية صغيرة مع الله، ويقولون "نعدكم أننا سنتخلص منها واحداً واحداً إن شاء الله مع الوقت بالتدريج!" هذا كفر صراحٌ بواح، بكى محمد مرسى في العمرة أم لم يبكى. ولا ندرى متى تدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في "لا إله إلا الله"؟ لكنه التغفيل والجهل والهوى، مجتمعة.

ثم إن تجاوزنا هذا البعد إلى الناحية الحركية، وقلنا فلنتعاون في أمورٍ أخر، فسنجد أنّ هذا التعاون يصب على الدوام في صالح جماعة الإخوان. ثم متى ما تغيرت بوصلة التعاون، ولو بحق، توقف، بل أخذ الإخوان جانباً وتركوا "إخوانهم" المتعاونين وحدهم، دون مساعدة، ومثال ذلك، ما يحدث مع الذين يتعاونون اليوم مع الإخوان في القيام بمهام تتعلق بأجندة محمد مرسى وبنوده الخمسة، لكن، إن عنّ لهؤلاء أن يتحدثوا لمحمد مرسى عن حقيقة دوره في إنهاء الإعلان اللادستورى العسكريّ، أو حل المحكمة الدستورية، أو مثل هذه المهام التي تجعله رئيساً حقاً، لا مجرد "ضِل حيطة" ستجد هؤلاء ينؤون عنهم على الفور، دون حتى التفكير فيما يقال، فالأمر كما رأينا بالنسبة الي المنتسبين، ولاء يظنونه للدين ولله، وشورى يظنون أن لهم يداً في قراراتها، والتزام يحسبون أنهم مقيدون به شرعاً. وليس فيه من كلّ هذا شئ يعلم الله.

إن تلك الدعوات الطيّبة الساذجة التي ترتفع مطالبة بالتعاون بين التيارات المُختلفة وبين الإخوان، هي دعوات لا تدرى عن واقع الأمر شيئاً، ولا تعرف أن معنى هذا التعاون، في التحليل النهائي، هو ترسيخ انحرافات الإخوان العقدية والعملية، ومساعدتهم على توسيع الفجوة بين الإسلام الصحيح وبين الشعب، دون أيّ مقابل في سبيل إحياء الأمة عقديا وعملياً على الطريق السُنيّ الصحيح. لهذا نرى أنّ أي تعاون مع هؤلاء غير مُجدٍ في سبيل الغاية الإسلامية السُنّية الصحيحة التي تبغى إعلاء كلمة لا إله إلا الله، التى ستوفر الخبز والأمن والنهضة "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ"الأعراف 96، ونرى أصحابها من المخدوعين المصابين بطيبة القلب حيناً، وبقصر النظر وقلة العلم أحياناً أخرى.

القول الفصل إذن، هو، لا، لا تصلح هذه الجماعة للتعاون، حتى في مجال الحركة البحتة، لغياب الشفافية، وقلة الإلتزام بالكلمة، وخيانة العهد، وحب المداورة، والإنتهازية في التصرفات، وهي كلها صفات، إن لم يدركها منتسبي الجماعة فيها، فلأنهم قد دفنوا رؤوسهم في التراب بالفعل، واستسلموا لتلك الأيديولوجية التي شرحنا مسبقاً.