الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عجيبٌ أمر شهر رمضان. كلّ ما فيه خير جاء للمسلمين، يتيح لهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ففيه نزل القرآن الكريم، وأي فضل أعظم من هذا الفضل على بنى آدم. كلمات الله الأخيرة للبشر، تهديهم إلى ما يصلحهم ويقودهم إلى الجنة يقيهم شرّ العذاب
وعجيبٌ أمرُ رمضان في العام الثاني من هجرة المصطفي صلى الله عليه وسلم. فقد فُرض الصيام قبيله فكان هذا الشهر من تلك السنة هو أول رمضان يصومه المسلمون. والصيام قد جعله الله له سبحانه، وهو يجزى به، فلا سبعة أضعاف ولا سبعمائة ضعف، إنما جزاؤه ما لا يتناسب إلا مع رحمة الله وكرمه وفضله، فسبحان الله أكرم الأكرمين.
وعجيب أمر رمضان، إذ فيه وقعت غزوة بدر. وما أدراك ما غزوة بدر. تلك الغزوة التي أظهر الله فيها الإسلام، بشكل نهائي حاسمٍ على الدين كله، وجعله يعلو ولا يعلى عليه. وهو أول جهاد المسلمين ضد عدوهم الأول قريش. فكان فيه النصر، وكانت فيه العزة والغلبة.
ها هي آيات الأنفال تفصّل كيف أنّ الأمر كان قدراً من الله، ببركة رمضان الأول، وأنّ ما أراده الله كان خيرا للمؤمنين مما أرادوه لأنفسهم، وكيف أنّ عون الله يأتي حين تعزم المجاهدين عزمة لله لا رجعة فيها "إِذْ أَنتُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَـٰدِ ۙ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًۭا كَانَ مَفْعُولًۭا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ ۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿42﴾ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًۭا ۖ وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًۭا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿43﴾ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِىٓ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًۭا وَيُقَلِّلُكُمْ فِىٓ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًۭا كَانَ مَفْعُولًۭا ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ ﴿44﴾ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةًۭ فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًۭا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"الأنفال.
وها هو ربّ العزة يعطى الدرس في آخر الآيات، أن الثبات الثبات، لا خوف ولا تردد ولا ضعف. فوالله الذي لا إله إلا هو، لن تقوم لهذا الدين قومة إلا على أجساد شهداء الجهاد في سبيله، ممن تيقن بالإيمان، وعمل بالقرآن، وطلب الجنان.
شهداء من طراز عمير بن الحمام الأنصارى، الذي كان وقت أكل تمرات بالنسبة له حياة طويلة، تفصله عن الشهادة والجنة. روى مسلم، حدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر وهارون بن عبد الله ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وألفاظهم متقاربة قالوا حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس بن مالك قال "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه قال فحدثه الحديث قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة فقال: لا إلا من كان ظهره حاضرا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدّمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال فإنك من أهلها. فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن - ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل".
هؤلاء هم جنود محمد صلى الله عليه وسلم. هذا هو إسلام محمد صلى الله عليه وسلم. هذا هو دين الله الذي بعث به نبيه. دين العزة، دين الكرامة، دين القوة، دوة الإباء والرجولة، لا دين السياسة والتفازض والتنازل والتثبيط. دين الجهاد في سبيل الله.
ووالله لن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. بالقوة والعزة والكرامة والإباء، لا بالأحزاب والبرلمانات والديموقراطيات والكفريات.
إن لله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فعلمونا دروساً في الإيمان، لا على تُختٍ ومقاعد وكيبوردات، بل في الصحارى وتحت ظلمات الليل، منهم هذان الشهيدان أبو صلاح المصري وأبو حذيفة السعوديّ، اللذين استشهدا دفاعا عن الأمة، وحرصا على كرامتها ورفعة لدينها، وجهاداً ضد أحفاد القردة والخنازير، منذ أيام قليلة في رمضان، في سيناء. هؤلاء قد البسوا القاعدين طُرحاً، والقموهم حَجراً، وحَمّلوهم وِزراً، لا نستثنى من ذلك أنفسنا. فهنيئاً لهما ما وجداه عند ربهم محضراً.
هذا شهر رمضان، شهر الصيام والجهاد، شهر القرآن، شهر الشهادة، شهر الفضل، فطوبى لمن شَهِده، واستُشهِد فيه.