إزالة الصورة من الطباعة

المجلس العَسكريّ .. وشَرعية الغاصِب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أعلم أن الكلّ اليوم يحذر فيما يقول، ولا يقول ما يحذر. الكلّ اليوم في ذُعرٍ من خياله، يقبع منتظراً ما يمكن أن يحلّ به، ينظر حوله نظر المغشي عليه من الموت. لكن للحق قوة، وله حضور، لابد أن يقوم به أحد، وأظنهم كُثرا بين أهل السّنة في بلادنا.

ما حدث في مصر منذ بداية خطة القضاء على الثورة، كان معتمداً على باطل من أكبر الباطل، وهو تلك الشّرعية المغتصبة التي أسبغها المجلس العسكريّ على نفسه، دون سند من دين أو شعب أو قانون.

المجلس العسكريّ، قد نصّبه مبارك، المخلوع، الذي انتهت كل قراراته بعد أن أزاحه الشعب. إذ كيف يزاح الطاغية، وتظل الهيئة التي عيّنها تتمتع بشرعية تحكم بها البلاد كلها؟ تحت أي منطق أو أي قانون يحدث هذا؟

المجلس العسكريّ، بموجب هذا، لا يعمل بصفته قيادة لجيش مصر، بل بصفته زعيماً لتنظيم مسلحٍ ضخمٍ، على نطاقٍ واسعٍ، يقوم بنشر الإرهاب، ويعمل بقانون الغاب، لم يأخذ صفةً شرعيةً البتة من أي جهة تمثل الشعب، بل فرض نفسه عليها، بتوكيل من المخلوع، وتوكيل المخلوع باطل غير صحيح النفاذ، فيكون من وقع عليه باطلٌ لا حقّ له إبتداءً في الحكم.

هذه هي الحقيقة التي يجب أن يقوم عليها أيّ تصورٍ يريد أن يأخذ البلاد إلى ثورة حقيقية، ترفع الظلم، وتعيد الحق للشعب. وهو ما يجب أن يكون ركيزة لتلك الثورة. فإن الغصب الذي مارسه المجلس العسكريّ للسلطة، أشدّ فجراً من غصب مبارك للسلطة من قبل. ومن هنا فإن السلطة العسكرية القائمة تأخذ صفة المحتل الغاصب للقوة السياسية دون حقّ.

إن الإعلان الدستورى الذي أصدره المجلس المخلوع ليس دستورياً، ولا يتمتّع بقوة القانون، لصدوره من غير جهة إختصاصٍ، أو من جهة غصبٍ غير قانونية. ومن هنا يبطل هذا الإعلان ويبطُل معه كلّ قانونٍ صدر من تلك المؤسسة العسكرية الغاصبة إلى اليوم.

من هنا يبطل البرلمان، ويبطل مجلس الشورى، وتبطل كافة الإنتخابات التي ترتبت علي السّلطة الغَاصبة، الصّادرة عن هذا المجلس، سواءً بشأن صلاحيات الرئاسة أو الهيئة الدستورية أو كلّ هذا العبث البارد الذي يلاعب به المجلس المغفلين من أنصار الديموقراطية.

إنّ الجهةَ الغاصِبة التي استولت على الحُكم بعد خَلع مبارك، قد استولت عليه بقوة السلاح، فهى قوة إغتصابٍ مسلح، حاول جاهداً أن يَصبّها في صورة شَرعية، دون أن يقدّم إلى اليوم المُستند الشَرعيّ لإستيلائه على السلطة عشية 11 فبراير 2011، سلّمها له كبير المجرمين عمر سليمان، والرجل الذى خلفه!

وقد تلبّست عملية الإغتصاب هذه بلباسٍ قانونيّ، مفضوح عواره، مكشوف ستاره، فأعضاء المحاكم التي تصدر قوانين مفصلة حسب الحاجة، هم كلهم ممن باعوا ذِمَتهم، ورَضوا بالعمالة والرشوة، ككثير من قضاة مصر اليوم، فأخرجوا هذا الغصب في صورة قوانين، وكأنهم يتعاملون مع مهاطيل، لا يكادون يفقهون شيئاً.

إن هذا النظر ليس سبّاً، بل هو حقيقة قانونية دستورية واقعة، لو كنا نؤمن بشرعية القضاء في بلادنا وبجدواه، لرفعناها إلى المحاكم المختصة، إذ إن هذه البلطجة القانونية التى نعيش فيها منذ أيام مبارك، ومنذ حملات التزوير التي أدّت إلى تفجير الوضع في الثورة، قد تضخّمت وسائلها بالفعل، تحت ظل الحكم العسكريّ الغاصب لحق الشعب. لكن مَحاكمنا أصلاً لا شرعية لها في ظلّ الدستور العلمانيّ، بل وفي ظِلّ الغاصِب المُحتل من العسكر. هي ذراع الغاصب الأيمن، يُجرى من خلاله كلّ ألاعيبه التي هي أصلاً باطلة بطلاناً أصلياً.

إنّ كل ما مرت به البلاد، من ترشيحاتً وإنتخابات وغيرها، وما ستمرّ به من بعد، هي باطلة، لأنها صَدرت من جهة غَصبٍ، إنْ تجاوزنا أنها صدرت من جهة غير مُسلمة لله سبحانه. فهى فاقدةٌ للشّرْعية مرتين، مرة لخروجها على الشَرعية الإسلامية التي هي الأعلى في بلاد المسلمين، ومرة لأنها بُنيت على الغصْب للسّلطة بالقوة المُسلحة.

الشرعية الوحيدة التي يجب أن تستمر في مصر هي الشرعية الإسلامية، التي تنبع منها الشرعية الثورية. هذا هو الحق لمن أراده، ولمن أراد بمصر إصلاحاً، في دنياها ودينها.

المجلس العسكري يتلاعب بالبلد وبمصيرها وبحياتها وبأبنائها. يفرض ما يفرض، وقتما يفرض، وفي أي مجال يفرض. سلطة غاصبة قولاً واحداً.

لقد غدر المجلس العسكريّ، أول ما غدر، بالإخوان، الذين رَضخوا له أول الأمر، وتصوروا أن هؤلاء العقارب السامّة يمكن أن تصون عهداً أو تحفظ كلمة، من قوة حنكتهم السياسية!

المجلس العسكري يقولها للشعب بصراحة واضحة "سنفعل ما نريد رغماً عنكم، بقوة السلاح" هكذا ببساطة شديدة.

ستأتي الأيام المقبلة بما يحدد ما يستحقه هذا الشعب، إما صمت الخزى، أو موت الكرامة