إزالة الصورة من الطباعة

الإخوان المسلمون .. والمُعادلة الصّعبة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الأحداث المتتابعة في ساحة "القضاء!" المصرىّ، بشأن تلك المعركة القانونية المصطنعة حول شرعية البرلمان وقانون العزل السياسيّ الفكاهيّ، إنما تدل على النية المبيتة لدى المجلس العسكري الفاسد، وجهات القضاء العميلة على إتمام المسرحية التي رسموها لإعادة واجهة النظام كما كانت، إذ حقيقتُه راسخة في أجهزة الدولة لم تبرَح. والمَلمَح الأساسيّ في هذا الوضع هو حلّ البرلمان وتنصيب أحمد شفيق. ومن هنا فإن الصراع الرسميّ أصبح بين الإخوان، التى رضت بالبرلمان في كامب سليمان، كجزء من الكعكة، وبين العسكر الذين يريدون أن يسترجعوا حتى هذا الجزء البسيط من كعكة مصر الحزينة، ثم يعصف بالإخوان أشد وأنكى مما وقع بهم في عام 54.

ورغم كلّ ما نأخذه على جماعة الإخوان المسلمين من مَآخذ، عَقدية وحَركية وخلقية، فإنه لا مناص من أن نعترِف بأن الإخوان جزء أصيلٌ من البناء السياسيّ المصريّ، وإن كنا لا نراها تنتظم في سلك الحركات الإسلامية، كما عرّفناها، إلا في أذهان بعض منتسبيها، من رجال أو نساء.

المعادلة الصّعبة التي تواجهها قيادة الإخوان اليوم تتمثل في ذلك التوازن الذي يحفظ عليها شعبيتها، داخل الجماعة وخارجها، ويردّها إلى مسار الحركات الإسلامية، التى تتخذ الإسلام نظام حياة، لا مرجعية هامشية ضبابية الحدود مضطربة التّصور، يتفلت منها كلّ متحدث باسم الجماعة، ليرسم معانٍ للإلتزام بالإسلام تتبدل حسب المتحدث، والمتحدث اليه، والسامع أو المَشاهد، بعد ما هدمت قياداتها مصداقيتها بتلك التصرّفات التي أوهموا منتسبيهم أنها "حنكة سياسية"،  ظهر أنها خيبة سياسية ورِدّة فكرية.

الإخوان لا يزالون في الشّارع المِصري لا لسبب أنهم الأفضل إسلاميا أو الأقوم طريقة أو الأسَدّ رؤية، بل وببساطة شديدة، لسببين رئسين، أولهما الفساد المطلق للنظام القائم، وثانيهما، أنّ أولئك الذين هم على الطريقة الأقوم والرؤية الأسَدّ لا يجمعهم نظامٌ ولا ينتظمهم عقد، وهو عيبٌ قاتل كما نرى اليوم على الساحة. وهو ما دفعنا إلى الدعوة إلى التيار السنيّ في المقام الأول.

لكنّ الواقع يفرضُ نفسه، ولا يمكن أن نتجاوزه إلى غيره، حتى لا نعيش في وهم مريضٍ، كالمفلس الذي يحلم بما ليس لديه. الإخوان في الساحة، على عجرهم وبجرهم. فلا باس أن نهدى إلى هؤلاء نصيحة لعلها تصيب أذناً صاغية أو قلوباً واعية. وهم مسلمون من المسلمين أولاً واخيراً، وإن كانوا على بدعةٍ شنعاء من الإرجاء، فنصحهم واجب بلا شك.

إن أراد الإخوان أن يكون لهم مصداقية عند الله أولاً، وعند أهل الرأي والمشورة ثانيا، إذ العوام تبعٌ لقادتهم، يجب أن يظهروا إخلاصاً للفكرة الإسلامية السنية، وتمسكا بها، دون هذا التميع البارد الذي يدل على نفاقٍ في القلب أكثر من أي شئ آخر. لقد غفل هؤلاء، نتيجة الخلط الأساسيّ في مصادر معرفتهم بدين الله، أنّ الإستقامة على المنهج، والألاعيب السياسية لا يتفقان إلا في خيال منافق. وها هي تجربة الشيخ حازم أبو اسماعيل تقوم كأوضح ما يكون على هذا النظر. لقد استطاع هذا الرجل، بمفرده، في مدة شهورٍ قليلة، أن يجمع عقول وقلوب ملايين من الناس خلفه مما لم يقدر الإخوان على جمعه في ثمانين عاماً، مع كلّ ما لديهم من مصادر مالية وحركية. ومع تقديرنا للموهبة الشخصية التي يمنحها الله لعبد ويمسكها عن غيره، فإن من السبب الأول في هذه الظاهرة الإجتماعية هو مصداقية هذا الرجل، وثباته على ما يقول وإيمانه به إيماناً لا يتزعزع، مما جعل حتى أعدائه من أهل الإعلام، وأعداء دينه من النصارى، يُكبِرونه، بل يُعلنون أنهم سيصوتون له!

إنها المصداقية والثبات على المبدأ التي هي أولى صفات رسل الله، ثم دعاة الإسلام ورجاله. أما الإخوان، فقد دفعهم خلو صفوفهم من أي موهبة كرزمية، وما تبنّوه من ذلك التَلاعب السياسيّ، الذي حَسبوه حِرفة وذَكاءً، وما هو إلا ترددٌ ونفاقٌ وضبابية رؤية، وخيبة قرار، إلى أن يلفظهم الكثير من العوام، ويهاجِمهم العديد من الخَواص من أهل السنة.

إنها الإستقامةُ على النهجِ، وثباتُ الكلمة ووضوحُ الرؤية الشَرعية، هي ما جَعل الشيخ حازم، رغم خِلافنا معه في الدخول أصلاً في الطرق الديموقراطية، يكسب قلوب الناس وعقولهم. هذه هي سُنن الله في الناس، لا تتخلّف.

لقد تبنى الإخوان هذه السياسة الديموقراطية، وهاهم يرون نتيجتها، ونتيجة تركهم الميدان، ونتيجة تحالفهم مع العسكر، وهم اليوم، رغم تحذير المخلصين لهم، لن يَنجح مرشحهم مرسى ولو انطبقت السماء على الأرض، فالنظام يدافع عن وجوده في معركته الأخيرة، كما بيّنا من قبل. سيكون أول ما يفعله الخائن شفيق أن يكلف النائب العام المرتشى أن يخرج قضاياه ضد الإخوان من الأدراج، ثم يسحبهم فرادى وجماعاتٍ إلى السّجون، بشرعية القانون التي أعلن الجيش أنه سيقطع يد من يحاول التطاول عليها بعد الإنتخابات. أّتضحت الصورة أمامكم اليوم يا مُحنّكى السياسة، وأبطال الديموقراطية؟

أعرف حقّ المعرفة، أنّ طبيعة هذا الجيل القائم على جَماعة الإخوان اليوم لنْ تَسمَح بغير ما هم عليه من التواءات وتدسّس ومُداهنة. لكن قد أعذر من أنذر. وهو ما رأيناه من إعلانهم مؤخراً أنهم لن يخرجوا في أيّ تظاهراتٍ بعد الثلاثاء. وواضح أن سبب هذا القرار هو، مرة أخرى، أنّ نزولهم الثلاثاء كان مجرد استعراض للقوة زكأن العسكر يأبهون لهذا بعد أن سَبروا غورهم وخبروا نكوثهم. والثاني، هو الإستعداد للجولة الثانية من الإنتخابات، وعدم إعطاء العسكر مبرراً لإلغائها، وهو، مرة أخرى، غيابٌ عن الواقع، إذ إن الجولة قد حُسمت لصالح أحمد شفيق بالفعل، فلا داعي للعسكر أن يعملوا على إلغائها.

إن المعادلة الصعبة اليوم، قد أصبحت متعددة العوامل، في كلِّ طرف منها. طرف يحمل النظام الفاسد بكافة مقوماته من عسكرٍ وأمنٍ وإعلام وقضاء مرتشٍ ولصوص أعمال، وطرف فيه الميدان والشعب والمخلصين الواعين من القوى الإسلامية، لا أدعياء السلفية من أنصار أمن الدولة بالطبع.

طرفان متمايزان، على الإخوان أن يختاروا بينهما، لا كلاماً، بل فعلاً على الأرض، إن اهتدوا.