الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعود مرة أخرى إلى الحديث عن ذلك التيار السنيّ، الذي كنت أعلنته، وأخى فضيلة الدكتور هاني السّباعي حفظه الله، منذ شُهور مضت، إيماناً منا بضرورة تحرير الفِكرة السُّنية السَّلفية الصّافية مما شَابها من شَوائب الغلوّ أو الإنتكاس، خاصة في ظل أحداث ثورة 25 يناير، وما تبعها من اضطرابٍ فكري وإختلاطٍ مرجعيّ وتذبذبٍ حركيّ هائل، قلب موازين الأمور في مجال العمل الإسلاميّ، فأخرج منه بعض من كان فيه، وأظهر فيه بعض من كان على هامشه.
يحمِل التيّار السُّنيّ لإنقاذ مصر فِكراً سَلفياً سُنّياً خالصاً، سواءً في شِقه العقديّ والفقهيّ، أو في شِقه الحركيّ. ورغم أنّ مفردات هذه الجملة قد فصلت من قبل في وثيقة إنشاء التيار، وما تلاها من بِيانات ومقالات، يجدها القارئ على موقعه (الوصلة اسفل الصفحة)، فإننا نعيد مرة أخرى، بشكلٍ مجملٍ، أوليات الفكر والمرجعية له، إذ يمثل، فيما نرى، الحركة الإسلامية الجامعة، التى تتعامل مع القوى الإسلامية المختلفة، بعُجرِها وبُجرها.
- · المرجعية العقدية والفقهية:
المرجعية في التيار السنيّ هي كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، كما حملها الصحابة رضى الله عنهم، ومن بعدهم القرون الثلاثة الفضلى، ومنهجهم في النظر والإستدلال، المبني على أصول الفقه السنيّ، ومبادئ الإستقراء الشرعيّ، التي تتجنب البدع القولية والعملية، وتنزل الأدلة منازلها، وتضع الأمور في مواضعها، فلا تقدم ما أخّرَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تؤخر ما قدّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- · هدف التيار:
يهدف التيار السنيّ إلى:
- إقامة شَرع الله في أرض مصر، وفي ربوع العالم الإسلاميّ كافة، بأن تكون الشريعة الإسلامية، مبادئها وأحكامها التفصيلية، هي المصدر الوحيد لقوانين الدولة وتشريعاتها، وأن تُطبّق هذه الشريعة بكافة جوانبها، مع إعتبار شروطها وموانعها حسب مقتضيات الأحوال والوقائع "وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ" المائدة 49.
- تحقيق الحرية في القول والعمل، لكل أبناء الوطن، في إطار كما فصلتها هذه الشريعة الغراء، بكل أحكامها الفقهية، دون افتئات على أحدٍ من مواطني أرضها.
- تحقيق العدل الإختماعيّ والقضائيّ، الذي هو ميزان الشرع بين الناس "وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُوا۟ بِٱلْعَدْلِ" النساء 58.
- تحقيق المساواة بين الناس، لا يفضل بعضهم بعضاً إلا بتقواه، وبإلتزام حدوده وعهوده ومواثيقه "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" رواه أحمد.
- · الثوابت الحركية
هناك ثوابت حركية للتيار، تنبع من تلك المرجعية الشرعية أولاً، ومن الحكمة التاريخية والتجربة الحركية ثانيا، ثم من فهم يؤتيه الله عبداً، تتفاوت درجته تفاوت ما بين المشرق والمغرب، وآخرها تقوى الله سبحانه في كلّ قولٍ أو فعل، فلا حق إلا بتقوى.
- لا ينتهج التيار السنيّ النهج الديموقراطيّ الغربيّ، الذي بنيّ على سلطة الشعوب في التشريع من دون الله، إلا أن تكون سلطة الشعب تعنى إقالة هيئات تنفيذية لا أكثر، بما فيها المؤسسات الرئاسية والحكومية. إنما حق التشريع حكر على الله سبحانه، لا شريك له "ألا له الخلق والأمر". ويرى الإتجاه السنيّ أنّ هذه الممارسات الديموقراطية، خاصة في ظل الدساتير الكافرة التي لا تتخذ مرجعيتها شرع الله عز وجلّ، هى ممارسات شركية، لا يحل لمسلمٍ أن يمارسها. وهذا لا يعنى كفر من مارسها بتأويلٍ ظاهر، وإن كان باطلاً، أفراداً أو جماعات، فمسائل التكفير لها ضوابطها الشرعية التي لا يجب أن يحيد عنها الفقيه، وليرجع من شاء إلى مقالنا السابق "فتنة التكفير في أوساط أهل السنة والجماعة".
- أنّ تجربة الأعمال الحزبية البرلمانية الديموقراطية قد أثبتت فشلها في العالم الإسلاميّ كله، كما رأينا في تجربة الإخوان في مصر على مدى ثمانين عاماً، وتجربة الجزائر والكويت وغيرهم. وما فشلها إلا لحيدتها عن الشرع، ولكنّ أصحاب الأهواء لا يريدون أن يفتحوا قلوبهم للحق لمّا جاءهم.
- أنّ تلك الجماعات، قديمها وحديثها، التي تبنّت هذا اللون من العمل الحزبيّ، قد خانَها التوفيق، وجانبها النظر السديد، شرعاً ووضعاً، فانساقت وراء أوهامٍ، وتركت الميدان، وظنّت أنّ الصِراخ في البرلمانات سيؤدى إلى أيّ تغيير! وسبحان الله "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"، لن يخرج نصر من رحم الفساد والكفر. وها هو مجلس العسكر المُباركيّ يُنظّم براءة كلّ رموز الفساد ومنفذيه، بواسطة القضاء الفاسد العميل، تحت سمع هؤلاء البرلمانيين وأبصارهم، ولا يولي هؤلاء البرلمانيين إلا كلّ إهمالٍ وإذدراء، كما يقال "أذنٌ كمن طين وأذنٌ من عجين"!
- أنّ تجربة التغيير بالعَمل المُسلح، هي عمل يجب أن يُراعى ظروف كلّ بيئة وشعبٍ على حدةٍ، فالأمر ليس نمطياً كما يحلو لمبتدئى العلم أن يتصورونه. فما يصلح لبيئة الشيشان، وطبيعتها الجغرافية، قد لا يصلح لمصر أو للشام. وهذا من تمام الفقه، ومراعاة الواقع والأحوال.
- أنّ التغيير، كما رأتْ مصر بعينيّ رأسها، ليس بأفضل له من الإنتفاضة الشّعبية العارمة في ظروفنا الحالية، التي تواجه القوى الغاشمة الكافرة، في كلّ ميدان. وهذا ما رأيناه على أرض الواقع، بعد أن رأينا فشل الطرفين الآخرين، الديموقراطية الكافرة، والمواجهة المسلحة في مصر بالذات. وهذا هو ما يدعو اليه التيار السنيّ بالحرف الواحد. نشر الوعي بالتوحيد وبقضية إقامة القرآن، وإتباع السنة، ومن ثمّ ضرورة تحكيم شرع الله، وأنها قضية إيمان وكفر، لا سنة وبدعة، ولا إثم و معصية، كما تروّج جماعات من مرجئة العصر الحديث.
- ثم يقول الله سبحانه "فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ" البقرة 154، فردّ العدوان ليس فقط واجباً شرعياً، ولكنه غريزة إنسانية تعمل دون وعيّ من المخلوق، لتحفظ على الفرد حياته، لا تحتاج إلى توجيه أو تخطيط. ثم عدم البدء بالعدوان، وتقوى الله هي الحَكَم في ذلك الأمر كما بيّن الله سبحانه.
التيّار السنيّ، ليس جماعة، ولا إمارة، ولا تنظيماً، جِهاديّ أو غير جهاديّ. إنما حقيقة التيار السُنيّ مشتقة من اسمه. فهو تيارٌ، يعمل المؤمنون به، السابحون في اتجاهه على نشر مبادئه، وإبقاء الحَالة الدّعوية الثورية يقِظة في نفوسِ النّاس حتى يقضىَ الله بيننا وبين الكفر بالحق. فلا يختلط الأمر على أحدٍ فيما ندعو اليه.
التيار السنيّ تيارٌ علنيٌّ لا يعمل في خفاء ولا يحتاج إلى مداراة. فنحن لا ندعو إلا إلى استرداد الحق في الحياة بشرع الله، بتوعية المسلمين بإسلامهم، ولا نخرج به إلا بجمعهم وقوتهم. فمن قوى على تبعاته، فهو في القلب منه، ومن خشى منها، فله في غيره محيص.
ونحن، أبناء هذا التيار السنيّ، نمد أيدينا لكل من يرى رؤانا، وليعلم المُسلم، أنّ الناس في أمر الإسلام دوائر متتابعة، يحيط بعضها ببعض، تتفاوت في صحتها العقدية، والتزامها الحركيّ، ووضعها الأمنىّ. ونحن على ولاء الإسلام الأصلي لكل مسلمٍ، إلا من كان صاحب بدعة قولية أو عملية لا تخرجه من الملة، فنخاصمه فيما فارق فيه السنة، ونواليه على ما صح له منها، فمن صادقنا على سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم رَبحَ بيعه وربحنا ببيعه، لا نقيل ولا نستقيل. ولا نخفر ذمة مسلمٍ، أيا كان موقعه، بل نعينه وندعمه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. ثم الناس منا حسب موقعهم من تلك الدوائر، قرباً وبعداً.
هذه دعوة مفتوحة لمشاركتنا في هذا العمل الدعويّ، ننطلق به لنوقظ الإسلام في أنفس المسلمين الغافلين، ثم نحشدهم لمواجهة الطغاة، في سبيل الله، على منهج الله، دون إفراطٍ وغلو أو تفريط وتسيّب.
http://www.tayarsunni.com/index.html