إزالة الصورة من الطباعة

يا على سالم .. أمسك عليك قلمك!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ظهر لكاتب صحفي يُدعى على سالم (مخرج مدرسة المشاغبين!)، مقالاً في جريدة "الشرق الأوسط"، السعودية التمويل، بتاريخ 22 أبريل 2012، أي منذ  ما يربو على شهرٍ من الزمان، تحت عنوان "هنا القاهرة: مدينة الأنواء والعواصف والتحريض على القتل" انظر أسفل المقال (1). ولولا أنّ أحد الإخوة لفت نظرى اليه بالأمس، ما أعرته إهتماماً بالمرة. وفحوى مقاله التحذير من بيان يدعو فيه كاتبه الشيخ حازم أبو اسماعيل إلى أن يترك لعبة الإنتخابات والطعونات، وأن ينزل إلى الميدان، يتحرك بالشباب، الذى لا يألوا نفساً ولا مالاً ولا جهداً، للخلاص من هذا الواقع المرير الذى تعيشه مصر. وقد نسب المقال  للشيخ داود خيرت، أحد دعاة السلفية السنية الواعية، لا السلفية المنزلية المستأنسة. وحتى لا نتعب القارئ في البحث عن البيان المقصود، فها نحن نثبته هنا، كما نقله الرجل، لقصره وقلة عدد كلماته:

"لم يعد في الأمر خَيار بعد أن كشّر الكفر عن أنيابه وظهر عواره الذي كنا نعرفه منذ أول يوم. ليس هناك إلا خيار واحد أمامك، انزل إلى الميدان وخذ البيعة الشرعية وقف في وجه الكفر والطغيان، لا تستمر في هذا الهزل القضائي والطعون الباردة، فأنت تعلم ونحن نعلم أنه لن يجدي نفعا، هناك ملايين الشباب ممن يريدون الموت في سبيل الله، فقدهم إلى الجنة. الإخوان لم يخسروا شيئا فيما يحدث فهم يعبدون البرلمان، وإلههم لا يزال تحت أقدامهم. أدعياء السلفية، ياسر برهامي، محمد عبد المقصود، يسري حماد وأشياعهم، هم عملاء العسكري وخونة مع أمن الدولة فلا تعولوا على هؤلاء الضالين من القادة والمشايخ. لكن أنت يا شيخ حازم لم يعد هناك خيار أمامك إلا البيعة ثم الخروج. لم يعد هناك وقت للمحاورة فقد أصدرت لجنة الكفر قرارها ولن ترجع فيه إلا على أيدي شباب الإسلام ونحن في انتظار قراركم.." (1)

وقبل أن أبدأ في مناقشة الرجل فيما كتب، أود أن أشير إلى إيجابية عنده تجاه الكاتب، حيث قال "وإن كنت أقف ضد أفكاره على طول الخط، غير أن لدي من الإحساس بالعدل والقدرة على التذوق الفني، ما يجعلني أشهد له بالكفاءة غير العادية في استخدام الكلمات التي تذهب به إلى غرضه مباشرة، نحن هنا أمام أسلوب فذ في الكتابة والخطابة، بما يحمله من قدرة على التلخيص والتكثيف يحسده عليها أي كاتب محترف"(1) شكر الله له ذلك، وشكر له الكاتب الحقيقيّ، أياً كان هو.

على سالم، ارتكب ظلما ثلاثة مراتٍ، فأوقع نفسه في ظلمات كان في غنى عنها، لو عَقِل. فقد ظلم الرجل نفسه، وكاتب البيان الذي نسبه له كذباً، ثم الشعب المصريّ عامة، والشباب منه خاصة. فأطبقت عليه ظلمات ثلاث، تَغشاه من كل ناحية.

أما عن ظلمه لنفسه، فلا علينا منه، فهو أمر يخصه وحده، وهو الوحيد الذي سيدفع ثمنه خالصاً بين الناس بسوء السمعة، وبين الله يوم يقوم الحساب.

أما عن ظلمه للكاتب، فقد وقع فيه مرتين، أولهما لأنه نسبه لمن لم يكتبه. ذلك أني أعرف الشيخ داود خيرت، معرفة وثيقة حميمة. الرجل لم يكتب هذا البيان، قطعاً، يقيناً، وبدون شكّ. لا أدرى أين وجد على سالم هذا البيان منسوباً للشيخ داود، لكن كاتب هذا البيان هو رجل آخرٌ غير داود، قولاً واحداً. وقد كنت أحسَب أن عند هؤلاء الصحافيين من الحرفية والدأب على العمل، والحرص على الحق، ما يدفع أحدهم إلى التأكد مما يكتب، لكن هيهات هيهات، هؤلاء لا حرفية لديهم، ولا حسّ بشرف المهنة يردعهم عن أن يلقوا بالكلام على عواهنه، دون تحقق أو تريث.

أما المرة الثانية، فلأنه أخطأ الفهم عن الكاتب، عمداً أو جهلاً، ونقل مفهوماً مُشوّهاً عن قصده، يعكس شذوذاً في الرؤية، واضطراباً في الفهم، يحتاج معه صاحبه إلى رعاية عقلية، قبل أيّ رعاية أخرى يحتاجها!

يقول الرجل "أنا على يقين من أنه لا يوجد في مصر ملايين من الشبان الذين سيهضمون هذه الدعوة الدموية أو يستجيبون لها بدرجة من الدرجات، غير أنه يكفي أن آلافا بينهم ستسحرهم هذه الدعوة ويندفعون بلا عقل لقتال ما يعتبرونه - وما يعتبره البيان أيضا - كفرا وكفارا كشروا عن أنيابهم." سبحان الله العظيم! أين الدموية في هذه الدعوة؟ أين ذكر الكاتب أنّ الشيخ حازم أو من يسير معه، عليهم أن يخرجوا مسلحين مقاتلين؟ ألا يستحى هذا الرجل أنّ يكذب هذا اللون من الكذب المفضوح؟ لقد قال الكاتب أنّ الإنتخابات لم يعد لها جدوى، وهو حقّ ثَبُت بلا شكّ في الأيام القليلة الماضية، بعد أن عاد شفيق المباركيّ قاب قوسين من الرئاسة، وطالب أن يبايع الناس أبو اسماعيل كرئيسٍ لهم، والبيعة ليست أثراً من آثار التاريخ إلا عند أمثال هؤلاء العلمانيين المتحذلقين بالديموقراطيات، الذين يقبلون بالدكتاتورية الفاشية، ولا يقبلون ببيعة شرعية شعبية، بل هي واقعٌ يمكن أن يكون فيه الحلّ لأزمة التزوير التي نعيشها مرة تلو الأخرى. الخروج إلى الميادين، يا على سالم، معناه التظاهر الذي رأيناه في 25 يناير 2011، والذي نجح في إحراج العسكر عاماً ونصف، إلى أن استطاعوا أن يكبحوا نتائجه بالتزوير والتدليس، وأمثالكم ممن يمتطون خيول الإعلام، ويشهرون سيوف الميكروفونات، يجاهدون في سبيل دينهم العلمانيّ، بلا رحمة ولا هوادة ولا ضمير.

ثم الحديث عن الجنة والشهادة في سبيل الله، الذي تتحدث عنه بكل استهزاء واستخفاف، لا يعنى أنّ المتظاهرين يقاتلون، إلا دفاعاً عن أنفسهم، بعد أن يخرجوا سلمياً. وهو ما رأيناه من قبل، حين اعتدت قوات الشياطين على المسالمين من المتظاهرين، وقتلت من قتلت، ممن إعتبرهم الناس، ولعلك منهم، شهداء، دون أن يرفعوا سِلاحاً في وجه قاتليهم. فهل يا ترى نزعت صِفة الشّهادة عن هؤلاء؟ أمات هؤلاء "فطيساً"؟ أكان هؤلاء خوارجاً؟ أإذا خرج الناس في وجه الإجرام العسكريّ والتزوير البجاتيّ، يقودهم رجلٌ صادقٌ، كانوا خوارجاً بالنسبة اليك؟ أأصبحت الثورة عاراً وإرهاباً عند أمثالك؟ أأصبح التظاهر إجراماً، بل دعوة للقتل، وتحريضاً على سفكِ الدماء؟ من قال هذا يا على سالم؟

إن كفر العلمانية، العلمانيين، أمرٌ لا أريد أن أناقشك فيه في مقالى هذا، فلست ممن يمكن أن يستوعب حديثاً عن دين الله أصلاً، ولكن، لا شك أنّ الحزب الوطني قد عاد ليحكم البلاد مرة أخرى، وقد كان صاحب هذا البيان، أحدَّ بصراً وأثقبَ بصيرة منك وممن ذهب مذهبك، من مناصرة تلك العورة السياسية التى وصموها بالديموقراطية.

ثم، إن الرجل قد ظَلَمَ الشّعب المِصريّ كله، حيث قال "ملايين الشباب في مصر لا يريدون الموت في سبيل الله، ليس هذا مطلبهم، هم يطلبون وطنا آمنا عادلا منتجا يتيح لهم فرصة طيبة للإنتاج وتعليم أولادهم تعليما راقيا. هم لا يريدون زعيما يقودهم إلى الجنة، بل يساعدهم على التعامل مع الحياة ومتاعبها وتحويلها بقدر الاستطاعة إلى لقمة خبز وقطعة موسيقى وقطعة أمل" (1). سبحان الله على هذا الإستهزاء بشعبنا وبشبابنا! أكلّ ما يهتم به الناس هو الأكل والنوم، والموسيقى!؟ أهؤلاء بشرٌ يتحدث عنهم هذا الرجل؟ ثم، من قال إن الموت في سبيل الله لن يصل بهم إلى تحقيق الرفاهة التي يتحدث عنها؟ أليس هذا الموت هو الذي سيزيح العسكر القابعين على صدور الشعب؟ أم إنهم فقط يموتون بلا سبب؟ من قال إن الإسلام يأتي بالفقر والجهل، إلا الكفار؟ أتؤدى بك سذاجتك إلى تصوّر أنّ العسكر سيتركون الثروات التي يستحوذون عليها هكذا، بكل سهولة، أم أنك لا تهتم لهذا إبتداءً؟

إن شباب مصر فيه الكثير ممن يريد أن يحيا حياة كريمة مزدهرة، لكن ليس من هذا المنطلق الحَيوانيّ الذي تزعمه لهم، يا على سالم. لن يرضى هذا الشباب أن يلقى اليه برغيف الخبز، ويلقى في سمعه تلك المُخدرات الموسيقية، ليسمن و"يربرب"، وإلى الجحيم بكل ما عدا ذلك. هذا دينك، ليس دينهم، فاعقل هذا القدر.

الثورة، والخروج إلى الميادين، ومواجهة الظلم والبغي والتزوير، هي ما يريده شباب مصر، ممن وعى درس 25 يناير، لا القتل ولا سفك الدماء. فإن كان هناك سفك دماء، فلن يكون من المسلمين هذه المرة كذلك، كما لم يكن من قبل، ، فعليك أن تحذر البغاة أن يعتدوا، لا أنّ تمنع المسالمين من ممارسة حقوقهم. وإن استشهد البعض، فإنهم، على الرغم منك، أحياءٌ عند ربهم يرزقون.

ثم، أمسك عليك لسانك وقلمك، ولا تفتح على نفسك جبهات لا تقدر على ردّها عنها، بأقلام تجعل من قلمك ريشة في مهب الريح.

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=673894&issueno=12199