إزالة الصورة من الطباعة

ردٌ أقبحُ من ذنبٍ .. من الشيخٍ السلفيّ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 من أشد الأمور على نفسى أن أتابع ، إظهار عوار أحد ممن ينتسب للعلم، مرة تلو الأخرى. إذ إن ما تربينا عليه أن المسلم لا يتكبر عن الرجوع إلى الحق، والتمادي في الغيّ ليس من سمات العالم، أو طالب العلم.

 هذه المرة، خرج علينا شيخٌ سلفيّ، كنت قد بينت خطأ توجهه فيما يصرح به، بشأن مجريات الأحداث على الساحة السياسية، خاصة هجومه وعداءه غير المبرّر على حازم ابواسماعيل، وانحرافه عن جموع السلفيين الأفاضل من العلماء، هو وحفنة من المشايخ الذين أوضحنا أنّ قناديلهم لم تلمع إلا بعد غروب نجوم العلم اللوامع. كما تساءلت عن موقفه من المنظومة الحاكمة الحالية، والتي يظهر أنه، وهذه الحفنة، تتعامل معها بطريق الودّ والإخاء والمحبة.

 وقبل أن أتناول ردّ هذا الشيخ، أحب أن أكرّر، أننى لا أنصر حازماً لنفسه، بل أنصر إتجاهاً أحسب أن حازماً يمثله، أو الأقرب اليه، وهو إعلان دولة الإسلام، ودولة الحلال والحرام، من اللحظة الأولى، والتصدى لعلمانية الدستور التي يعمل عليها العلمانيون والعسكر، ويلتف حولها الإخوان والسلفيون. فأنا لا أعرف الرجل، ولم أقابله، ولا أحسب أننى سأقابله. كما أننى قد أختلف معه في بعض جزئيات برنامجه التفصيليّ. هذا بالإضافة إلى إيماني العميق الذي لا يتزعزع أن كل هذه التحركات الإنتخابية والبرلمانية لن تؤتي ثماراً على أرض الواقع بأي حالٍ من الأحوال، وأن الشارع الثوري المسلم هو من سيحسم هذا الجدل، سلباً أو إيجاباً.

 قال هذا الشيخ بالحرف الواحد " .. كتبوا مقالاً يتهموننى فيه بالكبر والحسد، فلماذا الحسد؟ الكبر دي مسألة ..، ويقول أنت لست عالماً، يكفى أنك بلغت الخامسة والستين من العمر ولم تؤلف كتاباً. أنا لو بلغت التسعين لن اؤلف كتاباً، والكتب المؤلفة معظمها في قضايا الفكر ..، وهو يقول حتى لمّا ألفت كتابا في العبادات، أنا لم أؤلف في العبادات، هذا تفريغ لشرائط في الصيام كنت أشرحها للناس، وأنا لا أجرؤ على أن أؤلف كتاباً. وأنت كتاب القول المفيد في جاهل التوحيد، أو مش عارف إيه في جاهل التوحيد، كتابٌ ملئ بالجهل، قال وأتحداك أن ترد عليه كتابة، أنا رددت عليه في 19 شريطاً في قضية العذربالجهل، إن أحببت أن أطرحه على الناس فعلت.." http://www.youtube.com/watch?v=fK3GedxagdY

هذا بالضبط هو ما قصدت اليه. هذا ردّ عالمٍ على قضية بهذا الحجم! جملٌ مبتثرة، ومعاني منقطعة. يسأل السؤال ثم لا يجيبه "فلماذا الحسد؟"، "الكبر دى مسألة.." ثم لا يكمل. ثم ما معنى هذه الجملة "والكتب المؤلفة معظمها في قضايا الفكر"؟ الجهل بالتوحيد عارض من عوارض الأهلية في أصول الفقه، وليس قضية من قضايا الفكر. أيزعم هذا الرجل، الذي يزعمونه فقيه مصر، أنّ كتب بن تيمية وبن القيم والجوينيّ ومحمود شاكر، والأولين والآخرين، كلها في قضايا الفكر، ككتب زكي نجيب محمود أو محمد عمارة؟ ما هذا الخلط العجيب الذي يتحدث به هذا الرجل؟ يقول الرجل " وأنا لا أجرؤ على أن أؤلف كتاباً"! لماذا لا يجرؤ على أن يؤلف كتاباً؟ تحت أي بند من بنود التقوى يقع هذا الحذر والحظر؟ أم إنها تقوى تبريرية أمام الأتباع، وكأن لها أصل في أبواب الخلق في الإسلام؟ ألم ينزل الله كتاباً ويطلب من الناس القراءة، لا الإستماع؟ ثم، الرجل لم يقرأ كتاب "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد" جزماً، فهو لا يعرف حتى عنوانه، ولعل من كتب له هذه الكلمات التي قرأها على الملأ في الفضائية، لم يحقق اسم الكتاب. ومع ذلك وصم الشيخ السلفيّ الجليل الكتاب بأنه ملئ بالجهل، وهو يقف أمام الله سبحانه بهذه الدعوى. نسأله مرة أخرى، اي جزء فيه جهل يا شيخ السلفيين؟ أي صفحة وأي قولٍ؟ أم إنك تهرف بما لا تعرف؟ يا شيخ اتق الله واقرأ قبل أن تنقد. نحن لا يمكن أن ننقد شريطاٍ لك إلا إن استمعنا اليه، كما فعلنا في نقدنا لحديثك مع الرويبضة خالد عبد الله، فقد فندناه جملة جملة، بأمانة في النقل وتسلسل في الفكرة. لكن هذا ما ينتهى اليه حال من عاش يتكلم ثم يتكلم ثم يتكلم...

ونحن لا ندعى أنّ القاء الدروس أمر غير مرغوب أو مُجدٍ، لا والله لا نقول بهذا، فإننا قد سجلنا العديد من الدروس في العقيدة وأصول الفقه، آخرها ستة وعشرين شريطاً في شرح موافقات الشاطبيّ، لكن هذا أمر، والتدوين والكتابة أمرٌ آخر، وما أحسب إلا أن الشيخ المقصود ليس لديه ملكة التدوين إبتداءً، دون الحاجة إلى التعلل واللف والدوران، بأقوال لا معنى لها عند التحقيق، كقوله "لا أجرؤ على أن اكتب كتاباً"! هذا والله من أسخف ما سمعت في باب الورع المزعوم.

أنا لا أغمط الرجل حقه في تعليم الناس، أوالإستحواذ على علمٍ مفيد، لكن، هناته وزلاته، رَبَت على ما فعل أو يفعل، بما زلزل مكانته التي اكتسبها بشق النفس، في عقود طويلة.

ويكفيه منى هذا .. في هذه المرحلة.