الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكاد القلم يتعثر فيما يكتب، وتكاد اليد لا تطاوع فيما تخط، إذ كيف يمكن تصور ما يحدث اليوم تحت قبة البرلمان المصري الجديد!
الكثير ممن خدعتهم الصور والكلاشيهات، يقولون: نِعْمَ ما يجرى اليوم تحت قبة البرلمان. ألا ترى يا رجل أن الأغلبية مسلمة، وأن منهم من صلى بالفعل، وأن منهم من أصرّ على إضافة جملة "على ألا يخالف الشرع" في قَسَمِه؟ أليس ذلك بأفضل من برلمان صفوت الشريف وفتحى سرور؟
قلت، وقد بدأت النفس في الإعراض عما هو كائنٌ واليأس مما سيكون، إلا من رحمة الله، إن العبرة ليست بالأحسن يا إخوة الخير، إنما العبرة بالنتيجة التي وصلنا اليها، مقارنة بالمقدور عليه. لو تصورنا أنك اعطيت ابنين لكن كل واحد منهما ألف جنيه، وسالتهما أن يذهبا بهما للإستثمار في تجارة واحدة، وبنفس الإمكانات، ثم يعودا لك بعد شهر زمان بما فَعَلَا. فعاد اليك الأول، بألف وخمسة عشر جنيها، وعاد لك الآخر بألف وخمسمائة. قال الأول، ربحت يا أبتاه، وهو جهد المستطاع، وقال الآخر، ربحت يا أبتاه، والمستطاع الذي تهيأ لنا مكننا حتى بأكثر من ذلك. ترى أي الولدين أحق بالثقة والفوز؟ أيشك عاقل في أنه الثاني، الذي أحسن استغلال ما مَكنه فيه ربه، وأخرج منه كل المستطاع من طاقته؟
وهذا المثال، وإن كان صبيانياً، إلا إنه يكشف عن الورطة التي وقعنا فيها مع هذا السيناريو الذي صَوّر لنا فيه الإخوان أننا ربحنا. لا والله لم نربح، بمقياس ما مَكنا فيه الله سبحانه، بل خسرنا فرصة العمر التي أتيحت لنا بغير عملٍ منا. حين يقول الله سبحانه "فاتقوا الله ما استطعتم" فإنما يعنى "كلّ" ما استطعتم، لا بعض ما استطعتم، إنما رفع عنا حرج ما لا نستطيع، لا حرج ما نستطيع، لكن نترك فعله إختياراً.
لقد ضَلّلتنا أجندة الإخوان، الذين رَضوا بما مَكّنهم فيه العسكر، لا ما مَكّنهم فيه الله سبحانه. قَنعوا بما أقدرهم عليه العسكر، لا بما استطاعوا حقيقة. أوهموا الناس أنّ لا فرق بين الإستطاعتين، وكذبوا. فإن الله قد مَكّنا في أكثر من ذلك، وأعْظم، لكن كما قال المتنبى: على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ. فأتت عزائم هؤلاء خائرة بائرة من أول أمرها.
إن الشعب يمكنه أن يزيل الطاغوت العسكريّ، مرة واحدة، وأن يقيم دولة "لا إله إلا الله"، مرة واحدة، لكن هؤلاء لا ثقة لهم في الشعب، ولا ثقة لهم بالله، ولا ثقة لهم بأنفسهم. لقد أعلنوها واضحة أنهم يخشون أمريكا أكثر من خشيتهم الله. هذا دينهم، وهذا فهمهم للإسلام، وهذه ثقتهم بالله، ألا ساء ما يزرون.
هذا ليس إسلامنا، ومن هنا فإنا أو إياهم لعلى هدى أو في ضلال مبين. نحن نثق بوعد الله. ونثق بقوة ما مَكنا فيه الله، أغلبية شَعبية سَاحقة، لو وقعت في أيدى من يؤمن بالله حقاً، لا من يخلط إيمانه بعلمانية وقومية ووسطية، وما شئت من شركياتٍ مُحدثة.
هذه واحدة، ثم الأخرى، الأدهى والأمر، أنّ الإخوان يريدون أن يعملون تحت مظلة قانون الطوارئ، كما كان الحزب الزطنيّ يعمل تحته، وبنفس الأسباب، ألا وهي أن البلاد غير مُستقرة!!! لم يتقدم أحد منهم بطلب إلغائه! هل يمكن لعاقل أن يتصَوّر اليوم ما وصلنا اليه؟ أليس هو قانون الطوارئ الذي كانوا يتنادون بظلمه وديكتاتوريته وضرورة رَفعِه؟ أصبح اليوم أداة لهم، لا يطلبون رفعها، كي يواجهوا بها الشعب الذي لا يرضى عن تصرفاتهم وضعفهم وخذلانهم. هم اليوم يريدون أن تبقى الطوارئ، وأن يبقى العسكر، وأن تبقى المحاكمات العسكرية، ليتصدى العسكر لعدوهم المشترك، ليس العلمانيين، فهم أحباب العلمانية وأولياؤها، بل المسلمين الذين يعرفون جُرمهم ويقدرون ما أضَاعوا من دين الله، وما فرّطوا في شريعته. هؤلاء هم من يريدون أن تظل قوانين الطوارئ، وقوى الداخلية، وعصا العَسكر تجلد ظهورهم، حتى تخلو لهم الساحة تماما، ويستكملوا تصدير وهم الحكم المسلم للشعب الغافل.
لكن الأمر، أنّهم، ككل طاغية مستبد، لا يحكم بشرع الله، لا يرون يد الله عاملة من وراء الأحداث. فإن الخير والرزق والرغد الذي وعدوا به الشعب، لن، وأقول لن، يأتي في ظل مبادئهم العلمانية المتسترة بإسلام خجولٍ متنازلٍ ضعيف. وحينئذ، حين يفشل جهدهم، ويظهر عوارهم، وتنقلب عليهم العسكر من ناحية، والشعب المُحبَط من ناحية أخرى، سيعلمون وقتها أي جرم قد ارتكبوا، وأي فرصة قد أضاعوا، وأي دين قد أهدروا، ولات حين مناص.
ستخبو الإحتفالات، وستنتهى المجاملات، وسيفيق الناس إلى ما هم فيه، فإذا هم على مثل ما كانوا عليه، لا تغيير ولا تبديل. وسيجدوا الطوارئ سيفاً مُسلطاً على رِقابهم، والداخلية تسوقهم، والعَسكر يتحكمون في مصائرهم من وراء السُتر. ثم ماذا حينئذ؟ يومئذ يَعَضُّ هؤلاء الظلمة على أصابعهم، ويتمنون لو أن يعود بهم الزمن كرة أخرى فيفعلوا خيراً، لكن هل يعود الزمن إلى وراء؟