الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لسنا والله بديموقراطيين، ولن نكون أبداً من دعاة هذا النظام الصليبيّ، الذي لم ينشأ إلا نِكاية في الكنيسة، وخُروجاً على تَسَلّطها، وإعادة لقيمة الفردِ الغَربيّ الذي طَحَنَته تلك الكنيسة بتحْريفاتها وتسَلّطها وخزعبلاتها.
ما لنا وهذا النظام الذي هو أحد أركان الثلاثية الخاسرة، الديموقراطية، الرأسمالية، العلمانية؟ ما هو دَافعنا في الإرتباط بهذه المفاهيم التي استجلبها لنا الإستعمار الغربيّ؟
ماذا الذي أتت لنا به الديموقراطية؟ برلمان بمسحة إسلامية سطحية، يستخفى أهله، حتى بهذه المسحة البسيطة، وراء تلالٍ من التقاربات العلمانية، والتنَازلات الشّرعية، التي لا تكاد تنتهى. بل إنه في واقع الأمر، قد أعلن هؤلاء النواب بأنه لن يتبدل أيّ قانون أو تشريع، في أي مجالٍ من المجالات. هو إذن تغيير وجوه لا تغيير نظام. فإن أسس النظام ودعائمه لا تزال على قوتها وسيطرتها بإجماع، عن طريق ما فرضه العسكر من ناحية، وما سلّم لهم به "البرلمان"، دون مقابلٍ، من ناحية أخرى.
قنع أصحاب الأغلبية من الغنيمة بالشكل دون الموضوع. ثم إنهم قدّموا لهذه القناعة الذليلة، والتنازلات المذلة، أسباباً أشاعوها بين منتسبيهم، أحسب أنها لا علاقة لها بالأسباب الحقيقية. زعموا أنهم بهذا يراعون "التوازنات الدولية" و"الحالة الداخلية"، فلا يريدون أن يحدثوا هزة في الأرضية المصرية في هذا الوقت الحرج. هذا ما زعموه. ويشهد الله أنه كله لا إفتراء يخفى وراءه حقيقتين، أولهما أن هذا الذي يتبنوه حالياً هو ما عليه دينهم حقيقة لا تكتيكاً. والثاني هو الجبن المفرط عن المواجهة.
نسى هؤلاء أنّ تَحسّس وتَسيّس سبعة عقود لم يُكسبهم شبراً واحداً على أرض الواقع، ولا فتراً واحداً! بينما ثلاثة أسابيع من جهد الشباب الصامد في المواجهة، أتي لهم، دون عملٍ منهم، بكلّ شئ. أين كانت إذن "التوازنات الدولية" و"الحالة الداخلية" في تلك الفترة المضيئة بدم الشهداء؟ أين اختفت أمريكا وإسرائيل، وصاروا يترقبون كلمة الشعب المصريّ في الشارع، لا تحت قبة برلمان؟ ماذا أغنت قوات العادلي، شرطة وأمن مركزي وأمن دولة وشرطة عسكرية وحرس جمهوري وجيش، في وجه الزحف الشعبي، الذي لولا إرادة الله سبحانه، ما انتهت زحفته إلا بالقضاء على النظام دون رجعة؟ لو كان الأمر بيد هؤلاء الخاسرين الأذلاء يومها، ما خرجت تلك الجموع، وما كانوا ليجلسوا اليوم على كراسيّ البرلمان، يتحدثون بغاية الخسة والدناءة، كأنما كانت لهم يداً فيما حدث، وكأنهم هم صانعوه! لكن، كما علمتنا الأيام، أنّ ما اكتُسِبَ بغير جهد أُضِيع بغير حِرص. ما كسبه هؤلاء كان بجهد غيرهم، فلا بأس عليهم أن يضيعوه ويبيعوه بثمن بخسٍ. هكذا حال السارق مع المسروق، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
هذا غاية ما جاءتنا به الديموقراطية. مجموعة جديدة من رجال الإعمال، المنتسبين لجماعة بدأت إسلامية، انتهت ديموقراطية وطنية، لا إلتزام فيها بإسلام ولا أحكام. مجموعة من الناس لا يضيرهم التصالح مع رموز النظام المباركيّ، ولا ترشيح رئيس علمانيّ، بل إن مرشحهم الرئيس اليوم سيكون عمرو موسى، عميل الأمريكان وكلب مبارك، وحذاء حكام العرب أجمعين.
ماذا استفاد الشعب بالديموقراطية؟ الأمن سيظل في يدِ جزارى الداخلية، وأمن الدولة سيظل يعمل عمله الخسيس، وبنى صهيون سيظل يصلهم الغاز، وسيظل عارُ كامب ديفيد يرفرِف على رؤوسنا. يقول بعض المخدوعين، لكن سيتوفر لنا الخبز واللحم، وهذا يكفينا! لا والله، لا ندرى كيف سيكون هذا؟ وأين خبرة هؤلاء الإقتصادية والإجتماعية؟ وهل يأتي الذل بالخير، والمرض بالصحة، والخيبة بالنجاح؟ هذا خلاف السُنن الإلهية، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
ستكون دورة ثانية من الخيبة، يذوق فيها الشعب الذل والجوع، تماما كما كان، فالفساد لا يزال يسكن أحشاءه، ورموزه يستعدون للخروج مرة أخرى لقيادة التنظيمات المضادة للشعب، إنتقاماً وتَشفّياً، تحت سَمع وبصر "الغالبية" المهزومة المتحالفة مع أعداء الله.
لن تغنى عنا الديموقراطية شئ. لن يكون الحل تحت قباب المجالس. بل الحلّ في ميادين مصر وشوارعها، رغم أنف الإخوان الموالين للعسكر، من أصحاب "كامب سليمان"، وتلك الطائفة المنسوبة للسلفيين من أصحاب "طاعة ولي الأمر الكافر".