الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
كَكِل أمرٍ يتعلق بمصرنا الحبيبة العجيبة، فإن ما يخرج منها له وضعٌ خاصٌ على الدوام، تُشكّله النفسية المصرية بخَيرها وشَرّها، ببساطَتها وتَعقيدها، بمَكرها وسَذاجتها، فتلّون الوارد اليها من الخارج بما يعطيه النكهة المصرية، في آخر الأمر! والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، والعلمانية المِصرية أحدها.
العلمانية، أو على الأصح العالمانية المنسوبة إلى العالم المحسوس Secularism، كما أراد لها أصحابها، هي قطع الصلة بين عالم الغيب وعالم الشهادة، هي أن لا يكون للإنسان في الدنيا أية مرجعية إلا ما بين يديه من مادة يشكلها، أيا كان شكل هذه المادة المحسوسة. لا محل للغيب في النظر العالماني، ولا يمكن ولا يُتخيّل أن يكون له محلٌ، إذ إنها نشأت في أوروبا للخروج علي سيطرته الكنسية الغاشمة من ناحية، ولأنه يناقض تعريف العالمانية، الذي هو تحرير الإنسان من الربط بين أنظمته المعيشية ومؤسساته المدنية وبين معطيات الدين المُتمَثلة في تعليمات المنظمات الدينية "الكنسية". وهاكم تعريفها بلغة اصحابها:
"Secularism is the principle of separation between government institutions and the persons mandated to represent the State from religious institutions and religious dignitaries. In one sense, secularism may assert the right to be free from religious rule and teachings, and the right to freedom from governmental imposition of religion upon the people within a state that is neutral on matters of belief".
لكن أصحابنا من العلمانيين المصريين قد رسموا صورة مختلفة لعلمانيتنا المصرية، صورة تلفيقية محّرفة عن أصل تعريفها، في عدد من مستويات التعريف.
العالمانية المصرية، وياللعجب، تقبلُ الدين، كَكُلٍ، بل وقد تجد من العالمانيين من يصوم أياماً من رمضان، وقد تجد منهم من يصلى الجمعة في بعض الأحيان، وقد تجد في أسرِهم من يلبس الحجاب! وهم يستشهدون بالقرآن والسنة، ويحاولون إقامة الأدلة منهما على صحة إدعاءاتهم، كما يفعل المأفون ذو الحمالات إبراهام عيسى، أو خالد صلاح أو حتى البرادعيّ وعمرو موسى وبن حمزاوى! وهذا الأمر لا مسوّغ له في الفكر العالماني الصحيح، إذ إن المرء، في علم الجَدل والمُناظرة، لا يمكن أن يتّخذ مما لا يراه حقاً، ولا يعتبره حقيقاً أن يكون مرجعية له في حياته، أساساً ومرجعاً يَستدل به على صحة مذهبه! هذا خُلفٌ، بل تبجّح. وكما يقال في بعض الأحيان لمن يعمل أعمالاً مضادة للإسلام "نحن نشك في إسلامه"، فإننى أستعير هذا في حق هؤلاء، فأقرر "أننى أشك في علمانيتهم!" لبعدهم عن حقيقتها.
ثم إن العالمانية الغربية، قد خرجت على المؤسسات الدينية الكنسية، لتطلق العنان لأصحابها أن يسيروا في مجال العلم والبحث غير هيّابين لما كان العُلماء يتعرضون له من تلك المؤسسات الدينية، من إرهابٍ مبنيّ على خزعبلات كنسية، فاضطروا إلى أن يُلزموهم كنائِسهم، وسَمحوا لهم بالخُزعبلات التي لا تشكل خطراً على التقدم العلميّ، متمثلة في تلك الطراطير التي يلبسونها، والصَولجانات التي يحملونها، والترانيم التي يَتلونها، ودم المسيح الذي يشربونه، ولحمه الذي يأكلونه، فهي كلها خزعبلاتٍ لا ضير منها على أحد.
لكن أمر علمانيينا هو أمر آخر، لا يتعلق بعلمٍ أو بإنطلاقٍ حضاري أو بتفوقٍ صناعيّ أو بالتخلص من خُزعبلاتٍ وترانيم وصولجانات. لا والله، بل أمرُهم كله يتعلق بالحق في ممارسة الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما يحلو لهم، من شرابٍ ورقصٍ ونساءٍ وغناءٍ، ليس إلا. إن تركتَ لهم هذه الحُرية مَفتوحٌ بابها، فسيلقون بالعلمانية في أقرب مقلب "زبالة". العلمانية بالنسبة لعلمانيي مصر، في غالبهم، إلا من تشَيطن مِنهم من أمثال القمنيّ، هي حرية الفسق والدعارة، لا حرية الكفر العلنيّ الصّريح، وإن كانوا لا يدركون أن تقنين هذه الإباحية هو كفرٌ في حدّ ذاته. ومن هنا تجد كثيراً من بسطاءالعامة، لا يميّزون بين ما هو كفرٌ في مذاهب هؤلاء، وبين ما يظهرون من أفعالٍ تضمهم لفريق المسلمين.
علمانيتنا فكاهية مرحة، لا شأن لها بعلم ولا عمل، بل هي، في غالبها، مجرد البَحث وراء الملذات، واتباع الشهوات، ومشاهدة الراقصات، وسماع المغنيات، وتدخين الشيشات، وتعاطى المخدرات، لكن يريدونها تشريعاً لا مجرد ممارسة. لذلك تجد الإعلاميين من العلمانيين، لا يَسألون المُسلمين الذين يَستضيفونهم إلا عن السّياحة وبيعِ الخَمر والفنّ، المُوبقات الثلاثة، لا غَير!
هذه علمانيةٌ خَاسرة، حتى بمقياسِ الكفر، إذ لا يترتّب عليها إصلاحٍ ولا تقدمٍ ولا حضارةٍ. وليس لها هدفٌ إلا تدمير الدين، لا لذاته، بل كوسيلةٍ لتدمير الأخلاق، ومن ثمّ تشيعُ الفَاحشة وينتشر الخنا، ويتواعد عمرو حمزاوى وبسمة دون تكلف!
هذا لونٌ من ألوان الكفر يقع تحت قوله تعالى "إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْاخِرَةِ" النور 19.