الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
سَعد الكَتاتنى، عِصام العريان، محمد مرسى، مَحمود غزلان، نادر بكار، عاصم عبد الماجد، عماد عبد الغفور، إلخ إلخ .. تلك هي الأسماء التي استبدلها الشعب بأسماء عصابة المخلوع التي عايشناها ثلاثين عاماً كاملة.
لكنّ الأمر، أن هذه الأسماء الجديدة اللامعة، ليست هي وحدها التي سنسمعها في السنوات القادمة، بل إن أصحاب هذه الأسماء قد أفسحوا المَجال لأسماءٍ أخرى، كريهة مقيتة، تبعث في النفوس التقزز والإشمئزاز، أن تتردد في أجواء مصر، وتنشر خَبَثَها، وتُشيح بأيديها في أوجه الناس، وكأنهم أسيادهم وأولياء نِعمَتهم، حسين الطنطاوى، سامي عنان، ممدوح شاهين، بدين، عتمان، فلتكان..إلخ إلخ من أسماء تلك الشّرذمة القليلون، عملاء المخلوع، وأنصار الفساد وأولياء اليهود والنصارى.
من الذي سَمح لهذه الأسماء أن تبقى تتردّد في أجواء مصر، وكأن لأصحابها قيمة إنسانية أو حضارية، أو أن وجودَهم على مسرح الأحداث ضرورة مُلحة لصَالح هذا الشعب؟ هؤلاء الرجال الذين سمحنا لهم أن يكونوا على مسرح الأحداث، هم من فعل بنا هذا الجُرم، وترك هذه العِصابة المُسلحة تأخذ الوطن كله رهينة لديها، تُرعبه بسفك الدماء وإغتصاب النساء، وتلوّح له بالسحل والفتك. سمحوا لهم أن يمارسوا شذوذهم الدموي، في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وغير ذلك من مخازى، دون إعتراض. تركوهم يأدبون الشعب حتى يتسَنّى لهم إنفاذ محخططهم في "كامب سليمان".
ثم إن إصحاب هذه الأسماء الظريفة اللطيفة، لم يكتفوا بهذا، بل إنهم رضوا بأن يُجهضوا الثورة بالكامل، وبألّا يتركوا لها اثراً على الأرض. فرَضَوْا بأن تستمر حكومة العسكر ستة أشهرٍ، هكذا ادّعوا (!)، ترك قانون الطوارئ، ترك المحاكمات العسكرية والإتهمات العشوائية، ترك أمن الدولة كما هو، ترك الإعلام مملوكاً للعسكر، يوجهونه حيث يشاؤون، ترك دم الشهداء يَذهب بلا قَصاص على الإطلاق، دون أن توجه تهمة واحدة لضابطٍ واحدٍ! والأدهى والأمر، أن هؤلاء لم يكتفوا بهذا، بل تعدّوا إلى التصريح بالإستسلام الكامل للعسكر، ورضاهم بحكمهم، وعدم ثقتهم في الشعب الذي قام بالثورة ابتداءً، ورفعهم إلى كراسي الحكم انتهاءً. وها هو "الكتاتني يصرح ل«واشنطن بوست»: نريد إنهاء المرحلة الانتقالية دون إغضاب العسكر" الدستور، http://www.dostor.org/politics/egypt/12/january/11/66800، نعم، لا يريد الكتاتنى إغضاب العسكر! تُقتَل الأنفس، وتَضيع الحقوق، وتُستعبد البلاد، وتُسحل العِباد، لكن، لا نُغضب العَسكر!
يروّج هؤلاء السّادة، الذين كتب علينا الإصطباح بوجوههم لسنواتٍ قادمة، أنّهم أرادوا أن تكون لهم شرعية برلمانية أولا، يستطيعوا أن يواجهوا بها العسكر، وصَدّقهم في هذا من صَدّقهم، وأعَانهم عليه من أعَانهم، ثم إذا هم يتراجَعون خُطوة خطوة، يلحَسون كلامهم ويتنصّلون مما أشَاعوا من قبل، أنْ انتظروا ما سنفعل حين نحوز الأغلبية البرلمانية! لن نرضى إلا بتكوين الحكومة، ولن نقبل بأي وضعٍ خاصٍ للجيش، ولن نسمح بأي مشاركة في تدوين الدستور. ثم إذا بهم اليوم يعلنون أنّهم لا يريدون إغضاب العسكر!
هل يعلم هؤلاء ما هو ثمن إرضاء العسكر؟ دستورٌ علمانيّ، سيادة كاملة للجيش على الوزارات السيادية (الداخلية والخارجية والدفاع)، وضع خاصٌ للجيش في ممتلكاته وميزانيته، خارج الشرعية البرلمانية. هذا ما يرضى العسكر، وهذا ما يريدون، وهذا ما نحسب أنه قد تم الإتفاق عليه في "كامب سليمان"، غداة الإنتفاضة. ثم تَرَك كل فريقٍ الآخر يقوم بدوره دون تدخلٍ. فأظهر الإخوان أنهم مع الشعب وثورته، لكسب الأصوات، وأعانهم الجيش في تأمين الإنتخابات، ثم تحول اليوم حديث الإخوان، لضرورة إرضاء العسكر، وأنه لا مانع أن يكون للجيش وضع خاص، إذ هو جيشٌ خاص لا كجيوش الأرض كلها! وأنّ الدستور يجب أن يكون توافقياً، وأن المادة الثانية، التي يقبل بها العلمانيون والقبط وكفار الأرض كلهم، هي سقف المَطلب الإسلاميّ، وأنها لا تعنى أكثر من عدة مبادئ عامة، منصوص عليها في كل دستورٍ علمانيّ على الأرض، وأنّ الرئيس يجب أن يكون علمانياً، وأن المَجلس المنتخب لا حق له في تشكيل حكومة جديدة، حتى يتم طَبخَ الدستور، وتؤول الوزارات السيادية إلى يد الجيش دستورياً، وتتكرّس الخيانة والعمالة للصهاينة، حين يستقر أمر الدفاع في يد دولة الجيش الإنكشاري الجديد. فهل يحتاج الجيش لأن يتخذ أية أعمال إستثنائية لتدوين الدستور؟ لا والله، بل سيتولاها عنه تلك الطائفة الإخوانية، التي لا تريد إغضابه!
وسؤالنا لأصحاب هذه الأسماء اللامعة الطريفة: متى كانت شرعية التغيير نابعة من شرعيات برلمانية؟ أفقدتم عقولكم عن بكرة أبيكم؟ أين هي الشرعية البرلمانية التي أتت بإنتفاضة 25 يناير، ثم أتت بكم، واحسرتاه، لتصبحوا ممن يُسْتمع اليهم؟ ألم تكن الشرعية الثورية أولاً، هي التي بدّلت الأوضاع، وقَطَعت رأس الأفعى. ثم ها أنتم تخونون من ولاّكم، وتخدعونهم، إذ توهِموهم أنّهم بحاجةٍ إلى شَرعِيتكم البرلمانية الخَائبة، ليتبدل الحَال، ونخرج من تحت ظلم العسكر وأسرهم. هذا أخسّ مُخطّطٍ، وهذه أنذل مؤامرة واجهها الشعب المصري في تاريخه الحديث، بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من النصر، واستعادة دينه وحريته وثروته وكرامته.