الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عُنوان المقال يتحدث عن موضوعه. فنحن اليوم بين خَياران لا ثالثَ لهُما، إما أن نسير في طريق الثورة، ونخرُج للمُطالبة بحقّ الله، وبحقوقِنا، وإما أن نسير على خُطى الإخوان، الذين، فيما يراه كل ذي عينين نابذٍ للتعَصب، يقبلون ما يلقى لهم بالفتات، على أساس أنه جَهد الطّاقة، ويعلم الله أنه كَذِبٌ وخِداع، فهذا الذي نراه من استسلام للعسكر ليس جهد الطاقة الشّعبية. بل استعمل العسكر هذه الجماعة، ليفضّ بها التجمّع الشّعبي، ويفرّغ الثورة من مَضمونها، مقابل الكراسي البرلمانية الموعودة، لا يعارض في هذا إلا من لا فائدة من حواره.
إمّا أن نأخذ الطريق البرلمانيّ الديموقراطيّ الذي ارتضتْه الإخوان وتابعتهم عليه أذناب السَّلفية، وإما أن نتّبع طريق القرآن الصّافي الذي لا عِوجَ فيه ولا أمْت، والذي يضع القرآن دستوراً فوق الدستور، وحَكَما فوق رؤوس الحَاكمين..هكذا بوضوحٍ وبدون تميّعٍ أو تسَيّبٍ أو تَنازل.
والعجيب أنّ الكتلتين "الإسلاميتين" في هذا البَرلمان الكرتونيّ، متضادتان في مَطالبهما، وإنْ سارتا في نفس الطريق، نحو نفس المصير. فقد خَرج علينا اليوم مُتحدثٌ من حزب "النور" يقول أن الحزب يريد تطبيق الشّريعة كاملة، جُملة وتفصيلاً. جميل. لكن، ألا يعلم هذا المُتحدث أن المجلسَ العسكريّ الحاكم يرفض هذا التوجّه جُملة وتفصيلاً؟ ويعمل كلّ ما في وسعه، تصريحاً لا تلميحاً، لإعتماد دستور علمانيّ؟ ثم، ألا يعلم أن 55% من المجلس الكرتونيّ هم من الإخوان الذين لا يومنون بتطبيق الشريعة تفصيلاً، بل يؤمنون بتطبيق مبادئها الكلية، اي الحرية والعدالة، لكن يروْن أن أحكامها التفصيلية غير ملكوة للمجتمع، فولي الأمر يصدر تراخيص الخمارات، لكنه ينصح الناس بحرمة السكر. فإذا، كيف سيطبق هؤلاء المخدوعون من السلفيين الشريعة جنلة وتفصيلاً؟ هم سيجلسون في برلمان علمانيّ، يسيطر عليه علمانيون متدسرين بشعار الإسلام (الإخوان)، والباقي، وهم حوالى 20%، علمانيون صرفٌ أو أقباط مثلثون.
الأمر يا إخوة الإسلام، هو أن إرادة التَغيير غير مُتوفرة لا عند الإخوان، ولا عند السَّلفيين. ولنرجع مثلا إلى القَاعدة الذّهبية التي أرساها شيخ الإسلام بن تيمية، حيث قرّر أن "الإرادة الجازمة والقدرة التامة، لا بد أن ينشأ عنهما عَمل". وهي قاعدة شَرعية، وصِفَة نفسية، وسّنة كونية، لا تَختل. فإن فرضنا أن إمرءٍ أصابه العطش، وأمامه كوب من الماء، لكن وجدناه لا يمد يداً للكوب، فيكون أمره بين أمرين، أنه ليس عَطِشاً حقيقة، وإن إدعى العَطَش (وهو خللُ الإرادة)، أو إنه عاجزٌ لسبب ما عن تناول الكوب (وهو خللُ القدرة). وهؤلاء "الإسلاميون" قد توفرت لهم القدرة بلا خلاف، بعد أن ظهرت قوة الدفع الشعبيّ، على الأرض واقعاً لا توقعاً، وظهر وقوف 78% من الشعب خلفهم، سواءّ في الإستفتاء أو في الإنتخابات، واقعاً لا توقعاً. فإذا تحقّقت القدرة، ظهر أن العجزَ في الإرادة. هم لا يريدون التغيير، كلمة واحدة. الإخوان لا يريدونه، لأن دينهم يقول بإسلامٍ مُجمل لا مُفصّل، والسّلفيون لأن دينهم يقول بطاعة وليّ الأمر، كافراً كان أو مسلماً، طالما جَلس على كَرسي الحُكم، تغفيلاً وذهولاً.
ونعيد هنا، فإن "التكرار يعلم الشطار"، كما يقال، أننا لا نرفض الفكرة البرلمانية ذاتها، بل قد نَصرنَاها في أوّل الثورة، إجتهاداً منا في مناط مُحدد، حين أدّت العَاصفة الشّعبية العَارمة إلى أن فقد العَسكر التّوازن، وفقد الدستور شَرعيته، واستفتى الشعب على مواد تسعٍ، أضيفت اليها ستون مادة! تمويهاً للوضع القائم. وظهر وقتها أن الفراغ الدستورى القائم سيملؤه "الإسلاميون"، بإقامة دولة "لا إله إلا الله". لكن مع مرور الوقت، وظهور هوية كل فصيل وإتجاهه، وما هو عليه من دين الإسلام، أصبحت الفكرة البرلمانية مرفوضة شرعاً وواقعاً. وأصبح هذا البرلمان تجمع ضرارٍ، يُلهى الناس عن الطريق الوحيد الذي يُمكن أن يُمَكّن لدين الله الحق، والذي أظلنا وقته.
المُشكلة تكمُن في أنّ هؤلاء البرلمانيّين، قد رفضوا فكرة أن يتجرّؤا على العسكر، وأن يعتزوا بدينِ الله، وأن يَثقوا في الشّعب الذي نَصرهم ابتداءً، ثم سار ركبهم في الإتجاه الذي يخالف الإسلام الذي عليه الصحابة والتابعين والسّلف الصّالح، والذي ائتمنهم هذا الشعب على حفظه ورعايته.
الحق، يا إخوة الحق، فيما يؤدى بنا إلى إقامة دولة التوحيد، دين الأغلبية السَاحقة، التي تُحترم حقوق أقليّاتها، لأنه من دينها، لا من باب التَوافقية "الشِّركية"، أو المُواطنة "البدعية". فإن رأينا طريقاً يصل بنا إلى رئيسٍ علمانيّ، كما يريد الإخوان، تودداً لأمريكاً وتقرّباً من العَسكر، وحِفاظاً على وعدِهم في "كامب سليمان"، أو رأيناه يصلُ بنا إلى الخُنوع والإستكانة لولي أمرٍ كفر بشرعِ الله صَراحة، ورأينا شَرع الله يوضع على الرّف لصالح كلياتٍ عَامة يؤمن بها الكَتاتني والعريان وبديع، كما يؤمن بها نظير جيد وساويرس وبنديكت وأوباما، في حكم الدولة وتشريعاتها، عرفنا أننا سائرون على طريق الضلال، وإن زَيّن لنا الشيطان هذا الطريق، وألقى لنا فيه المُغريات والمُبررات ما ألقى، وأعمْانا عن طَريق الحق بالمُفتريات والحُجج السّاقطات، كمن يقيم الحُجة على صِحة مذهب الإخوان، بأنهم اعتقلوا وتعذّبوا طيلة عُقود عِدة! ووالله ما هذه بحجة ولا هذا بدليل! فقد عُذب نيلسون مانديلا، وعُذب جي جيفارا، وألقى بآلاف من الشيوعيين في السجون الغربية، وعُذب اليهود في سجون هتلر، جزاءً وفاقاً، ولم يجعلهم هذا على حق. وقد اعتقل وأعدم الحَلّاج المُلحد القائل بوحدة الوجود، ولم يجعله هذا على حق! عجيبٌ والله أمر هذه العقول الضئيلة التي لا ترى نور الدليل ولا تعرفه ولا تستدلّ به، لكنّه الجَهل المردى، والجاهلُ عدو نفسه.
ديسمبر 29 2011