إزالة الصورة من الطباعة

مع من يدور الصِّراع .. في مصر؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

السؤال الآن، بعد أن حَرّرنا الموقف على الساحة السياسية في مصر، وكشفنا عن المواقف الإخوانية، والبلاهة السلفية، هو من القوى الذين نصارع اليوم؟ ما هي القوى التي تقف في سبيل تحقيق هدف الثورة، الثورة على الكُفر والعلمانية، الثورة على الظلم والعبودية، الثورة على الفساد والمحسوبية، الثورة على كلّ ما فتّت هذه الأمة، والتهم ثرواتها، وسرق حاضرها، وأهدر حضارتها. الثورة لأجل إعادة كلّ ما هو ربّانيٌّ سنيّ، أخلاقيّ مُنضَبط، من أجل إعادة الرحَمة والبَسمة، والعَدالة والإستقامة.

نعرف اليوم أنّ المجلس النيابيّ القادم لن يقف في صفِّ الشعب، إذ إن غالبيته تنتمى لحزبٍ بديلٍ للحزب الوطني، تحت عباءة إسلامية خَدّاعة. إذ تمّ تشكيله بتواطئ بين العَسكر الكافر، وبين جماعة الإخوان، على أن يترك العسكر الإنتخابات تجرى بحرية تكفل أغلبية الإخوان، ويترك الإخوان السلطة الحقيقية في يد العسكر، ويتّبعوا الخطة التي رسموها لتسليم السلطة، زعموا!

المَجلس النَيابيّ إذن، هو من تلك القوى المعادية للثورة المصرية، بل هو رأس القوى المعادية للثورة المصرية، وإن بدا للناظر المُتعجّل أو الغرّير الأخرق، غير ذلك.

نعرف اليوم، بعد أن عَرفنا وتَيقّنـا طيلة الأشهر العشرة السابقة، أنّ المَجلس العَسكريّ، هو يد مبارك الباطشة، وأنه ما احتجزه وأهله ورموز نظامه إلا لحمايتهم من غضبة الشعب، إن أراد أن ينتقم لنفسه منهم. وقد ظهرت تصرفات هؤلاءالخونة من الوهلة الأولى، حيث قالوا لرئيس عصابتهم "خليك انت مريّح على جَنب يا ريس، واحنا هنوضبلك الكِلاب دول". ومن ساعتها والمؤامرة تتكشف خيوطها يوماً بعد يوم. وقد كانت قيادات الإخوان في غاية الحرص والمكر، حين عَقدت هذه الصَفقة مع العَسكر، تجَنّباً لأن يفعلوا فيهم ما فَعلوه في أسلافهم في 1952، و1956.

ثم يأتي العَدوّ الأقلّ قوةً والأصغر شأنا، والأضعف حيلة، وهم العلمانيون. فهؤلاء ليس لديهم أية قاعدة شَعبية يَستندون اليها، إذ بين الثلاثين بالمائة التي خرجت من يد الإخوان والسلفيين، يوجد خمسة عشر بالمائة من فلول الوطنيّ الذين اشتروا الأصوات، ثم من الخمسة عشر بالمائة الباقية، تجد  ستة أو سبعة بالمائة من القبط، فيبقى للعلمانيين والليبراليين ما يقرب من سبعة إلى ثمانية بالمائة. قوة هزيلة لا تمثل أي صدى على الحَلبة السّياسة. وهؤلاء مضمارهم أجهزة الإعلام الفاسدة، لا الجماهير الحاشدة، فلا أعتقد أن البال يجب أن ينشغل بهؤلاء، بل إن الإنشغال بهم هو من قبيل تشتيت الجهد، يُقصد به صَرف الجهد والوقت والنظر عن الخَطر الحقيقيّ في وَضعنا القوميّ اليوم، بل هم في الحَقيقة من يُواجه العَسكر اليوم، ويكشف تخاذل الإخوان، وياللعجب!

القوى التي تهدد مشروعنا القوميّ الإسلاميّ اليوم، هم القيادات الإخوانية أولاً، ثم القيادات العَسكرية ثَانياً. والقيادات الإخوانية تأتي في الخطر قبل العَسكرية لأنهم يتدَسّرون بلباس الدين، ويطلقون على أنفسهم جماعة إسلامية، ويبدؤون حديثهم، في غالب الأمر، بالبسملة. هذا هو الغطاء الذي جعل الكثير من الناس، بل كثير من المشايخ العلماء، بل حازم أبو اسماعيل نفسه، يوصى بانتخابهم، غافلين عن أنهم هم الشوكة في حلق الثورة، ورأس الحربة التي يَضرب بها العسكرُ مصرَ في القلب.

لولا هذه الخيانة المريرة، لما تَجرّأ العسكر على أن يقفوا في وجه عشرات الملايين من البشر الغَاضب، بكل عدتهم وعتادهم. لكن هؤلاء لا يدينون لهذا الشعب بأي ولاءٍ، إلا ولاءهم لتجمّعهم "شبه الإسلاميّ". هؤلاء هُم من يُسوّقون للسيطرة العسكرية على الحكم من الظل، طالما أنهم يجلسون على كراسي البرلمان. ولا يدرك هؤلاء أنهم بذلك يُضعِفون الأمة، ضَعفاً على ضعف، إذ إن الجيوش، كما ذكر إدوارد جيبون في مقدمة رائعته "إضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها"، من أن الجيوش حين تتولى الحكم، تتحول إلى مؤسسات تجارية، تُبعدها عن الغَرض الأساس التي أُنشِأت لأجله وهو الحرب، فيسهل غزوها وسحقها. ولنا في تارخنا القريب مصداقاً لما قال هذا المؤرخ العظيم، من هزيمة 67، التي سُحقت فيها ثلاثة جيوشٍ عربية مرة واحدة في ستة أيام، لا غير.

المشكلة التي يجد المصري المسلم نفسه فيها الآن، أنّ من انتخبهم ليمثلوه في البرلمان، لا يؤمنون بالثورة على النظام السابق. وكيف يؤمنون بالخروج عليه، وهم، بتصالحهم معه على مثل هذا الإتفاق، أصبحوا جزءا منه، مصلحتهم من مصلحته؟ هل يكون العدو معاهداً؟ نعم، يكون العدو معاهداً كما أن بني صهيون عاهدوا السادات في كامب ديفيد معاهدة الخزى والعار، وسلبوا مصرنا حقوقها وكرامتها. هذه هي النوعية من الإتفاقيات التى يمكن أن تُبرم بين قَوىّ غالبٍ، وبين ضَعيفٍ مُرتعشٍ خَائب.

إن الإتفاق بين الإخوان والمجلس العسكريّ يَسلبُ مصر حقها في أن تحكُم نفسها بنفسها، وأن تُملى إرادتها على حكامها، وأن تتبع الإسلام دينا، والشرع مصدراً. ولأن دين الإخوان له "ثوابته" التي تتغير مع الأوضاع السياسية، والتي هي أساساً لا ترى مشكلة التشريع بغير ما أنزل الله كما يراها أهل السنة، كقضية توحيد وكفر، بل لا يرى أن السلطان يجب أن يُلزم أحدٌ بشئ إبتداءاً، فهم، بهذا الفهم العلمانيّ للدين، لا حرج عليهم أن يوقّعوا مثل هذه المُعاهدات، ولو مع الشيطان نفسه (ومجلس العسكر أحد جنود الشيطان الأوفياء).

لقد أنكر الإخوان أن يكون بينهم وبين العسكر إتفاق، إنكاراً يقرب من الإعتراف منه إلى الإنكار، إذ خَرج ضعيفاً هزيلاً، مرة واحدة، وقد أطبقت القوى الأخرى كلها على وجود هذا الإتفاق. وقد قامت على صحة وقوع هذا الإتفاق، ولو كان ضمنياً، من القرائن القوية التي ترقى إلى مستوى الدليل الأكيد، كما علمنا في أصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث. كما أنه ليس هناك أيّ مبرر آخر لحرص العسكر على إجراء الإنتخابات، رغم علمه الأكيد بأن الإخوان سيحصدون الحصيلة الأكبر فيها، إلا أن يكون ما وراء الستار قد ضَمَن عدم جدوى هذه النتيجة. ومن لا يرى هذا، لم يعرف في مسارب السياسة وطرقها إلا معرفة الوليد بنسبية آينشتين!

الصراع اليوم في مصر دائرٌ بين معسكرين، الأول هو معسكر العسكر، وفي صَفهم الإخوان، وفي ذيلهم السّلفيون، وهم الفريق الذي أقرّ بقاء العَسكر في تَحكّمهم، ورَضى بنسخة مُعدلة من الإسلام. ومعسكر المسلمين، كفريق حازم أبو اسماعيل ومن معه ومن والاه، ممن رفَضَ وجودُ العَسكر ابتداءاً، واستحى من الله سبحانه أن يقبل تعديل دينه، وأعلن أن الكرامة هي طريقنا وسبيلنا في الحياة، ثم توابعهم من العلمانيين، الذين، وإن رفضوا حكم الإسلام، إلا أنهم رفضوا الطغيان وتحَكّم العسكر، طمعا في الحرية الطليقة التي يعتقدون أنهم، من خرابهم، يمكنهم بها أن يخرجوا على شرع الله أنّى شاءوا. وكما ذكرنا من قبل، فإن الإختلاف في الأيديولوجية، لا يمنع من إتحاد الهدف.

معسكران، يعملان ضد مصر والإسلام، أولهما الباطل فيه غالبٌ وهو معسكر العسكر، والحق فيه مجرد ظاهر إسلاميّ مختل، والآخر، الحق فيه هو الغالب، وهم المسلمون الين لم يتلوثوا بالجماعات السياسية التي تتدثر برداء الإسلام ظاهراً، والباطل فيه علمانيون، يبحثون عن شرعية يقفون تحت لوائها!

والتمييزُ بين الحقين والباطلين، ضرورة حتمية لإيضاح صورة الصراع الدائر، ومن سيقف إلى جانب الحق الأغلب، ومن سيسقط في فخ الباطل الأغلب.

وما علينا الآن إلا أن نلتزم بمعسكر الحق، الذي فيه معسكر الشيخ حازم أبو اسماعيل ومؤيديه من مشايخ الحق كالشيخ رفاعي سرور، ومن الجبهة السلفية وأهل السنة والجماعة، نؤيده ونخرج معه وننصره، إلى أن يفتح الله بيننا وبين معسكر الباطل.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

ديسمبر 23 2011

أفراد ال