إزالة الصورة من الطباعة

غداً .. اصدقوا ما عاهدتم الله عليه!

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

رغم إيماني بقول الشاعر "فإن غدا لِنَاظِـــرهِ قَريبُ‏"، إلا إن غداً يبدو لي بعيدٌ بُعد المَشرقين .. وأكاد أدفع الأيام بيدىّ اليه دفعا، فقد انتظرته طويلاً، أكثر من أربعين عاماً، منذ السبعينيات، وانتَظَرَته مصر أكثر من ثمانين عاماً، منذ الثلاثينيات. ولا غروَ، فهو يوم الحق والصدق، يوم الشريعة والدين، يوم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يوم يخرج المسلمون للإسلام، ولتطبيق شرع الله سبحانه، دون أن تشغلهم لقمة العيش، أوحفظ المال والولد. عرفوا، دون دراسة أو تعمقٍ، أن حفظ الدين مقدمٌ على كلّ شئ، وعرفوا أنهم يواجهون مَجلساً، قد استقوى بالجيش من ورائه، يريد أن يفرِض على الدولة سُلطانه، بعد أن خرّبَها ستين عاماً كاملة، ويريد أن يفرض علمانية الدَولة، ويضعَ الشرع جانباً، أخزَاهم الله من تسعة عشر.

عَلم المُجاهدون الصَادقون أنّهم لا يخرجون على أمثال سليمان بن عبد الملك، أو هارون الرشيد أو المنصور أو المأمون، أو أيّ من هؤلاء الخلفاء، الذين وإن طغى بعضهم وتجبّر، إلا أن شرع الله في الأرض كان هو الحاكم، لا حاكم غيره. أما هؤلاء، لعنةُ الله عليهم، فقد جعلوا شَرع الله وراء ظُهورهم، بل وأرادوا، لو استطاعوا أن يَدوسوه بأقدامهم، علانية وصراحة، شُلّت أقدامهم. جاؤوا بكلابِ العلمانية، كالسلميّ والجمل، وأوكلوا لهم مهمة فرض قوانين، يطلقون عليها "دستورية"، وهي جبريةٌ ديكتاتورية، يثبتون بها أقدامهم، ويُنفّذون بها أحكامهم، لمّا عَلموا أن الغَالبية الشَعبية ضد حكمهم الكفريّ العلمانيّ الفاسد، وأن ديموقراطيتهم لن تكون لهم سنداً. فما أبعد ما بين المثالين، وما أضلً من جمع بينهما، من الذين ضلّ بضلالهم الكثير من الشباب الغرّ الجاهل المَخدوع، فسوّوا بين الحق والباطل، وجعلوا طلب الحكم بالشريعة، خروجاً كخروج الحرورية على عليّ رضى الله عنه، حين رفعوا شعار "إن الحكم إلا لله"، وكان علياّ رضى الله عنه هو الأولى بهذا الشعار، وهو من طَبّقه. لكنه تَحريف الكلم عن مواضعه. فسوى هؤلاء السُذَّج المخدوعون بين علىّ رضى الله عنه وبين الطنطاوىّ! بين من لَجأ إلى شَرع الله يحكمُ به في أرواحِ المُسلمين، وبين من اتخذ كلّ وسيلة لمَنع هذه الشَريعة من التطبيق! ألا إنّ الهوى لمُضِلٌ لأهله، وإن الجهل لَمُرْد لأصحابه!

ستسمعون، أيها المُجاهدون، مِنَ الذين مَرِضَت قلوبهم، وانحَرَفت أفهامُهم، وضَلّت أحلامهم، أذَى كثيراً، وتثبيطاً وتخذيلاً، وإيهاماً وتغريراً. لكن والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لعلى الحق، لا تطلبون غيره، ولا تعتدون على أحدٍ إلا من بدأكم بعدوان.

إنّ هؤلاء الذين يُحاربون الله ورسوله، ليسوا فئةً باغية، بل هم ممّن كفر بشرع الله، وأراد تنحيته من الحياة، وإرغامِكم على التَحاكم إلى ما تمليه عليهم شياطينهم، والله سبحانه يقول "وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ(49)أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُونَ" المائدة  50. ها هو الله سبحانه يُحذّرنا من أن يلفِتنا هؤلاء عن بعض الشريعة، ويسميها سبحانه "حكم الجاهلية". لم نسمها نحن جاهلية، ولم يُسمها سيد قطب جاهلية، بل أطلق عليها الله سبحانه "حكم الجاهلية". أنتم تَقفون في وَجه حُكّام الجَاهلية، الذين يريدون أن يَفتِنوكم عن كلّ ما أنزَل الله اليكم.

المجلس العسكريّ لن، أقول لن يتراجع عما قرره من تثبيت سلطته في البلاد، ومن دعم العلمانية، والوقوف في وجه الغالبية المسلمة، إذ هو، بالنسبة للتسعة عشر، أمر حياة أو موت، لا فصال فيها. هم يُريدون الإحتِفاظ بمكتَسَبات العَسكر في العقود السابقة، ويعتقلون مصر كلها، كببقرة حَلوبٍ، تُدرُ عليهم بلايين من الداخل، من مصانع ومزارع وفنادق، وبلايين من الخارج، عمولة من أمريكا لضمان إستمرار مصر في وضعها المُهين أمام العدو الصهيونيّ. هؤلاء لن يُسلموا الحقّ إلى أهله، بل يجب أن يُنتزع منهم انتزاعاً، كما أشار القرآن الكريم.

ليس لكم وجهة اليوم، أيها المجاهدون، إلا وَجه الله، تبغون نَصرة دينه، وتقرؤون الواقِع بأبْصاركم وبَصائركم، لا بأعين مَشايخ الفَضائيات وأرقامِ حساباتهم. تعرفون أعداء الله وأعداء الإسلام، ولا توادوهم إن كانوا ممن حادّ الله ورسوله "لَّا تَجِدُ قَوْمًۭا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓا۟ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَ‌ٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ " المجادلة 22. هو مبدأ توحيديّ عام، في الولاء والبراء. وهؤلاء التسعة عشر قد حادوا الله ورسوله، لا ينكر هذا إلا مُغرضٌ أو مَهبول.

قفوا في وجه العلمانية العسكرية الديكتاتورية، وقفة رجل واحد. ولا تتخَلوا عن الشيخ الفاضل حازم أبو اسماعيل، في وقفته هذه، ولا تفعلوا فَعلة أهل العراق مع الحسين رضى الله عنه، وإن كان القياس فيه ظلمٌ ليَزيد، على ما في يزيد ما فيه من مَظلمَة شَنعاء، فالطنطاوى وعنان أبخس من أن يقارنا به، وهو من قاد جيوش المسلمين في حصار القسطنطينية شهوراً.

إن شاء الله تعالى، ستنفرج الأمور، ويأتي اليسر بعد العسر، ونلقى أحبابنا في مصر بعد زوال الحكم العسكريّ

"وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ"الصافات 171-173

"إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِۦ ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ"آل عمران 160