إزالة الصورة من الطباعة

هل يَصلحُ الفرع .. والأصلُ أعوجٌ؟

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

أعود مرة أخرى إلى قضية المنهج، وعلاقته بصحة التصور وتقدير الأمور، فإنها قضيةٌ، فيما أحسب، مركزيةٌ فاصلةٌ بين من يتخَبّطُ في رؤياه، ومن ثمّ في قراراته، وبين من هو ثابتٌ على الحقَّ، يرى ما يحدث بنور من الله، وفي ضوء منهجه. وقد كتبتُ قديماً:

أيَصلحُ الفرع والأصلُ أعوجٌ؟               هذا حديث في العقول مُحـالُ

الفـرعُ جزءٌ لا يَصِح وجــودُه                  أصلاً، وأصلُ وجودِه هَلهَالُ

العلمُ أصلٌ، ثم فـرعٌ تـــــــابعٌ                  إلحاق فرع بالأصول عضالُ

فاحفظ أصُولك، إنها مَحفوظَة             دوماً لتُرشِد في الحياةِ رجالُ

الأصول الكُليّة العامة، هي بمثابة مناراتٍ على ساحل الفكر والنظر، ترشد السارى إلى الطريق، فلا تختلط عليه المداخل، ولا تتشابك أمامه المسالك. وهي التي تصحح الفروع التي تندرج تحتها، لا العكس.

ومن أهم الأمور هنا أن أشير إلى أنّ أهمية الفروع (أو الجزئيات) في الأحكام الشرعية، ونعنى بها تفاصيل الأحكام من آياتٍ وأحاديث، تنبُع من إنها هي مُكونات الشرع الثابتة التي رصد من خلالها العلماء كليات الشرع وعموماته، إذ هي مفردات آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمّ يجب النظر فيها، بجانب أصولها على قدم واحدة، لا يُغضُ الطرف عن أيِّهما.  أما الفروع التي نقصد هنا، فهى مسائل الإجتهاد خاصة في باب المصلحة المرسلة التي لم يثبت فيها نصّ بعينه، وإنما دلت عليها الشريعة بكلياتها العامة. وهذه الفروع، هي بلا شك تخضع لتصحيح وترشيد الأصول بشكل شبه تامٍ لأن تلك الأصول هي أصولها، بلا نصٍ شرعيّ محددٍ يقويها.

وأعود إلى حديث الواقع، وإلى تطبيق عمليّ لهذه الألغاز الأصولية. الحكم في مصر اليوم بيد المجلس العسكريّ عن طريق حكومة عميلة برئاسة عصام شرف، والمجلس العسكريّ يحكم بنظام مبارك، ديكتاتورية عسكرية، تعتمد على المنظومة الأمنية، وعلى تزييف الإعلام، وترويض العدل، وفساد القضاء. هذا هو الأصل في حكم البلد اليوم. أما انتخابات المجالس النيابية، والنقابية، والرئاسية، وكافة الإجراءات الأخرى من مناقشاتٍ ومناوشات لتحسين الأجور، وتخفيض الأسعار، وتأمين الوظائف، إن هي إلا فروع لهذا الأصل الحاكم، إن صَلُحَ صلحت، وإن إختلّ، لم تقم لها قائمة. هكذا تعلمنا في أصول النظر والإستدلال.

من هنا يأتى زيفُ الفكرة القائلة إنّه يجب التريّث، وإنتظارُ ما تأتي به الإنتخابات، إذ نحن إذن نحاول شقّ المَاء بالمعولِ.. وهيهات. لا يمكن أن يصلحَ فرعٌ وأصلُه سَاقطٌ خَرِبٌ. كما يظهرُ زيفُ القول الذي يتمسّك به من ليس له عِلم بالشّرع، أنّ "ما لا يدرك كله لا يُترك كله"، إذ يتعلق هذا بما لا يمكن إدراكه، إلا بجهدٍ خارج عن القدرة العادية المشروعة، والجهاد في موضع الجهاد، مشروعٌ مقدورٌ عليه، والله سبحانه لا يأمر بما لا يُستطاع، وإلا تعطلت كافة التكليفات التي تُلزم المسلم بأن يتخطى قدر المشقة العادية إلى التضحية بالمال والنفس في سبيل تحقيق مقصد الشرع، والذي غالباً ما يكون مقصداً مُتعلقاً بالصّالح العَام لا الخاص، وبالصّالح الحَالّ دون الآجل.

لا يصلح أن نترك الخَراب الحاصل في المجلس العسكريّ بدعوى أنه لا يجب أن "يترك كله"! فإن بعضه الذي سيُدرَك سيكون خاسِراً طَافحاً بالفساد، ملتفحاً بالعطن، مُستصحباً للطغيان والإستبداد، بل ومُعيناً عليه.