إزالة الصورة من الطباعة

' لَيُخْرِجَنَّ ٱلْأَعَزُّ مِنْهَا ٱلْأَذَلَّ..'المنافقون 8

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

لا أدرى عن هذا البرود الذي تتلقى به "التيارات الإسلامية" تلك الأنباء التي ترخّ على رؤوس المسلمين، تقريبا كلّ يوم، عن قانون أو آخرٍ يستهدف دين المسلمين وشرعهم، لكنى لا أقرُّه ولا أرضاه، ولا أراه من الإسلام في شئ.

فئتان في مصر اليوم، قد تحدث عنهما القرآن، في مَعرض بيان معنى توحيد الله، ومعنى الكفر بالله. أحدهما هي التي تتولى، أو تدعو من يتولى، الحكم بالإعراض عن شرع الله، واستبدال شرائعه بقوانين وضعية أو "مدنية" كما يحبون أن ينافقوا في تسميتها، قال تعالى "أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُون" المائدة 50. والفرقة الأخرى، تدعو إلى تبديل تلك القوانين، بعد الإعراض عنها، بسنّ قوانين يزعمون أنها لا تتعارض مع الإسلام. وبين هاتين الفئتين الضالتين، يتم التلاعب بالدين وتبديله، بعد تنحيته عن مسرح الحياة ابتداءاً.

قانون توحيد دور العبادة، وقانون مَنع التمييز، وقانون تبديل الدين، كلها برزت إلى السطح بغاية القوة بُعَيْد انتفاضة 25 يناير. ثم دُبّرت أحداث ماسبيرو بليلٍ، ليتصوّر البعض من هَطلى المسلمين أنّ هؤلاء يضغطون على مجلس الخيانة العسكريّ لتمرير هذه القوانين، التي هي من تدبير الكنيسة وتطبيق المجلس ومُباركة السفارة الأمريكية.

ثم ماذا نسمع من "الإسلاميين"؟ حديث لياسر برهامي، يُدين قانون التمييز، ويُعلن على الملأ أنه مخالف للشريعة! لا أكثر ولا أقل. كيف أدى حشد عدة آلافٍ من عباد الصليب القبط إلى سرعة تلبية رغبات الكنيسة، ولم يؤثر حشد عدة ملايين من المسلمين، على رغم أنف عدد من شيوخ "السلفية المُروّضة"، في أي نتيجةٍ تفيد الإسلام والمسلمين، ولو بكلمات تبشر بتطبيق الشريعة، التي هي دين الملايين الثمانين في مصر؟

من هم الأعزّ في مصر إذن، ومن هم الأذلّ؟ عرفنا وآمنا أن "الإسلاميين المُروَّضين" لن يَهبّوا هبّة رجل واحدٍ في وجه من يعبث بدينهم ويبدّله وينحيه، لكن، ألا تأخذهم الغيرة على دينهم، أنهم الأكثرية التي يجب أن يُسمع لها، بينما الأقلية تعبث، في العَلن لا في الخفاء، وتظهرُ نتائج تلاعبها قوانيناً ومراسيما؟ لقد استهزأ مشركوا قريش بالمسلمين، وبرسولهم صلى الله عليه وسلم، وبدينهم، في مَكة، حين كان المسلمون أقلية ضعيفة، أمرَها الله سبحانه بالصبرِ على الأذى. أمّا في المَدينة، حين كان المسلمون أغلبيةّ، تَحدَّد من هو الذي يتنحّى عن الطريق ويأخذ جانباً، ومن هو صاحبُ الحق الأصيل في دار المُسلمين في المدينة، وبيّن الله سبحانه من هم الأعزّ ومن هم الأذلّ. لكننا الآن لا نكتفى بإصدار قوانين تجعل الأعزّ هم الأذلّ، والأذلّ هم الأعزّ، بل ونسكت عن محاولة تبديلها، بحجةِ .. والله لا أدرى بأي حجة!

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُخرِج الأذلّ وقتها، وهو عبد الله بن أبيّ بن سلول، وذلك لفائدة ارتآها لمصلحة دين الله، أن لا ترغم أنوف رجالٍ ليس من المصلحة استعداؤهم، لأنه صلى الله عليه وسلم، عَلم أنهم سيكونون هم قاتليه بعد. فالأمرُ ليس أمر إجلاء وإخراج، بل أمرُ مبدإ، هو "من الأعَز ومن الأذَلّ" في دار المسلمين هذه؟

كلا، لسنا سواءا، ومن قال بتساوى المسلم والنصرانيّ فقد كفر بالله العظيم، وقد قال تعالى "قُل لَّا يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ"المائدة100، وقال "قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ " الزمر9، وقال "وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ﴿19﴾ وَلَا ٱلظُّلُمَـٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ ﴿20﴾ وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلْحَرُورُ ﴿21﴾ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَحْيَآءُ وَلَا ٱلْأَمْوَ‌ٰتُ"فاطر 22. وهم عميٌّ خبثاءٌ، في ظلمات الشرك، لا يعلمون. لا والله لا يستوى المسلم والكافر الصليبيّ أبدا في دين الله، وإن تساوا في الحقوق والواجبات، حسب ما تبينه الشريعة الغراء. لكن هؤلاء القادة والمشايخ، لا ينظرون إلى الصورة متكاملة، وما يراد بدين الله، إنما هي يكتفون بشجب قانون قانون، وكأن ليس هناك عقد يجمعها وهدف يوحد اتجاهها، وكأن مُصدريها في غيبوبة عن أثر هدم الشريعة خطوة خطوة، فهم، كما يقول الدعيّ محمد حسان، لا يجب تخوينهم، بل هم بُرَءَ‌ٰٓؤُا۟ مما يَصدر عنهم!!؟

إن هذه التصرفات ذاتِها، التي تغض الطرف عن الممارسات الكفرية العابثة، والتي احترفت بعض فئات الإسلاميين غض الطرف عنها، صمتاً عن الحقّ، وموالاة للباطل، ودَرُب عليها بعض المشايخ، خاصة  منذ بدأ رجالهم يعجبون بلعبة السياسة، تصور لهم أحلامهم أنهم من رجالها ومشاهيرها، هذه التصرفات هي ذاتها تميِيع لدين الله ومبادئه ومنهاجه في عقول الشباب وطلبة العلم والعامة. ووالله إن قوة الدفاع عن أمرٍ دالةٌ في حبه، كما أن قوة الهجوم عليه دالةٌ في بغضه، دلالات لا تتخلف. فلا يغرنك من فعل ذلك، ثم ادعى غيره، كالعلمانيين الذين يهاجمون الإسلام بشراسةٍ نَادرة، ثم يدعون حبه والإنتماء اليه، كذباً ونفاقاً.