إزالة الصورة من الطباعة

الحَاضرُ المِصرىّ .. وحِراكُ المُواجهة

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

التداعيات التي يتوقعها المُراقب للحَالة المصرية الحَاضرة، وبالتحديد في الأسابيع القليلة المقبلة، سيكون لها أكبرُ الأثر على مستقبل مصر وأجيالها القادمة، والعالم العربيّ كله، لعقودٍ قادمة بلا جدال.

الفشل الذي منيت به انتفاضة 25 يناير، في تحقيق آثارها المتوقعة، لم يكن تامّاً أو نهائياً. فالحِراك الذي أحدَثته تلك الهَبّة الشَعبية العَارمة، والتي وُلدت من رَحمِ الأمة، لا من تحتَ عباءة أي إتجاه سياسيّ أو دينيّ، قد أيقظ البَصائر وحَرّك الضَمائر، وجعل الرجوع إلى ما قبله، دون إراقةِ الكثير من الدّماء، أمرٌ غير واردٍ. ولهذا السّبب، فإن الحِراك القَادم يجب أن يَكون مَحسوباً ومَدروساً، ولا يجب أن ينخدِع أحدٌ بإعلان العسكريّ عن موعد الإنتخابات في نهاية نوفمبر، فهي مسرحيةٌ تاليةٌ لمسرحية محاكمة مبارك.

وقد كان من أول وأهم أسباب فشل انتفاضة 25 يناير في تحقيق أهدافها، وتحولها إلى إنتفاضة شعبية، هو عدم وجود رأسٍ أو مُوجِّه لها، فرداً أو جماعة، يأخذ بيد الثوار من خلال رؤية واضحة، من خطوة إلى تاليتها، حتى يصل بها إلى النجاح. كان عنصر المفاجأة هو المُحرّك الرئيس للقوى الشعبية وللقوى الفاسِدة المُعارضة على السّواء.

 هذا النقص قد تدارَكته قوى الفساد والمعارضة، مُتمثلة في المَجلس العسكريّ والحكومة، وفي قوى الفلول والداخلية وأمن الدولة، فنظّمت صفوفَها وحَبَكت خططَها. كما تصاعدت وتيرةُ الحِراك الصَليبيّ القبطيّ بشكلٍ غير مسبوقٍ، لكسب ما يمكن في ظلّ هذا الهَرَجِ والغيابِ القانونيِّ والدستوريِّ في البلاد، فنُظمت المظاهرات، واتّخذت شكل العنف قصداً بغرض إشاعة الفوضى لحساب المَجلس العَسكريّ، وكاستعراضٍ للقوة والوجود لتخويف المسلمين من المُواجهة.

كما أن القوى الشعبية قد إستفادت، بشكلٍ محدودٍ، من هذه الفترة الإنتقالية التي تهيؤ للحِراك الثاني، حِراكُ المُواجهة. فظهر من يصلُح للقيادة العامة، وهو، حصرياً، الشيخ حازم أبو إسماعيل، كما ظَهَرت بعض قوىً محلية تقود تجمعاتٍ إسلامية، وقيادات شَبابية تميّزت على الأرض وعلى شبكة النت، وإن لم يكن أثرها قد ظهر واتضح بعد على أرض الواقع.

وكما ظهرت قوى قيادية رِئاسية وفرعية جديدة، فكشفت السّاحة عن الوزن الحقيقيّ للكثير من "المتكلمين"، سواءاً أفراداً أو جماعات أو أحزاب. فظهر الوجه الحقيقي لأمثال عبد المنعم أبو الفتوح، وسليم العوا وهشام البسطاويسي. وتأكدت هويات الآخرين كالبرادعيّ، وحمدين صباحي، وأيمن نور، وثبت نفاق عمرو موسى. وظهر حزب النور السلفيّ على السطح، وإن كان، إلى اليوم، جسداً بلا حراك، وظهرت العديد من الأحزاب الكرتونية الجديدة، التي هي حراكٌ بلا جسد.

الأمر اليوم أن الساحة الشعبية تَعجُ بمكوّناتٍ متباينة مختلفة الأغراض والمشارب والأيديولوجيات، على عكس قوى الفساد والديكتاتورية، التي هي على قلبِ رجلٍ واحدٍ فاسدٍ. وهو الأمر الأشدُ خطورةً على الحِراك الثاني والمُواجَهة القادمة.

إن كل كلمة تصدُر اليوم عن مُرشح(!) للرئاسة، أو قيادة حزبيةٍ أو زعامة دينية، لها دلالتها القصوى في بيان موقفه أو موقفها من الأحداث المرتقبة، أو هكذا يجب أن تكون. فعلى سبيل المثال، أعلن حمدين صباحي أن المجلس العسكريّ هو الأصلح للقيادة في هذا الوقت، وهو ما يرسم للمراقب إتجاهه في ساحة المواجهة القادمة، وهي أنه أجبنُ من أن يواجه العَسكر. كذلك فعل العوّا فعل الصباحي، تشابهت قلوبهما. أما البرادعيّ فقد التزم بسياسته الثعلبانية الزئبقية، التي لا يظهر منها توجهاً. وكان الوحيد الذي أعلن وقوفه في صفّ الحراك الثاني والمواجهة هو الشيخ حازم أبو إسماعيل، حفظه الله. وأظهرت الإخوان بعض التعيير "الكلاميّ" الذي لم نعهده منها، فأعلنت أنها لن ترضى باستيلاء العسكر على الحُكم، وأنها سَتكون طرفاً في المواجهة، ومع الشك فيما يصدر عن الإخوان بشكل عامٍ، فقد أفلحوا إن صَدقوا. والتزم السّلفيون الصَمت في الأيام الأخيرة، إلا ما كان من تعليق ياسر برهامي على قانون العبادة الموحد، تعليقاً دبلوماسياً رقيقاً، يستجدى ولا يستعدى! وانشغلت الجَماعة الإسلامية بتأكيد إصرارها على المشاركة في الإنتخابات القادمة(!)، وعلى وقوفها في صَفّ المَجلس العَسكريّ(!!)، وفرحتها بقبول حزبها. ثم قام القبط الصليبيون بتحركاتٍ عدةٍ، يريدون من خلالها أن يستولوا على الكثير من مقدرات الأمة المصرية، تحت زعم المساواة والعدالة، وهم في ذلك يسيرون في الخطّ العلمانيّ بشكلٍ عامٍ، بالتعاون مع التجمع العلمانيّ ممن يدعون أنفسهم شباب 6 ابريل، الذين يريدون إشاعة الفوضى لعرقلة الإنتخابات (إن كان ما سيفعله العسكر انتخابات حقيقية!)، بزعم أنها ستأتي بالإسلام إلى الحكم، وهو ما تُصرح به الإدارة الأمريكية اليوم.

الحَاضرُ المِصريّ يستدعى اليقظة كأشد ما تكون اليقظة، والجرأة كأشد ما تكون الجرأة، والبصيرة كأحَدّ ما تكون البصيرة، والعزيمة كأمضى ما تكون العزيمة.