إزالة الصورة من الطباعة

في الديموقراطية والرأسمالية .. كلمةٌ أخرى

الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

المشكلة التي نواجِهها مع "مثقفينا" أنهم ليسوا على أي قدرٍ من الثقافة، خاصة فيما يتصايحون به، ويسبّحون بحمده من مفاهيم ومبادئ. وقد تناولنا بعض هذا في مقالنا السابق عن "الرأسمالية الغربية .. ملامحٌ وتاريخٌ". ونواصل في هذا المقال النظر في بعض ما فات هؤلاء "المثقفون" أن ينظروا فيه، نظرة فاحصة أو حتى عابرة.

حين تحدثنا عن التثليث الغربيّ في منظومة العلمانية/الليبرالية/الديموقراطية، ذكرنا أن هذه المنظومة تخدم النظام الرأسماليّ، بمفهومه الغربيّ، الذي يسخر كلّ شئ لخدمة طبقةٍ رفيعةٍ ثريةٍ، من بشر وحجر وماءٍ وشجر، وكافة المصادر على وجه الأرض. لكن المثير للدهشة أنّ هذا النظام يحاول أن يبيع سلعته ويُمضى لعبته على الناس، من خلال تناقضٍ واضحٍ صريحٍ في أسس بنيانه، وهو أنّ مفهوم الديموقراطية يتناقض تمام التناقض مع المفهوم الرأسماليّ، أو مفهوم السوق الحرّ. وهو ما يجعل أحد المفهومين يسقط في التطبيق لصالح الآخر، إذ لا يمكن التوفيق بينهما، في نظامٍ واحد.

الديموقراطية تعنى، في المَقام الأول، التساوى أمام النظام، قيمةً وتأثيراً، ولهذا فإن أصوات الناخبين تتساوى، نظرياً، صوتٌ لكلِ فرد، غنىٍّ أو فقيرٍ، أبيضٍ أو أسودٍ. إلا إنّ الرأسمالية، تعنى العكس تماماً من هذا النظر، إذ هي تقوم على مبدأ المنافسة، يفوز القوى، ويهلك الضعيف. يرتفع الأبيض، وينخفض الأسود. وهو ما يضاد مبدأ المساواة والعدالة الإجتماعية، ويضرب مفهوم الديموقراطية في الصميم.

الرأسمالية تقوم على مبدأ أن من عنده البعض، أمكنه أن يحوز أكثلر وأكثر، وسرعان ما يتحكم في الكلّ، ويتلاشى مبدأ الديموقراطية، ويصبح النظام السياسيّ الديموقراطيّ خادماً لصاحب الأكثر. ومن أراد مثلاً، فليس هناك أبرز مما نوهنا عنه في المقال السابق من المساعدة التحفيزية ، "Stimulation Package"، والتي وصلت إلى أكثر من سبعمائة بليون دولار أمريكي، تحملها دافعى الضرائب من الطبقة العاملة الفقيرة في الولايات المتحدة، لصالح البنوك الكبرى والمؤسسات الرأسمالية العملاقة، مثل Myrill Lynch, AIG, Golden Sacs وغيرهم من عمالقة وول ستريت، والتي رفضها الكونجرس الأمريكي أولاً، ثم دارت عجلة الإعلام المُضَلل، وأديرت الصَفقات من وراء الأستار بين الجمهوريين والديموقراطيين، فأمروا القانون، ونَهَبت البنوك المال. بل والأدهى أن القانون الصادر قد خَلى من أي بندٍ يُجبر البنوك أو المؤسسات المَمنُوحة أن تقدّم أي إقرارات بجهات الصرف المزمع إنفاق المال فيها! وكانت هذه أكبر سرقة في تاريخ الولايات المتحدة، بل وفي التاريخ العالميّ الحديث، إذ لم يُنفق دولار واحدٌ على المستحقين ممن خسروا منازلهم وتكالبت عليهم الديون، ممن كان من المفترض أن تذهب هذه الأموال اليهم في المقام الأول. هكذا تعمل الديموقراطية مع الرأسمالية، يدا بيد، لتحطيم الطبقة الفقيرة، واستعبادها بكل معاني الكلمة. يحدث هذا في أكبر ديموقراطية في العالم الغربيّ!

إذن، فإنه كما ذكرنا، كان على الديموقراطية أو الرأسمالية أن تخلى إحداهما الطريق للأخرى، إذ يستحيل تطبيقهما سوياً للتناقض الذاتيّ بينهما. وكان أن تخلت الديموقراطية عن ثوبها، ولبست ثوب الخداع، بقيت إسما على غير مسمىً، وأسلمت قيادها لرأس المال، يرفع شعارها، ويهدم أركانها، ويخدع العامة بإسمها.

ولا يحسبن أحد أننا ننتصر لإشتراكية أو ما شابه، بل هي كلها هدم من الهدم. لكن الأمر أنّ أصحاب الرأسمالية لا يزالون ينهبون شعوبهم، بلا رحمة، خاصة في الولايات المتحدة، فيزيد الأغنياء غنىً، والفقراء فقراً، وتُمحق الطبقة المتوسطة، ويغرق الناس في الديون، لصالح الربوية الصهيونية، المدعومة بالسياسيين الخونة لبلادهم، وعلى رأسهم بوش الصغير وديك تشينى ومن لفّ لفّهم.

قصة فشلٍ مكرورة، يريد هؤلاء الصبية من مدعي "الثقافة" أن يدخلوا فيها مصر، بهد أن عانت بالفعل، عقودا طويلة، من ويلات التزاوج بين المال والسلطة، تحت شعارات فارغة المحتوى، يرددونها دون فهم أو نظر، أو بخبث وسوءٍ نية.

فإلى اين يقودنا "مثقفونا"؟ وماذا يريدون بنا؟ الفقر في مصر قد بلغ مبلغه، وانمَحَت العدالة الإجتماعية، وفشلت ما أسموها بالثورة في أن ينصلح هيكل الأجور والحوافز، كأول خطوةٍ للإصلاح. وبات الناس أقرب إلى ثورةٍ حقيقةٍ هذه المرة، لا تبقى ولا تزر. وهؤلاء يروجون لباطلهم، الذي يفاقم من التدهور، والذي قد أتي على إقتصاد أغنى دولة في العالم الحديث.

إفلا يصحُ إذن أن يتصدى لهم الشرفاء؟ ويوقفهم عند حَدِهم العقلاء؟