إزالة الصورة من الطباعة

وسائل العِلمانية .. في مُواجهة الإسلام

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث عن معنى العلمانية، ومضادتها للإسلام، حديث مكرورٌ، لم يعد هناك من المُهتمين بأمرِ الدين من الناس من لا يَعرفه ويَعيه. لكنّ الحديث عن مَواقف العِلمانية، وتمييزها وأهلها، ومعرفة ما يحيكون ويدبرون لسلب الإسلام أخص خصوصياته في حياة المسلمين، هو ما لا يصح التغافل عنه، إذ هذه الوسائل متجددة، وتلك المواقفُ سافرة متخفية. فلابد للمسلم من أن يتابعها عن كثب، وأن يكشف عوار أهلها، ويفضح طرقهم ووسائلهم ما استطاع لذلك سبيلا.

الوسائل التي يتّبعها العِلمانيون اليوم، بعد أن انكَشفت مُصطلحاتهم، وعرف الأقصى والأدني حقيقة انتسابهم إلى العلم زيفاً وغشاً وخداعاً، تتمَحور في عدة طرق، منها تبنّى لافتة الليبرالية، ليتهيأ للناس أنها تختلف عن العِلمانية في الأصل والجوهر. ومنها التقرب إلى من ينتسب إلى الإسلام زوراً، ليكون لأهلها نسب بالإسلام، ومنها إدعاء عدم الخروج هم الإسلام، رغم تبنى مبادئها، ومنها إستخدام الفزاعة القديمة، تهمة التكفير لمن يلقى بالحق في وجوه أهلها.

وحين نتحدث عن العلمانية، أو على الأصح "العالمانية" فإننا نتحدث عن عقيدة، تتخذ من التركيز على "العالم" المحسوس، وما فيه دينا ومنهجاً، وتتنكر لكل ما هو غير محسوسٍ سواء كان الله سبحانه، أو الملائكة أو اليوم الآخر. فهو إذن موقف عقديّ بالمقام الأول. أما الليبرالية، فهي موقف إجتماعيّ عَملي بالمقام الأول، تعنى التحرّر من القيود بإطلاق، خاصة من قيود الدين. فهما مختلفان أصلاً، وإن أدّت العِلمانية العَقدية إلى الليبرالية الإجتماعية، فهي منها كالسببِ من النتيجة. ولذلك يلجؤ منافقى العلمانية إلى التقلب بين التسميتين، بحسب المُخَاطَب. فإن خاطبوا مسلماً يحرص على العقيدة، رفعوا شعار الليبرالية، وإن خاطبوا "مثقفاً" – بزعمهم – رفعوا لواء العلمانية، "يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" البقرة 9.  

أما عن التقرب للإسلام، فهؤلاء يعلمون أنهم يتحرّكون في مجتمع مسلم بالفطرة والسليقة، وأن أيّ حَديث يبغى بالدين فساداً أو إفساداً، لن يجد إلا المقاومة والعداء، فكان لابد أن يلبس عؤلاء مسوح "إسلام" ما، ليحاولوا التقرب به إلى الشعب، أو على الأقل الغافلين منه، وتعلقوا باستار التلفظ بكلمة الشهادة، كتميمة تدرأ عنهم الوصف الحقيقي والمناسب والملائم لما هم عليه، وهو الكفر بدين الله وشرعه. وهو ما نراه من شيوع قولهم بأنهم مسلمون لا يزالون، وان القول بالمشروع العلمانيّ/الليبراليّ لا ينزع عنهم هذه الصفة! وكذبوا، فإن كلّ فكرة ومبدأ يقوم عليه الفِكر العِلمانيّ/الليبراليّ، هو مُعادٍ لله ورَسوله، مُحادٍ لدينهما.

أما عن التلويح بالفزاعة القديمة، التي استخدمها النظام الحاكم منذ عهد الهالك السادات، وخلال عهد المخلوع مبارك، ألا وهي فزاعة التكفير، وخلاصتها أنّ المسلم لا يصح ان يكفر أحداً مهما قال أو فعل، طالما هو متشحٌ بتميمة الشهادة. ونحن لا نقلل من فضل الشهادة، وأثرها، وأنها تطيش بها السجلات، حاشا لله، لكن نستخدمها في الحدود التي رَسَمها الله سبحانه، ضِمنَ منظومة الإسلام والكفر، ودلالاتهما، ونواقضهما، دون أن نتعدى على تفسير آية، أو نسقط حَديثاً أو نتخطى دليلاً. ولسنا بصدد شرح هذا الأمر، فقد أوسعه العُلماء بَسطاً، ودونا فيه ما هيئ لنا الله بفضله، لكن نكتفي هما بأن نقرر أنّ المسلم شئ، وناطق الشهادتين شئ آخر. وإن استلزم الإسلام النطق بالشهادتين لزوماً، فلا يستلزم النطق بالشهادتين الإسلام لزوماً. وناطق الشهادتين ينبغى أن يُلحقهما بما يؤكدهما، فإن ألحقهما بما يناقِضُهما، والتزم ذلك المُناقض، رغم علمه وتحذيره، سقطت عنه حمايتهما. والإسلام لا يسقط بالمعصية، لكن يسقط بما قررت الشريعة أنه كفرٌ مناقضٌ للتوحيد. والفاعل المعيّن للكُفر، إن فعله في مكان اشتهرت فيه الحُجة القائمة بالحق، بل وتَنَاظَر الناس فيها، إئمة العلمانية وإئمة الإسلام، على الهواء، وصارت ممّا عَلم الكبير ولم يَغِب عن الصَغير، وتسامع بها القاصى وملأت أسماع الداني، على الصُحف والتلفاز والإنترنت، وخَرجت من أجلها التظاهرات بالملايين، لم يبق مجالٌ للحكم بإسلامه، ووجب الحكم بكفره عيناً. فلا يصحُ أن تخيف هذه الفزّاعة المسلمين، خاصة من يناظرُ هؤلاء على الهواء، بل يجب أن يَصْدَعَ بالحقّ، قبل أن يَصْدَعَه الباطل.

هذه الوسائل الثلاث التي يتوارى خلفها أئمةُ العلمانية ورؤوسُ الكفر الحديث، يجب أن يعيها المسلمون، وأن يجيدوا الردّ عليها، وشَرحها للعامّة من الناس، فإن هؤلاء الإئمة يخدَعون الناس عن دينهم، بتلك الدّعاوى الزائفة عن الحَداثة والعَصرية ومواكبة الحَضارة وملاءمة العَصر، وكأنما كلّ هذا لا يتأتّى إلا بتعرية المرأة، والسّماح بالخمور، والتربح من الدعارة، إباحة الربا، الذي خرب إقتصاد الغرب كما هو مشهودٌ، والسقوط الخلقي الذي يسمونه "الفن"، والتخلى عن العلاقة بالله، تحت زعم إنها علاقة خاصة، يشهد الله أن أئمة العلمانية اللادينية لا يركعون لله ركعة إلا تورية ومداهنة في الأعياد والمواسم الرسمية.