إزالة الصورة من الطباعة

إلى أين يقود المَجلسُ العسكريُّ مصر؟

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

في كلمةٍ موجزة، المجلس العَسكريّ يتمتع بغباءٍ شديدٍ، وقصر نظرٍ حاد، وشراسةٍ طَبعية، وكراهةٍ أصيلة للإسلام. وهذا تقريرٌ لا مجال للشكّ فيه أو مُعارضته. ودلائل ذلك كثيرة متنوعة.

المَجلس العسكريّ لا يزال لم يَستوعب الدّرس المستفاد من الثورة المصرية والذي فهمه طوب الأرض، كما يقال. إذ لا يزال هذا المَجلس يمارس لبّ الديكتاتورية، بنفس التعنّت الذي مارسه مبارك، بل أشدّ منه تعنتاً. هامش الحرية الذي سمح به المجلس العسكريّ هو تمكين الشعب من سبّ مبارك والعادليّ، وأصحابهما. لكنه، كفعلِ مبارك، قد صنع من نفسه ذاتاً مقدسة لا يصحّ معارضتها أو "إهانتها"! ثم أخذ المَجلس العَسكريّ، في تشريع قوانين لا حق له في تشْريعها بعيداً عن إرادة الشعب، وقبل الإنتخابات، ونقل السلطة إلى المدنيين، وكأنه، بل هو بالفعل، يقول للشّعب: سأنقل إلى المدنيين سلطة مجردة من الإرادة والفاعلية، إذ سيتم ضبط كل الأمور الرئيسة، والتي تشّكل الهَيكل العام للدولة، وأركانها ومبادئها، قبل أن أسلمها لكم! وهو في هذا يُثبت قضية الغباء وقصر النظر. فالشَعب المِصريّ، قد كُبح جماحه، ووُطأت كرامته، ونُهب ماله، وهُتكت حريته، مدة ستين عاماً كاملة، ثم، بقدرة الله تعالى، خَرجَ الشَعب عن بكرة أبيه، فرُفع حاجز الخوف، وانتهى عصر التردّد، وعُرفت دية الثورة، عدد من الشهداء، راضين مرضيين. لكن المجلس العسكريّ لم يَعتبر بهذا الحَدَث الجَلل، صمٌ بكمٌ عميّ فهم لا يفقهون! لم يدرك أنه يجلس على بركان حامٍ، يغلى منذ ستين سنة، وما كان في 25 يناير إلا بعض حِمَمِه، لا كلها. فالمجلس العسكري، بهذا الغباء النادر وقصر النظر الحاد، يجرّ البلد كلها إلى مواجهةٍ لن تبقى ولا تذر، وهم، أعضاء هذا المجلس، أول من سيكتوى بنهارها.

ثم روّع المَجلس العسكريّ الناس بمُحَاكماته العَسكرية للمَدنيين، وبَطش بهم، بلا خَجل ولا مَروءة، وضرب المتظاهرين واعتدى على المتظاهرات، وتركَ أمن الدولة يلعب دوره الخبيث، متلفّحا باسم الأمن الوطني! وترك الأمن في الشارع نهباً للبلطجية، طوعاً وعمداً ، ليشغل الناس عن قضيّة الثورة المَوؤودة، والحُرية المَسروقة. فكان في هذا شرس الطبع، قبيح التصرف.

ثم، لوى المجلس العسكريّ رأسه، معرضاً عن إرادة الغالبية الساحقة من الشعبن وراح يتحدى دين الأمة تارة بعد أخرى، منذ زرع عدو الله والناس يحي الجمل، لتقنين الكفر بالشريعة والخروج عن أحكامها، ثم بإجتماعاته المتواصِلة مع مارقي الليبراليين والعلمانيين، يطمئنهم أن الديموقراطية المزيفة التي سيطبقها، لن تسْمح بدين الأمّة أن يحكم، ثم يصرح بذلك متحدّثوه، مرة تلو الأخرى، ثم يقرر أن يضع ألحد أهل مصر، أسامة الغزالي حرب، على رأس لجنة أوشكت أن تصدر هذه القوانين الشِركية "فوق الدينية"، التي ستقنن العلمانية وتُمليها على جمهور الناس، لمَصلحة أقليةٍ نصْرانية، وحفنةٍ علمانية، تُعد بالمئات لا بالآلاف. وهو دليل واضحٌ على كره المجلس العسكريّ للإسلامن وحرصِه على عدم تطبيقه، وكيف لا، ورؤوسهم ممن يتعاطون الخمر "في المناسبات"!

الأزمة إذن في أن الثورة قد تحولت إلى إنقلابٍ عسكريّ، سيَرضَى منه العِلمانيون بهامش حرية، يتفضّل به عليهم العسكر، طالما أنّ الدولة "مدنية"، لا دينيّة، والشريعة مُنحّاةٌ عن مَسرح الحُكم، والسِياحة الفَاجِرة والفنّ العَاهِر والكتبُ الفَاضِحة الكافِرة مَسْموحُ به. لكنّ الأمر هو، ماذا سيفعل المسلمون إزاء هذا التصميم العَسكريّ الذي يَحمل الغَباء والفُجر في جُمجمه واحدة؟ السؤال هو، هل سيركن الإخوان إلى هؤلاء، ويسيروا سَيرهم الذي إعتادوه من الرِضا بالكائن، والعَمل من خِلاله، مرة أخرى، ستين سنة قادمة؟ أيشُقون الصفّ الإسلاميّ، إن قرّر بقيّة المُسلمين، سَلفيّهم وعاميهم، من بقية الشعب، الخروج في وجه الفساد العسكريّ، من بقايا مبارك، وأن تكون ثورة حقيقية هذه المرة، لا تَهدأ حتى تُوسّد الأمور إلى أهلها؟ والخَبر الذي تردّد عن أن الإخوان رفضوا ما عرضه الوفديّ السلميّ، ينبؤ عن خيرٍ إن شاء الله. ثم السلفيون، هل يحسموا موقفهم الداعم للمجلس العسكريّ بعد أن ظَهَرَ إتجاهه، الذي لم يَكن خافياً في يوم؟ كذلك، ظهر من تصريحات الشيخ عبد المنعم الشحات والشيخ محمد عبد المقصود أنهم على طريق الحق إن شاء الله.

وإني أتوجَه إلى كلِّ من في قلبِه حُبٌّ لله ورسوله، وطاعةٌ لهما، أن يدرك أننا إزاء امتحان من الله سبحانه، ينجح فيه الطائعون المُبادرون بالعمل، والبائعون أنفسهم لله، ويخسر فيه المتخاذلون، المُتَسيّسُون، البائعون لسِلعة الله، الراغبون عن الجنة، الراضون بالحَياة الدُنيا من الآخرة. وليخرُج في مُواجهة قوى الكُفر، التي أسفرت بوجْهها، وانحازَت لمُعسكرها، ولم تعد تتخفى أو تتجَمّل، وليجعَلَ زماننا هذا زمنُ الفضل لا زمنُ الخزى، ومن بلادنا بلاد الإسلام والشَرع، لا بلاد الشِرك والوضع.