إزالة الصورة من الطباعة

العمل الجَماعي .. بين التطور والجمود - 3

  1. تحديد البدائل التي تُوائِم المرحلة

وهذا الشِقّ هو من أهم النتائج التي تترتب على ما قدمنا، إذ نسأل فيه السؤال الأخطر، ترى ما هي صِيغة العَمل الجَماعيّ الملائم للمرحلة الحاضرة؟ وللردّ على هذا السؤال، يتحتم النظر في عددٍ من النقاط التي تتعلق بهذا الأمر. لكن قبل أن نشَرع في هذا النظر، يجب أن نقرر أنّ هناك لحظة فارقة في المستقبل القريب، ستكون مُوجِّهة لمَسار العَمل الإسلاميّ بعدها، وهي الوضع التشريعيّ الذي ستنتهي اليه الحال بعد الإنتخابات، وربما كتابة الدستور، إذ سيتغير شكل العمل، بل ومضمونه وأهدافه، وفق ذاك الوضع المرتقب. ولهذا فقد قلنا من قبل أنّ مناطات الواقع الإسلاميّ المصريّ حالياً، مناطات تتميز بالدقة والديناميكية، ومن ثمّ تحتاج إلى نظرٍ دقيق يتتبع تغيراتها ويساير أوضاعها، دون جمودٍ أو تسَيّب. ولهذا، كذلك، ننبه إلى أن ما نذكره هنا ليس منحوتاً في صخرٍ، بل هو كالوثيقة الحية التي يعتريها الضَبط والتعديل على الدوام، أو كالنّظرة الجَائلة التي لا تستقر حتى ترى الوضع قد استقر من حولها.

ثم نعود إلى النقاطِ المَطروحة:

من الواجب أن نبيّن أن الفكرة التي يقوم عليها مفهوم الجماعة حالياً هي فكرة تستبدل الجماعة بالشعب، وتقدم نفسها بديلاً عنه إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً، ولسنا بحاجة إلى الدلالة على صحة هذا الأمر أبعد من أن نُذكر بتصريح أحد قادة الإخوان، وهم الممثلون الأكبر للجماعات الإسلامية المنظمة، عن زواج الإخواني بالإخوانية. ومهما كان تفسير هذا القول، إلا إنه يدل على صِحّة التفسير الذي إعتمدنا. ومن هذا المُنطلق، فإنّ مفهوم الجماعة، بهذا المنطق يجب أن يتغير تغييراً تاماً، لعدم ملاءمته للمرحلة. والمُلاحظ أن هذا النهج من التنظيم يستقطب الشباب من قليلي الخبرة، الذين يتحرّكون من خلفية حَماسية تريد العمل وترى النهج العسكريّ منظماً لنشاطهم إلى حدٍ كبير. كما أنّ هذا النهج من التنظيم يحتفظ بالقدامي، بينما يحتفظ القيادة بحق التفكير والتدبير، وبهذا يكون طريق الإبداع قد أغلق أمام الشباب. كما أنه يجعل الجماعة في معزل عن القاعدة الشعبية العريضة التي لا تنتمى إنتماءاً عضوياً للجماعة، ممن يفرز توجساً من ناحية، يقابله تعالٍ من ناحية أخرى.

ثم إن الهيكلية الحالية للعَمل الجماعيّ، إن ظلّ على حاله، يجب أن تنالها يد التعديل والتطوير، مسايرة لما يجرى على الساحة الإسلامية. ومن هذه التغييرات الآليات المستخدمة في إصدار القرار، ومدى شمول القرار للقاعدة التي أسس عليها، وإعتماد آلياتٍ مُحددة للنظر في المُعارضات ودراستها بطريقة جدّية ومفتوحة. كما يجب أن تتفصل آليات العمل السياسيّ عن العمل الدعوى بطريقة تامة وحقيقية. وذلك الفصل لا دخل له بفصل الدين عن السياسة كما قد يظن البعض، إنما ذلك من منطلق التخصّص في العمل الذي يُؤهِّل للإجادة فيه، كما يمنع التداخل والتدخل في أمور الدعوة بحجة السياسة وألاعيبها. كما يجب القضاء على المركزية في القرار، والتي قد يكون لها مبررٌ في عصور الظلام والإرهاب، لكن الأصل هو تحرر الشُعَبِ المختلفة من خناق السلطة المركزية ليمكن لها الإنجاز حسب ما تراه على أرض الواقع.

  1. خطورة التمسّك بأساليبٍ بالية تخدَعُ ولا تَنفعُ:

والأمر الأخير الذي نودّ أن نُشير اليه، ونحذّر منه، هو الإستمرار في تبنّى الأشْكال الدَعوية التي تتخذ توَجّهاً ينفَصِل بها عن الشعب، من حيث تسعى إلى التقارب معه، والتي تتخذ الهَيكلية العَسكرية والفِكر المُتحَجّر في نُظمِها الأساسية، إذ ذلك لن يؤدى إلا إلى تقهقر العَمل الإسلاميّ وإضْعافه، ولا تنفع إلا فئة معينة ممن هرِموا في ظلّ هذه التنظيمات، وصارت عملية إعادة النظر فيها من الأمور المستحيلة بالنسبة اليهم. ولا يختلف إثنان على أنّ من هم في موقع المسؤلية، أكثر من غيرهم، أسرى ما اعتادوا. وهو ما يجعل مُهمة التغيير في غايَة الصعوبة.

الواجبُ على القائمين على العمل الإسلاميّ في الوقت الحاليّ أن يتجاوزوا ما استقرّ من عادات لم يعد لها محلّ، وأن يسْبِقوا العمل بالفكر، وفهم أنّ تطوير هذا العمل أمر واجبٌ شَرعاً، فالعَمل الإسلاميّ وسيلة إلى غاية، فحُكمها حُكمه. وليس من الشَريعة إستخدام وسائل لا تؤدى إلى المَقاصِد.

وأخيراً، فهذا جَهدُ المُقِلّ، أضَعه بين أيدى أهل العلم من ناحية، للتوافق عليه، أو الإختلاف فيه، ولكن الضَرورة هي أن يُنظر فيه بجدٍّ. كما أضَعه أمام شَباب الدّعوة، ينيرُ لهم بعض الطريق في هذا النَفق المُظلم، الذي يَتخبّط فيه العَالم قبل المُتعلم. والأمر لن يَحسمه مقال، أو يُرشّده إجتماع، بل يجب أن يخضع هذا الموضوع لدراسةٍ نظرية وعملية، حتى نصلُ إلى ما يُناسِب المَرحلة، ويخدِم الدّعوة، ويحفظ الحُرّية الشَخصية، ويدفع بمسيرة الإسلام إلى الأمام.

ولله عاقبة الأمور، وهو وليّنا وحسبُنا