إزالة الصورة من الطباعة

الأيدى التي تعبثُ في الخَفاء

الحمد لله والصلاة والسلام على رَسول الله صَلى الله عليه وسلم

المجلس العسكريّ يوجّه البلاد وِجهَة يَرضاها، ولا ترضاها. حكومة عصام شرف ضعيفة مسلوبة الإرادة أمام سطوة المجلس العسكريّ. رموز الفساد لا يحاكمون حقيقة، بل يمضون وقتاً وراء القضبان، أحياناً، إلى حين. مبارك يعيش في مأمنه وسط عائلته، ويعالج على أعلى مستوى، إن كان صحيحاً أنه يعالج. النائب العام، بصفته من رجال مبارك، يَمكُرُ ويُفسِد في التحقيقات. الداخلية لا تزال على غطرستها وانشقاقها عن الكيان الشعبيّ. الأمن الوطنى هو أمن الدولة، بلا تغيير. الغاز المصريّ لا يزال يضخ للكيان الصهيوني. غزة لا زالت ترزح تحت خناق الحصار المصريّ. دمُ الشهداءِ - بإذن الله - قد جفّ دون أية خطواتٍ إيجابية لمُحاسبة الجناة.

كلّ هذه حقائق لا يمارى في صحتها أحدٌ، سواء من شارك في مظاهرات 8 يوليو وإعتصامات ما بعدها أم من لم يشارك. وهي كلها، إن دلت على شيء فإنما تدلّ على خطة مُمَنهجَة لتمييع الوضع الثورى للبلاد، وإحالتها إلى دولة ظاهرها مدنيّ، وباطنها عسكريّ. وهو ما يجعل الخروج للشارع مشروعٌ بل مطلوب.

لكن، الأمر أنّ اللادينيين العلمانيين قد تخفوا في زي الحمل، واندسوا في صفوف الجماهير العريضة، لتحقيق مطالبهم في فرض اللادينية على الدستور، وفي تحقيق مكاسب شخصية، كإعتلاء مناصب أو الهرب من فساد. ومن هؤلاء، وعلى رأس هؤلاء ممدوح حمزة، الذي كان زميلاً لي في نفس الفصل، وتخرجنا سوياً من الجامعة، وهو ما لا أشْرُفُ به، ومنهم إبراهيم عيسى اللاديني العتيد، ومنهم عمرو حمزاوى، ومن خلفهم يقبع محمد البرادعيّ، ونجيب ساويرس. والأخطر من هؤلاء ما تقوم به بعض الجهات لحساب الصليبيين الأمريكان، من خلال تمويل عدد من "شباب الثورة وإئتلافاتها"، ليروّجوا لأفكارِهم بين العامة، وليشيّعوا أكبرَ درجاتِ الفوضى في الداخل، وليحققوا مكاسب شخصية مثل حمدين صباحى والوفديين.

والسؤال الآن هو: أيخرج الشباب إلى التظاهر، ليطالب بتعديل ما اعوج من أحوال الثورة على يد العَسكر والحُكومة، ويخاطرُ بمساندة هذه الثورة المُضادة التي تقصد إلى إقصاء الشريعة عن الحياة في مصر، واستبدالها بشكلٍ علمانيّ ديموقراطيّ خارجٍ عن دين الله؟ أم لا يخرج الشباب إلى الميادين، فيقللوا من خطر هؤلاء اللادينيين، لكن مع المخاطرة بالثورة وأهدافها، والسماح لكلّ ّما ذكرنا من تجاوزات أن تستمر، ومن ثم أن يستمر الفساد في الأرض؟ معادلةٌ في غاية الصعوبة.

الحقُ أن القصد في التظاهر، والحكمة في تناول الإعتصام هي التي يجب أن تكون هادياً في هذا الموقف الشائك. فمما لا شكّ فيه أن الخلل في مسيرة التغيير كبيرٌ ويجبُ رأبه بلا مهادنة. ومما لا شكّ فيه أن المكرَ الذي يروّجه أتباع أمريكا وأنصار اللادينية أمرٌ يجب التصدى له. وبالعودة إلى ما تقرر في أصول النظر نجد أنّ الأمر أمر مصالحٍ ومفاسد، يخضع لحساباتهما. ومعروف أنّ تفويت المفسدة مقدمٌ على جلب المصلحة. ومن ثم فإنه يجب أن يكون الخروج تحت شعارٍ واحدٍ وهو حفظ الحقوق الضائعة، والمطالبة بتطبيق الشريعة. وإلا فالإمتناع أولى.

وما لا افهمه، هو ما الذي يمنع أن تقوم الأطياف الإسلامية كلها بتنظيم تظاهرات تنادى بالوقوف في وجه العلمانية، والمطالبة بالشريعة؟ ألا يرَون أنّ الصوت العالي يجدى، وأن أخذ الحقوق لا يكون بالتوارى في الشقوق، وأن المُسالمة والمُهادنة، لا يأخذ صاحبها حقاً ولا ينال رزقاً. وليس هذا يعنى التخريب وتعطيل الأعمال أو البلطجة، بل يجب ان يستخدم المسلمون ما أتيح لهم من طريق، وان لا يتخذوا مظهر المتخاذل أو المتواطئ، أو المتباطئ في التغيير أو إرجاع الحقوق لأصحابها.